يا حبيبي.. إنني ما زلتُ طفلة..
قبل القصيدة...
صغيران أحبَّا بعضهما... وصغيران تعاهَدا على الزواج عندما يكبران... لكن وعدهما اعترضته المأساة السورية، فابتعدتْ هي لاجئةً مشرَّدَة، تحت الخيام، في بلد غريب...، وبقيَ هو في بلده حزيناً خائفاً، لا يدري ما اللهُ فاعلٌ به..
وتحت وطأة الحاجة والعوز، اضطرَ أهلُها لتزويجها من ثري عربي هَرِم، جاء من بلد شقيق يبحث عن فتاة تُدفئُ شيخوخته وتمتعه، مقابل مهر بائسٍ دفعه لأبويها لقيماتٍ تُنقذهما وأخوتها من الموت جوعاً، وأغطيةً وملابس تقيهم الموتَ برداً..
لقيماتٌ اصطاد بها ذلك الهرم أهلَها الذين أغرقتهم المأساة في مائها العكر، فلم يملك أبواها سوى الموافقة على بيع طفلتهما الجميلة لإنقاذ نفسيهما وأخوتها من الموت..
وبموافقتهما بدأت مأساتها هي.. مأساتها التي ضمت إلى فقدان الحبيب زواجاً بهرِمٍ أكبر من أبيها سناً...
وفي الأبيات التالية، تروي تلك الطفلة التي بِيعت في أسواق نخاسة المروءة العربية والإسلامية، ما حدث معها ليلة الدخلة..
تروي لحبيبها الذي هجرته غصباً، واضطرت للزواج بغيره رغماً، كيف خاب ظنُّ زوجها الثري والبليد الإحساس عندما تَوَهَّم أنه يستطيع امتلاكها، بما أغدقه عليها ليلة الدخلة من جواهر وذهب، فإذا به لا يستطيع أن يمتلك بجواهره وذهبه، سوى جسدها، أما قلبُها...، فتُطَمْئِنُ حبيبَها الذي بقي في سوريا، مجهولَ المصير.... أن قلبَها مازال، وسيبقى ملكَه وحده إلى أن تموت..
(1)
يا حبيبي...
إنني ما زلتُ طفلةْ...
زَوَّجوني رغم أنفي،
إنما لا زلتُ طفلةْ...
مزَّقوني يا حبيبي،
عندما قالوا: غداً تُضحين زوجة..
ونسَوا ــ وَيْلِي ــ بأني بَعْدُ طفلةْ...
(2)
أَلْبسوني يا حبيبي،
حُلَّةَ العرسِ القشيبةْ،
وَسْطَ ألحانٍ طروبةْ...
رَصَّعوني باللآلي،
زَيَّنوني بالجواهرْ،
أَثقلوني بالأساورْ...
دَلَّلوني،
حاولوا أن يُفرحوني،
جاهدوا، كي يُضحكوني..
إنما خابوا حبيبي،
إذ نَسَوا أن يمنحوني،
ــ مثلما قد كنتَ تفعل، عندما أغضبْ وأزعلْ ــ
قطعةَ السكرْ، وقبلةْ،
فأنا ما زلتُ طفلةْ...
(3)
أدخلوني يا حبيبي
غرفةً بيضاء حلوةْ...
كلُّ ما فيها مُرَفَّهْ..
سجنوني في زواياها لوحدي،
ساعةً... آهٍ... ليُنهيْ
زوجيَ المجهول حفلَهْ..
لم أُفكرْ...
لم أُثرثرْ..
إنما أطرقتُ أبكي،
عندما أصبحتُ وحدي...!!!
(4)
وأتى زوجي لينحرْ،
ما تبقى من شعوري..
فَتَصَوَّرْ...
طفلةَ الأمسِ السعيدةْ،
سوف تُنحَرْ..
(5)
غاب قلبي...
ضاعَ عقلي..
لم أعدْ أشعرْ.. أُفكرْ..
عندما قد مدَّ كفّاً نحو صدري...،
فإذا صدري تحرَّرْ...
مدَّ أخرى،
مدَّها... لا.. لستُ أَجْسُرْ..
صرتُ أبكي..
ظنَّني خجلى..
تَبسَّمْ،
ثم تَمْتَمْ:
لا تخافي!
ثم أكملْ..
ضَمَّنِي.. قَبَّلَني..
واغتالَ طُهرِي..
في دقائق..
كنتُ طفلةْ،
صرتُ زوجةْ..
في دقائقْ..
ضاعَ عمري..
ضاعَ عمري...
(6)
يا حبيبي..
إنْ تلاقينا بيومٍ،
ذاتَ يومٍ..
لا تُعاتبني، وتَذكُرْ
طفلةَ الأمسِ الحبيبةْ..
ثم تهمسْ:
كنتِ حلوةْ..
كنتِ طفلةْ..
ثم تبكي عاتباً، أَنْ صرتُ زوجةْ..
ثم تبكي لائماً: قد صرتِ أكبر..
لا حبيبي..
أبداً.. إيّاكَ تفعلْ..
بل تأكَّدْ
أنني ما زلتُ رغم الزوج طفلة،
تَذْكُرُ الماضي وتبكي!!
أنني ما زلتُ رغم الزوجِ حُبَّكْ!
هل تُصدِّقْني حبيبي؟!
دمشق 2014...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|