عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 11 / 2013, 28 : 02 AM   رقم المشاركة : [12]
د.أحمد مكي
باحث وناقد -أستاذ مساعد - يهتم بالنقد والدراسات الأدبية
 





د.أحمد مكي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

رد: التطرف الديني - أصوله ونشأته ومن يقف خلفه - نحتاج تضافر الجهود لإنجاز بحث حقيقي

هذا من مقالي (ظاهرة التكفير والإرهاب بين المتأسلمين والعقلانيين) المنشور بجريدة القاهرة في 10 سبتمبر 2013
ظاهرة التكفير وغيرها من الظواهر التي سادت المجتمع الإسلامي تحت مظلة الصحوة الإسلامية، ربما تكون خطورتها على المجتمع الإسلامي أشد خطورة من أعداء الإسلام من غير المسلمين، الذين يتربصون بالإسلام والمسلمين ويهدفون إلى " تنصير أو علمنة المسلمين طموحا إلى إلغاء أمتنا الإسلامية وحضارتها، وطي صفحة الإسلام من سجل الوجود"( 1).
هؤلاء وغيرهم من الجماعات نشروا الفزع بين المسلمين، وفي ذات الوقت قدموا خدمة لأعداء الإسلام،وأتاحوا لهم الفرصة ليتهموا الإسلام بأنه دين العنف والإرهاب والتخلف، ويحكمون قبضتهم على بلاد الإسلام بدعوى محاربة الإرهاب، والإرهاب والعنف والتعصب ليست من سمات الإسلام كما يدعي البعض، بل ذلك يسود العالم أجمع بدياناته المتعددة، وليس أدل على ذلك من دراسة (Dunn) " التي تناولت التطرف الديني بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية، والتي أوصت باستخدام المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية للتغلب على التطرف الديني أو التخفيف من حدته"(2)،

نشأة الجماعة وفكرها
سوف نعرض بإيجاز نشأة الجماعة ومرتكزات فكرها، و" من الوجهة التربوية والاجتماعية ليست العبرة في حجم الدمار والخسائر المادية عند تناول ظواهر التطرف الفكري، بل الأهم من ذلك الوقوف على الدوافع والأسباب الحقيقية التي تكمن خلف الفكر المتطرف، ثم كيفية تقديم رؤى العلاج والإصلاح"(3).
ظاهرة التكفير بدأت في مصر وانطلقت منها إلى بلاد العالم الإسلامي، وتعد جماعة التكفير من الجماعات المغالية في التطرف، فـ" تيار التطرف والعنف أخذ يتنامى في مصر منذ بدايات السبعينات، على يد جماعات اتخذت الدين ستاراً لتحقيق أغراض سياسية، وسعت إلى فرض رؤيتها الخاصة للدين على الناس ولو بالقوة، فقد ظهرت جماعة شباب محمد التي ارتكبت حادثة الفنية العسكرية، ثم تبعتها جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)"(4).

يعد التكفير أولى مرتكزات فكر هذه الجماعة " فهم يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله؛ بإطلاق دون تفصيل، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك، كما يكفرون كل من عرض عليه فكرهم ولم يقبله أو قبله ولم ينضم إلي جماعتهم ويبايع أميرهم"(5)، وإن هذا المعتقد جد خطير؛ فعن عبد الله بن دينار أنه سمع أبن عمر يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم"أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه"(6)، ويرى (الأثري)"ألا يكون التكفير منطلقا من الأهواء والشهوات فإن ذلك خطره عظيم، فإن المسلم لا ينبغي تكفيره، والحكم عليه بالكفر، إلا بعد قيام موجب شرعي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"(7) ، ويقول (الشيخ صلاح أبو إسماعيل)"أن التكفير مرتبة لا يجوز أن يفتي فيها إلا خبراء في الشريعة والفقه على مستوى عال... وإنني أعتبر تكفير مسلم لمسلم أمرا خطيرا لا يجوز التسرع فيه، بل يجب أن توضع عقوبات رادعة لمثل هذا السلوك"(8)، كما أعلن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين، والمنعقدة في الطائف 1419هـ " إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة إطلاق ذلك، لما يترتب عليه من شرور وآثام، فإنه يعلن للعالم أن الإسلام برئ من هذا المعتقد الخاطئ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات، والمرافق العامة والخاصة، وتخريب للمنشآت: هو عمل إجرامي والإسلام برئ منه"( 9)
يتضح مما سبق أن المرتكز الفكر لمعتقداتهم بتكفير المجتمع والحكام والعلماء، والخروج عليهم واستباحة دماء وأموال الناس بزعم أنهم كفار، هو معتقد باطل بكل الأدلة والأسانيد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء.
نتوقف عند هذا المرتكز لهذه الجماعة وهو التكفير أن كان هذا المرتكز الفكري للتكفير،وقد أجمع العلماء على عدم صحته وأنه لا سند له من الكتاب والسنة ، إنما جاء تبعاً أهوائهم وتفسيرهم لبعض النصوص تفسيراً صدر عن غير فهم، يظل السؤال الذي يجب أن نسعى للإجابة عنه، أن كان هذا الفكر منحرفاً، فما الأسباب التي دفعت هؤلاء وغالبيتهم من الشباب إلى اعتناقه؟
أسباب اعتناق الشباب للفكر المنحرف
نرى أن ما يمكن أن نسميه بالفراغ الديني من العوامل التي دفعت الشباب إلى هذا الأنحراف الفكري، و تؤكد إحدى الدراسات على " أن الفراغ الديني وعدم الوعي بالقواعد والأصول الدينية الصحيحة، أدى إلى سهولة وقوع بعض فئات الشباب في براثن التطرف والإرهاب، والانقياد الأعمى لزعماء هذه الحركات"(10).الشعب المصري بطبيعته متدين ، والشباب خرج على نمط مجتمعه ولكنه وجد هذا الفراغ ومن ثم لجاء إلى من أعتقد أنهم يعرفون الدين ويساعدوه على التدين، العيب فينا وفي مؤسساتنا التربوية، فهناك قصوراً يشوب دور المؤسسات التربوية في عملية التنشئة الدينية للشباب، مما أدى إلى ذلك الفراغ الديني، والفهم المشوه للإسلام، مما دفع هؤلاء نحو تكفير المجتمع وقتل الأبرياء والتخريب والتفجير .
و من هذه الأسباب هي فكرة الغزو الثقافي والعلمنة، أن كنا نقول في العلوم الطبيعية أن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه، في العلوم الإنسانية تكون ردة الفعل مضاعفة، ومن ثم " فأنه في مواجهة التيار العلماني السائد في الحضارة الغربية وما تولد عنه من خطاب مفعم بمفردات مناهضة الأديان بعامة،الإسلام بخاصة فقد نما تيار ديني متطرف"(11)،
وحيث إن فكر التكفير وجماعاته نشأت في مصر في سنوات تزايدت فيه المشكلات الاقتصادية، لايمكن أن ننحي الجانب الاقتصاد عن العوامل المسببة لأنتشار ظاهرة الارهاب، فلقد انحسرت الثروة في يد القلة مما أصاب غالبية الشعب المصري بالفقر " نتيجة للخل الاقتصادي الذي أصاب المجتمع ، وارتفاع الأسعار فأن" فئة محدودي الدخل أصبحت تمثل 98% من الشعب المصري، ويدخل معهم فئة أخرى دائما يتم تحاشي الحديث عنها وهي فئة معدومي الدخل أو الطبقات ذات الأعمال المهمشة، التي تعيش تحت خط الفقر وهي نسبة لا يستهان بها"( 12)،ومن ثم فأن العوامل الاقتصادية كان لها دورها في زيادة أعداد الشباب بهذه لجماعات، ويؤكد (فهمي هويدي)"أن البطالة تشكل مصدرا أساسيا يزودها بزاد لا ينفد من عناصر الشباب الذي يبحث عن عمل وكيان، بل الأمر يتجاوز تلك الحدود، لأن أولئك الشباب يجدون لهم قضية يدافعون عنها،ويضحون من أجلها،حيث اقتنعوا بأنهم يتعاملون مع مجتمع كافر، وأن رسالتهم هي تغيير ذلك المجتمع"(13)
ومن بين الأسباب والعوامل وراء أنخراط الشباب في تلك الجماعات قصور دور المؤسسة الإعلامية بوصفها مؤسسة تربوية يشوبها كثير من القصور تجاه دورها في علاج مشكلات التكفير والعنف والتطرف والإرهاب، ويرى البعض "أن التلفاز على رأس وسائل الإعلام ليس فقط متهما بشكل غير مباشر عن طريق الخطأ في الرسالة الإعلامية التي يقدمها عن أحداث العنف والتطرف
والتي قد تظهرهم في شكل أبطال، أو على الأقل تحدث الأثر الذي يسعى إليه الإرهاب في نفوس المشاهدين، أو عن طريق المسلسلات الهزيلة الإنتاج، والضعيفة الحبكة الدرامية، والمغلوطة تاريخيا أحيانا والتي تدفع إلي التعاطف مع الإرهاب أكثر مما تدفع إلى نبذه ورفضه"(14).
ومما تقدم نستطيع القول بأن ظواهر الإرهاب والتكفير وغيرها من ظواهر الأنحلال الخلقي والفكري والاجتماعي، هى نتيجة طبيعية لما ساد مؤسسات المجتمع من تخاذل وقصور في إداء دورها ، وأن أردنا أن نعيد الأمور إلى نصابها علينا أن نفعل دور هذه المؤسسات
د.أحمد مكي غير متصل   رد مع اقتباس