[ميساء البشيتي]

غاليتي الأستاذة هدى
شكرا لك على فتح هذه الصفحة المهمة في ذكرى رحيل شاعرنا الغالي طلعت سقيرق
قرأت طلعت سقيرق في أكثر من صنف أدبي .. هو شاعر لا شك في ذلك .. بل هوفارس من فرسان
الشعر ولكني قرأته قاصاً يكتب القصة القصيرة العميقة والهادفة وكان بارعاً فيها ..
ولا زلت أتذكر بيني وبين نفسي تلك القصة التي بحثت عنها طويلاً ولم أجدها
والتي يقول فيها على ما أذكر .. بسمل وحوقل إلى آخره .. قصة قصيرة مغزاها أن الإنسان
نصيبه سيصيبه لا محالة .. ولكنها كانت بطابع فكاهي جميل جداً ..
كان أسلوبه بالشعر أو بالقصة أو بالمقالة يخلو من التشاؤم .. كان دائماً متفائلاً
على الرغم من أنه كان واقعياً جداً إلا في قصائده فقد كان حالماً وبامتياز ..
كنت دائماً حين أود أن أركن إلى قليل من الهدوء والراحة ألجأ إلى قصائده
وإلى رسائله إلى الأديبة الغالية هدى الخطيب ولطالما أبكتني هذه الرسائل جداً
وربما كان أول ما قرأته له هو هذه الرسائل .. ثم انتقلت إلى القصص والأشعار ..
كان أسلوبه واضحاً جداً فلقد كان شخصية واضحة وضوح الشمس .. لم يكن يلجأ إلى
العبارات المعقدة والتي لا تفيد بشيء إنما توتر القارىء فتجعله ينفر من القراءة ..
وفي يوم سألته : ما رأيك بمن يلجأ إلى استخدام هذه العبارات والجمل التي هي غاية في التعقيد ..
ولماذا لا يستخدمها هو في أسلوبه سواء في الشعر أو النثر أو القصة ؟
فقال : لا .. لا داع لكل هذا التعقيد ..
الشعر موسيقى .. الشعر بالأصل موسيقى تصل الآخر فيطرب لها .. فلا داع لتعقيد
الشعر بهذه المصطلحات والمفردات المعقدة ..
كان شخصية بسيطة واضحة قريبة من القلب وكانت أشعاره تشبههه ..
كان لطيفاً وأديباً وإنسانياً حتى أبعد حد ..
وكان دائم التندر .. ربما هذا جعل شعبيته كبيرة .. ومحبيه كثر ..
كان قليل الكلام لكن كلامه كان باتاً فلم يكن يحب الجدل كثيراً والثرثرة ..
كان متواضعاً وجداً .. وكان معلماً .. كان يحب ويشعر بالمسؤولية تجاه الآخر لذلك
كان يشرح دائماً عن اللغة وقواعد اللغة والأخطاء الشائعة .. كان مسؤولاً بكل ما
تحمله الكلمة من معنى .. كان موجهاً .. وللجميع ..كان ينتقد بأسلوب راق جداً ..
باختصار شديد هو شخصية جميلة .. نادرة .. متميزة ..
آخر شيء أود أن أقوله هو أنه رحل قبل أن أقول له شيئاً ..
وهو .. حين نشر لناالتسجيلات الشعرية بصوته ..
كنت أود أن أقول له لماذا لا تكون التسجيلات بصوتك لكن دع الصورة تكون لنا ..
فقد سألنا في وقتها هل التسجيلات واضحة ؟
هي كانت واضحة .. لكن أنا كنت أحب أن تكون الصورةمن الطبيعة مثلاً ..
أو من أشياء أخرى تساعد المتلقي حين ينظر إليها أن يركز فقط في الصوت ..
أما حين تكون صورته أمامنا فلن نركز في الصوت أو الشعر ..
هذه كانت وجهة نظري في حينها .. لكن لم يسعفنا الوقت فلقد رحل قبل أن أقول رأيي ..
والحمدلله أنني لم أقله فلقد بقيت لنا الصورة .
الحديث عن طلعت سقيرق يطول جداً ولمن يريد أن يعرف أكثر عن شخصية هذا الإنسان
فليذهب إلى مقهى أبو الشوق ويرى بنفسه كيف كان طلعت سقيرق يحب أن يتنفس هواء الكرمل ..
كان شاعراً حتى حين كان يحتسي كوب قهوته ..
أترك الساحة لمن يريد أن يتابع وقد أعود لنتابع معاً صفحات من ذكراه العطره ..
ألف رحمة ونور تتنزل على روحه الطاهرة