عرض مشاركة واحدة
قديم 05 / 07 / 2008, 58 : 06 PM   رقم المشاركة : [5]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: ’’ القارئ ناقدا ’’ للأديب أ : محمد توفيق الصواف

من هموم قارئ عادي!!

(للنقد أهله المختصون)...
[align=justify]
ولذلك، فمن الأفضل للقراء العرب المغلوبين على أمرهم، حتى أدبياً، أن يظلوا ملتزمين بالمثل القائل: (أعطِ الخباز خبزه ولو أكل نصفه)..!! لكن أليس من حق هؤلاء المساكين، ما داموا هم الذين سيأكلون هذا الخبز في النهاية، أن يقولوا رأيهم فيه، على الأقل، وخصوصاً إذا لم يعجبهم؟ أم أن مصادرة حرية الرأي التي يتقلبون في نعيمها مُكرهين، توجب عليهم أن يزدردوا خبز النقاد والمبدعين، مهما كان رديئاً، بل أن يثنوا عليهم ويصفقوا لهم أيضاً؟!!
ليعذرني السادة المبدعون والنقاد العرب إذا تجاوزت قدري، وطلبت من جلالاتهم، باسمي وباسم جميع قرائهم العاديين من أمثالي، السماح لنا، ولو لمرة واحدة على الأقل، بأن (نَفُشَّ) قلوبنا، ونقول رأينا في ما يُقدَّمونه لنا من نتاجات عبقرياتهم العظيمة؛ لأننا ـ والله ـ لطول ما صمتنا، قد صدئت ألسنتنا في أفواهنا، وسوَّست أسناننا البلاغية والمعرفية، وباتت حُلَمُ ذوقنا الفني والأدبي في حالة احتضار.
لا أظن سادتنا المبدعين والنقاد العرب يبخلون علينا، بفسحة، ولو صغيرة، من حرية التعبير عن رأينا. وما يرفع ظني هذا إلى درجة اليقين، زعمهم جميعاً ـ حماهم الله ـ أنهم لا يعيشون ويعملون إلا من أجل إمتاعنا وتغذية عقولنا العزيزة على قلوبهم. فمن أجلنا سهروا الليالي وراء طاولاتهم، وأعموا عيونهم بالقراءة، واستهانوا بصحتهم العزيزة، فكرعوا ما لا يحصى من كؤوس الويسكي والشاي وفناجين القهوة الحلوة والمرة، ودخنوا مالا يعدُّ من السجائر، غير عابئين بكل تحذيرات الأطباء حول أخطار التدخين والمنبهات والمسكرات على الصحة.. ومن أجلنا أيضاً، ذلُّوا أنفسهم، وقبَّلوا أيدي الناشرين العرب وغير العرب، لينشروا لهم ما أبدعوه لنا، ولو بـ (بلاش)، حتى يثقفونا به ويمتعونا، جزاهم الله عنا كل خير..
لنتوهَّم، إذن، أن صدور مبدعينا الأفاضل، ونقادهم المعظَّمين، قد اتسعت قليلاً، وسمحوا لنا ـ نحن القراء العاديين ـ أن نقول رأينا في ما يقدمونه لنا، من أدب ونقد، رغم اعترافنا، سلفاً، بأننا من الجاهلين بأصول النقد الموضوعي وغير الموضوعي، وبأساليب الحداثة، ومتاهات البنيوية والتفكيكية، بل إن جهلنا يمتد إلى الكلاسية، حتى، وإلى الرومانتية والتكعيبية والتربيعية والتثليثية، وما لا أعلم من مصطلحات أخرى، شرقية وغربية، لا أحفظها كلها، لحسن الحظ، فما عساه يكون رد فعلهم على رأيي، ورأي أمثالي من جهَّال النقد والأدب، بما يكتبون؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال التكهني، دعونا نلقِ نظرة سريعة على ما يكتبه معظم نقادنا العرب الذين حملوا راية النقد العربي من بعد مندور والعقاد والمازني وطه حسين، ومن لفَّ لفهم، ونهج نهجهم، أو قريباً منه، فماذا نجد؟
قد لا يكون من الافتراء في شيء أن نقول: إن الكتابات النقدية لمعظم نقاد اليوم، تُعد، في غالبيتها، تقريظاً ـ أي مديحاً وثناء ـ لما (أبدعه) معاصروهم من الأدباء العرب، وخصوصاً المشاهير منهم..
فمثلاً إذا عطس شاعر مثل محمود درويش، لن يعدم ناقداً يرفع عطاسه فوق شعر المتنبي ودانتي، وإذا تنحنح روائي مثل نجيب محفوظ وجد من يكتب مجلداً أو أكثر في جماليات نحنحته وأبعادها الإبداعية وما تتفرد به من حكمة تفوق حكمة (كونفوشيوس)، وإذا خربش قاصٌّ مثل زكريا تامر، في لحظة ملل، على ورقة أمامه في مقهى، انبرى ناقد، أو أكثر، ليسوِّد لنا الصفحات الطوال في تحليل خربشته واقعياً وبنيوياً.. مع أن هؤلاء المشاهير وغيرهم يقرون، هم أنفسهم، بأن ما يصدر عنهم ليس في مستوى واحد من الجودة، ولا يتطور نحو الأفضل باستمرار، بل لهم سقطاتهم، لأنهم يعترفون ككل المبدعين القدامى والمعاصرين، بأن المبدع مثل البحر يلقي لؤلؤة مرة، وجيفة مرة. وعلى الناقد أن يمتدح الجيد في إنتاج هذا المشهور أو ذاك، وأن يشير إلى الرديء ويبينه.. هكذا فعل نقادنا القدامى، حين لم يغضوا طرفاً عن سقطات عمالقة مثل المتنبي وأبي تمام، وقبلهما حسان بن ثابت الذي لم تمنع مكانته، كصحابي، النقاد من التعرض للضعيف من شعره بالنقد اللاذع. وليس العرب بدعاً بين أمم الأرض في التزام قدامى نقادهم بالموضوعية، فمن يَعُدْ إلى ما كتبه النقاد الإنكليز عن نجم مثل شكسبير، فسوف يجد كثيرين تحدثوا عن سلبيات إبداعه بنفس الحماس الذي تحدثوا به عن الجيد من هذا الإبداع..
أما نقاد العرب اليوم فلا حديث لهم إلا عن الجيد من إبداع معاصريهم حتى ولو كان رديئاً، ما دام مبدعوه من المشاهير، وكأن الشهرة صارت في عرفهم أماناً من بيان السلبيات، وحصناً من الهجوم على الرديء! وإذا أردنا أمثلة، فسأكتفي بمثالين يدلان أبلغ الدلالة على هذا النهج الموروب في نقدنا العربي المعاصر. فمثلاً، ورغم كل ألمعية روائي مثل عبد الرحمن منيف وقدرته الرفيعة في الإبداع الروائي، تعد روايته (حين تركنا الجسر) من أكثر الروايات العربية تفككاً وإملالاً، حتى أننا لو وضعنا عليها اسم أي روائي غيره، لنتف نقادنا المحترمون ريشه نتفاً، ولأوسعوه غمزاً ولمزاً وتقريعاً. ولكن اسم عبد الرحمن منيف وشهرته الواسعة حمت هذه الرواية من نقدها نقداً موضوعياً، وحرمتها بالتالي من التقييم الصحيح.
ومثل هذا الكلام يمكن أن يقال في قصيدة محمود درويش (محمد) التي نظمها، ولا أقول أبدعها، في رثاء الشهيد (محمد الدرة)، فهي إذا قيست بمستواه الشعري المعروف بدت قصيدة من الدرجة العاشرة وربما أقل، ومع ذلك، وجدت هذه القصيدة عشرات الأقلام التي مجدتها ومدحتها، لا لشيء إلا لأن ناظمها هو الشاعر المشهور محمود درويش.
هذا بالنسبة لفعل نقادنا الأشاوس ـ حماهم الله ـ حين يكون (المنقود) أحد مشاهير المبدعين، أما إذا كان (المنقود) صديقاً حميماً، أو دبلوماسياً، أو مسؤولاً ترتعد لذكر اسمه الفرائص، أو فتاة على وجهها ضوء، فإنك ترى، عند ذاك، النقد يتوهج بالتقريظ أكثر، حتى يصيب وهجُه الناقدَ بالعمى، فلا يعود يرى في عمل هذا الصديق أو ذلك المسؤول أو تلك الصبية، مما يسميه (إبداعاً)، أي عيب فني أو مضموني واحد، ولا يستشعر في غثه طعماً غير لذيذ، ولا يشم منه أي رائحة غير زكية، ولا يجد بين سطوره، الأكثر ثقلاً من طين الشتاء وهَمِّ القلب، إلا ذلك الكم من الفوائد التي لا تعد ولا تحصى، وذلك التحليق الدائم الذي لا ينتهي في فضاءات الجمال الآسر والإبداع المعجز!..
وكأمثلة على هذا النمط من النقد التقريظي، أكتفي بإيراد المثال التالي، بقصد الدلالة، لا الاستقصاء:
في عام 1998، أصدر السفير (أمين إسبر) مجموعة من النثعيرات (قصائد النثر) أطلق عليها اسم (بياض اليقين)، وما كادت هذه المجموعة تصل إلى أيدي النقاد، حتى انبرى كثيرون منهم يدبجون مدائحهم النقدية في هذه المجموعة وصاحبها، فإذا بها تغدو درَّة الشعر العربي المعاصر، وواسطة عقده، ويغدو مؤلفها فوق قمة إبداعية لم يبلغها قبله إنسٌ ولا جان.. وشارك في المهرجان المدائحي لهذه المجموعة النثرية عدد من نقادنا اللامعين أمثال الدكتور عبد العزيز المقالح الذي قدم لهذه (التحفة الإبداعية) بفيض من العبارات التقريظية من مثل قوله: (وفي هذا الديوان المتمرد الأنيق للصديق السفير الشاعر الدكتور أمين إسبر إضمامة من النصوص واللوحات الشعرية المتفجرة بآخر الأحاسيس والمشاعر المشتعلة في ساحة الوطن الكبير). هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الشكل، فيقول المقالح مقرظاً: (وإذا كان ولابد من تنسيب هذا العمل الإبداعي إلى نوع أدبي متعارف عليه فهو من صميم الشعر الحر).
أما الدكتور عبد الإله الصائغ، فقد ذهب به الإعجاب ببياض اليقين وإبداع صاحبه فيه إلى حد تسويد أكثر من مئة صفحة جعلها في كتاب وَقَفَه للحديث عن فرائد هذه المجموعة النثرية، وخصوصاً البعد المكاني في نصوصها( )، وأفاض على هذه المجموعة من ألوان المديح ما لم يبلغ شأوه كبار مداحي الخلفاء والأمراء، حتى في العصر الذي نسميه، ظلماً، بعصر الانحطاط!! وقد شارك في سمفونية المديح لهذه المجموعة النثرية بعض المبدعين من أمثال الشاعر الكبير سليمان العيسى!.
ونحن لو دققنا النظر في نصوص مجموعة إسبر، بعيداً عن التعصب لما يسمى بقصيدة النثر، وبعيداً عن كون مؤلفها دبلوماسياً، لما وجدنا فيها سوى مجموعة نصوص نثرية عادية جداً، أقرب ما تكون إلى الخواطر الأدبية، موشَّاة ببعض الشطحات الخيالية أحياناً، ولكن أغلبها لا يرقى إلى مستوى أن يُعدَّ شعراً بحال، كما سأسعى إلى إثبات ذلك في دراسة لاحقة.
وهكذا يظل بعض نقادنا، من المدَّاحين ـ أطال الله أعمارهم وألسنتهم وأقلامهم ـ ينفحوننا بمدائحهم النقدية التي لا تأتيها الموضوعية، من بين يديها ولا من خلفها، آملين انتقال عدوى العمى إلى بصائرنا وأذواقنا، عسانا نصير مثلهم، لا نرى عيباً، في أي نص شعري معاصر، حتى ولو كان منثوراً، ولا سقطة في أي رواية، حتى ولو كان أسلوبها أو مضمونها يجلب لقرائها الغثيان..
وبعد أن تصير (إبداعات) أدبائنا المعاصرين، في أعيننا التي أعماها النقد التقريظي، جميلة كلها ورائعة، مثل شتاءاتنا التي لم نعد نشعر فيها بالبرد أو نبتل بالمطر، يأتي دور إعجابنا القسري بما كتبه نقاد التقريظ عنها وعن مؤلفيها. والويل كل الويل لنا ـ نحن القراء ـ إن لم نؤِّمن على ما كتبوه عنها، وإن لم نصدِّق بأنها، جميعاً، قد سدَّت ثغرة في مكتبتنا العربية، وفتحت، في عالم أدبنا العربي، فتحاً مبيناً، دونه فتح القسطنطينية وبيت المقدس، وفتح عقولنا بكل تلك الجروح التقريظية الرهيبة..
وقد ظل الحال على هذا المنوال، حتى انكشف لنا ـ نحن القراء ـ الطابق المستور، فأقلعنا عن شراء الكتب الإبداعية والنقدية، على السواء، وفضَّلنا الجهل الإرادي على تسطيح عقولنا، بالإكراه؛ الأمر الذي أدى، في النهاية، إلى وَقْفِ حال الكتَّاب والنقاد، ومن ثمَّ، إلى صيرورة سعر الكِتَاب الأدبي أرخص من الفجل.. ومن لا يُصدِّق هذا الكلام، ليسأل أصحاب دور النشر وحوانيت بيع الكتب، كي يتأكد من أن نتاجات معظم المبدعين العرب المعاصرين ونقادهم التقريظيين هي الأكثر كسادا، في سوق الكتاب العربي.
وأعتقد، أنا وأمثالي، من رواد هذه السوق، أن كساد تلك الكتب هو نتيجة طبيعية لافتقار معظم الإبداعات الأدبية إلى ملامسة أوجاعنا وهمومنا، ولافتقارها إلى القدرة على الإمتاع والفائدة، ثم لافتقار معظم الكتابات النقدية التي تناولت تلك الإبداعات، إلى الصدق والموضوعية. وإليكم كيف حصل ما حصل..
في البداية كان القارئ العربي/طيب القلب يُصدِّق ما يقوله نقاد أدبه المعاصرون، فيذهب إلى المكتبات أو المعارض المذهلة الزاخرة بالإبداعات، ليشتري الكتب التي نقدوها مادحين مهللين لعظمة مضمونها وروعة فنها ومهارة مؤلفيها.
وكنت ترى الواحد من أولئك القراء، ما إن يشتري الكتاب الذي قرأ عنه، في هذه المجلة أو تلك الصحيفة، حتى يهرول إلى بيته هرولة، وأحيانا يركض ركضاً، غير عابئ بتعريض حياته للخطر دهساً، في شوارع الوطن العربي التي لم تتمرد إلا على قوانين السير؛ وكل ذلك ليصل إلى البيت سريعاً، ويفتح الكنز المعرفي أو الفني أو الأدبي الثمين الذي دفع ثمنه من لقمة عياله، وليُمتِّع نفسه بمطالعة درره، ويغذي روحه (الهزيلة) بمعانيه (الدسمة)، وينهل من ينابيع فنه (العذبة)؛
لكن.........،
ها هو، المرة تلو المرة، ما يكاد يتجاوز غلاف الكتاب الذي اشتراه، حتى ترتسم الخيبة على وجهه، ويعتصر الألم قلبه وجيبه معاً، حسرة على ثمن ذلك الكتاب.
لأنه، إن كان من هواة الشعر وقرائه المغرمين به، لا يجد في ما ينشره معظم شعراء العربية، اليوم، ما يتناسب مع قدرته على الفهم، ومع قابليته على الهضم، ومع ذوقه المتخلف.. ولماذا؟ لأن ركب الشعر الحديث، كما يتوهم بعض شعرائه الفطاحل، قد سبق قراءهم، في عوالم التعبيرات الغامضة التي يصفونهـا بـ (الرمزية)، والرمزية منها براء، ذلك أن أحداً لا يستطيع فكَّ طلاسمها إلا كاتبها نفسه، أو ناقد من أصدقائه المقربين، أخذ على عاتقه دور راوية شعره ومفسره ومسوقه الدعائي، على صفحات الجرائد والمجلات التي عقد أوثق الصلات مع المسؤولين عن التحرير فيها، قبل أن يمتهن النقد.
أما إن كان الكتاب الذي اشتراه ذلك القارئ المسكين رواية، فالأمر أدهى وأمرّ.. ذلك أنه قبل أن يشتريها، قرأ عنها في بعض المجلات المختصة، أنها رائعةُ مؤلفها، وفريدة عصرها وأوانها، بما فيها من موضوعية المضمون والطرح، والالتزام بقضايا الجماهير العربية من الماء إلى الماء، ومن النفط إلى النفض، وبقضايا الشعوب المقهورة من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي؛ وأنها خلاصة التجريبية، والأولى بين الروايات العالمية التي استطاع مؤلفها الفذ أن يستخدم حتى التكعيبية في سرده الروائي، وأن يستفيد من آخر مكتشفات علم النفس الحديث والقديم، ومن أحدث النظريات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والكونية، بما في ذلك غزو الفضاء وحرب النجوم والكواكب والمجرات...
وهاهو المسكين، بعد أن صدَّق هذا الهراء كله، يهرع إلى بيته، ليفتح هذا السِفر العظيم، فإذا به لا يجد لتلك الرواية العجيبة بداية ولا نهاية، ولا يفهم مضموناً، ولا يستمتع بفن.. ولهذا يعيد القراءة ثانية، ثم يعيدها ثالثة ورابعة، لكن دون جدوى، وحين يبلغ به اليأس من الفهم منتهاه، يتجرأ ويفتح فمه ليسأل، على استحياء، محاولاً العثور على تفسير، بعد أن يتهم نفسه بالغباء الثقافي والعمى الفكري، وفقدان الذوق الفني/ الكلاسي والحداثوي، معاً.... وما إن يصل سؤاله إلى السادة النقاد، حتى يهبوا لنجدته، فيسارع بدوره إلى التهام تحليلاتهم وتفسيراتهم، عساه يجلو، بقراءتها، ما استغلق على فهمه، وما هي إلا مقالة أو مقالتين، من كعب دست قرائحهم، حتى يجد القارئ نفسه غارقاً في دوامة أكبر وأعقد من المصطلحات والعبارات النقدية، التي يصبونها في أذنه. وتكون النتيجة، بالتالي، أن القارئ، وعلى الرغم من كل ما يتحفه به سادتنا النقاد، من مصطلحات ومفردات غريبة ينثرونها في كتاباتهم النقدية، ليثبتوا له اتساع ثقافتهم المعرفية، وليكرهوه على الاقتناع بعمق رؤيتهم النقدية، يظل المسكين يشكو، فنياً ومضمونياً، من سوء هضم الرواية المنقودة ومن سوء هضم نقدها...
أخيراً، وبعد أن ييأس تماماً، من فهم الرواية ونقدها، يرميها جانباً، ثم ما إن يخلو لنفسه، ساعة من نهار أو ليل، حتى تراه ينظر يمنة ويسرة، مستطلعاً، إن كان ثمة من يراقبه، وحين يطمئن إلى أن أحداً لا يراه إلا الله، يسارع إلى الروايات القديمة الموصوفة بـ (المتخلفة والرجعية وغير الحداثوية)، ليعيد قراءتها بنهم، شاعراً بمتعة لا تعدلها متعة، متعجباً، في أثناء ذلك كله، من عدم تطوره وارتقائه إلى مستوى الرواية المعاصرة في الفهم والتذوق، ثم قانعاً بتخلفه، وهو يعزي نفسه قائلا: (بلا حداثة، بلا وجع قلب)..
وإذا انتقلنا من الرواية إلى القصة القصيرة، فهنا الطامة أعظم والمشكلة أعقد.. ذلك أن كل من أسعفه حظه السعيد بمعرفة مسؤول إعلامي، في هذه الجريدة أو تلك المجلة، ووجد في نفسه، وقلمه الفاخر، القدرة على أن يخربش سطرين لا معنى لهما، إلا في قلبه وتأويل نقاده، يسارع إلى قذف القارئ العربي بهذين السطرين، معلناً له أنهما قصة قصيرة، عليه أن يعجب بها، شاء أم أبى...
والويل كل الويل، لهذا القارئ، إن أبدى، ولو ملحوظة صغيرة، قائلاً، على استحياء، إنني لم أفهم ما أردته يا سيدي من هذين السطرين الناصعين.. عندها ستقوم جحافل النقاد، من أصدقاء القاص ومعارفه ومتملقيه، بشنِّ هجوم، لا أول له ولا آخر، على ذلك القارئ المتخلف، متهمين إياه بالرجعية ومعاداة الحداثة والفن والنظرية النسبية والمدرسة الشكلانية والرؤية الماورائية والماتحتية والمافوقية والماجيبية، وبالرغبة في عدم لحاق العرب، ولو في مجال الأدب، على الأقل، بركب الدول المتقدمة.
وهنا، ينكفئ القارئ المسكين على نفسه، ويعضُّ على لسانه، خوفاً من حراب النقاد وسكاكين ألسنتهم المسنونة، ثم يصفق بيديه، متصنعاً البله، لنصٍّ لم يفهم منه حرفاً واحداً، وفي داخله صوت يقول: (الهريبة من ألسنة النقاد ثلثا المراجل).
ولعل كل ما سبق يبدو سهلاً إذا ما قُورن بفعلة من غضب الله عليه، من القراء، فجرؤ ورفع رأسه، أو فتح فمه قائلاً، ولو همساً: إنني لا أفهم ما يكتبه السادة النقاد المعاصرون من نقد، سواء ما يكتبونه نقداً لأعمال قديمة أو لأخرى معاصرة.. عندها يكون، مثل هذا القارئ، قد ارتكب الجريمة التي لا تغتفر، وأتى الكبيرة التي تتجاوز في إثمها الإشراك بالله وعقوق الوالدين، واقترف خطيئة دونها خيانة الوطن وقتل الإنسان البريء والكلاب المدللة..
لم تفهم النقد الحديث؟ أتعرف لماذا؟
لأنك جاهل أولاً، ما في ذلك شك. ثم لأنك متخلف تضيِّع وقتك في الجري وراء لقمة العيش، ومتابعة الانتصارات العربية في الخليل وغزة، ووحشية إسرائيل في جنوب لبنان وشماله وشرقه وغربه، وعربدة مسؤوليها في معظم أنحاء الوطن العربي، دون أن يقول لها أحد (ما أحلى الكحل بعيونك)، ثم لأنك تتابع أيضاً مأساة الشعب العراقي، وبعض المآسي العالمية التي لا تخصك، مثل مذابح الشيشان في روسيا، وقبلها مذابح الصرب في البوسنة، ومجاعات المتخلفين في الدول الإفريقية، وأحداث أفغانستان، وغير ذلك من الهموم التي تحملها لك نشرات الأخبار، كل دقيقة....
ولو أنك اكتفيت بكل هذه البلايا التي تملأ بها وقتك ورأسك، لظلَّ لديك وقت للقراءة والفهم، لكنك، وبسبب تخلفك، هاأنت ذا تُضيِّع المزيد من وقتك الثمين في مشاهدة المسلسلات الأجنبية الهابطة بدلاً من الدراما العربية الصاعدة، وفي سماع الأغاني العربية البالية، مثل أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب، بدلاً من تشنيف أذنيك بأغاني مطربي الموجة الحديثة الذين استطاعوا الوصول إلى مستوى النثاعير (شعراء النثر)، في تقديم أغانٍ لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.... وقد كان يكفيك أن تسمع هذا اللون الجديد من الغناء العربي المعاصر، لعدة أشهر فحسب، حتى تكتسب بعض الثقافة الحداثوية، لكنك، لجهلك، لم تفعل، ولهذا، أيها الجاهل، لا تفهم ما نكتبه لك من نقد!!!
وإذ يبلغ الحماس بسادتنا النقاد أقصاه، تراهم يرفعون أصواتهم أكثر، وهم يُقَرِّعُون القارئ العربي ويُؤنبونه، قائلين: وقد زاد في قلة فهمك، عزوفك التخلفاوي هذا عن التعرف على المصطلحات النقدية المستجدة، وفهمها، وحفظها عن ظهر قلب، ثم تطبيقها على النصوص الأدبية المعاصرة بشكل موضوعي رصين، كما نفعل نحن.. نعم، لو أنك فعلت كل هذا، لفهمت كتاباتنا النقدية، ولأفدت منها، في زيادة معرفتك وفي (ترفيع) ذوقك، ولكنت ارتقيت بها إلى مستوى النثاعير، ومبدعي اللاقصة، وخالقي اللارواية، ومطربي الموجة الحديثة الذين تهز كلمات أغانيهم وألحانها، مشاعرك ومشاعر الذي خلفك، رغماً عن أنفك وأنفه..
ويبتلع القارئ العربي كل هذا الهذيان بهدوء، ويُطاطئ رأسه حياء، ولكن، مع ذلك، يأبى عقله السقيم أن يفهم إلا نقد ابن قتيبة والجرجاني وابن سلام من الرعيل الأول، وما كتبه العقاد والرافعي والمازني وطه حسين وغيرهم من رعيل المحدثين..
وبعد، هل أسأت الأدب؟ أقصد الأدب بالمعنى الأخلاقي لا بالمعنى الإبداعي؟ أرجو أن أكون فعلت، لأن قلبي ملآن غيظاً وحنقاً، من أكثر سادتنا، المبدعين منهم والمبدعات، شعراء كانوا أو شاعرات، وروائيين أو روائيات، وقاصين أو قاصات، ومتمسرحين أو متمسرحات، ولأنني أكاد أُجَنُّ طرباً، وأطقُّ فرحاً وسروراً، وأنا أشنف أذني، رغماً عن أنفي وأنف الذين خلفوني، بما تجبرني الإذاعات العربية التي صارت كلها تَدَّعي الأولية، على سماعه، من أصوات المطربين الشبان والمطربات.. كما أرجو من الله، صادقاً، أن يجعل كلامي هذا أكثر ثقلاً وإزعاجاً، للسادة النقاد العرب المعاصرين والسيدات الناقدات، على أمل أن يرحمونا قليلاً من نقدهم التقريظي الذي صار يسبب لنا الغثيان، وأن ينظروا إلى جهلنا بما بلغته عبقرياتهم الفذة، من رفيع المستوى الذي لا ترقى إليه أفهامنا، نظرة الأم الرؤوم إلى ابنها الغبي..
وخلاصة ما أريد قوله هو أنني أرجو من مبدعينا أن يتكرموا علينا بأدب نفهمه، وأرجو من نقادنا خصوصاً، أن يكتبوا لنا نقداً نهضمه.. أي نريد أدباً على قدِّ عقولنا، ونقداً على قدِّ معارفنا..
بتعبير آخر: نريد نقداً ليس فيه مصطلحات (شكلانوية وتعبيروية وتركيزوية وتحليلوية وحداثوية ومتخلفاتوية ومطبلاتوية ومزمراتوية) وما شابه من مصطلحات أخرى (بهلوانوية)..؛ لأننا ـ يا سادتي الفطاحل ـ قراء ذوو مواهب (قزماوية)، أمام عبقرياتكم (العملاقوية).. وقد يكون من سوء حظكم، أو من سوء حظنا، لا فرق، أننا لسنا على مستوى تلك العبقريات، لكن مأساتكم تكمن في أنكم بحاجة إلينا، لنقرأ ما تكتبون ونصفق له، أكثر من حاجتنا لكم، لتثقفونا وتمتعونا.. ذلك أننا بدون قراءتنا لكتبكم الفظيعوية، لن نموت جهلاً، أما أنتم، فستموتون إهمالاً وكمداً، إذا لم نقرأ ما تكتبون، ولا أظنني أبالغ إذا زعمت أنكم قد تموتون فقراً وجوعاً أيضاً إذا لم نشترِ ما تنشرون؛ فساعدونا لنساعدكم، وسامحونا إذا تجرأنا على مقامكم الرفيع...

[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس