عرض مشاركة واحدة
قديم 13 / 07 / 2008, 52 : 08 AM   رقم المشاركة : [12]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: " القارئ ناقدا " للأديب أ : محمد توفيق الصواف

القصة القصيرة جداً
بين حربائيَّة النقد ولبلابيَّة الناقد!!!

[align=justify]أسِفتُ كثيراً لعدم حضوري الملتقى الأول للقصة القصيرة جداً، والذي جرت فعالياته، في شهر أيار من عام 2000، في المركز الثقافي الروسي، بدمشق.. ومما زادني أسفاً على أسف، أمران: سماعي لكثيرين، وهم يتحدثون عن ذلك الملتقى، بين قادحٍ وقادح، ثم عدم شـهودي لتلك اللحظات التاريخية التي تمَّ فيها ـ كما قيل لي ـ تتويج د. أحمد جاسم الحسين أباً روحياً لفن القصة القصيرة جداً، كونه (أوَّل من ألَّف)، عن هذا الفن، كتاباً جامعاً مانعاً ضمَّنه اكتشافات، طاولت أهميتُها، في رأي بعض من وصفها لي، معجَباً، أهميةَ اكتشاف (كوخ) العصيَّاتِ المسببة لداء السل.
هذه المعلومة، مضافاً إليها إعجابي الشديد بفن القصة القصيرة جداً، منذ ظهور بواكيره الأولى، دفعاني إلى البحث عن الكتاب المذكور بلهفة الصادي الباحث في الصحراء عن الماء، خصوصاً بعدما همس، في أذني، أحدُ الذين قرأوه، مهوِّناً عليَّ عدم حضوري ملتقى القصة القصيرة جداً: علامَ الأسف، وبقدرتك أن تَرِدَ النبعَ الذي انبثقت منه كل تلك الجداول التي جرت في ذلك الملتقى؟ اقرأ كتاب الأب الروحي لهذا الفن القصصي الجديد، فهو ذلك النبع، وبقراءته، ستجد نفسك كمن سيق له هذا الفن بحذافيره، فحوى معرفته من جميع أقطارها.
ولحسن حظي، لم يطلْ بحثي عن هذا الكتاب الفريد، إذ سرعان ما وجدتـه عند مَنْ تفضَّل وأعارَنيـه، لأحملـه إلى البيت متشـوقاً التهامَ صفحاته، بشهية الجائع العديم الذي وقع على سلة تين. لكن، ولأن تِيْنَهُ من النوع الذي يصعب هضمه، فقد احتجت جهداً كبيراً لتحليل مادته، وفرز ما انتهى إليه هذا التحليل من نتائج وملاحظات، أودُّ قبل عرضِ أهمها، تالياً، إلقاء حزمة ضوء على ما أظنه:
ثلاث ريادات في كتاب واحد
في كتابه الذي أراده ريادياً في مضمونه ونتائجه وتأثيره، كما يُفهم مما كتبه في الصفحة (109)، قد لا أكون مخطئاًً إذا قلت: إن د. أحمد جاسم الحسين لم يحرز الريادة إلا في ثلاثة مواضع فقط هي:
ً1) ريادته في إصدار أول كتاب عن فن القصة القصيرة جداً
وهو كتاب حاول فيه تقعيدَ هذا الفن الأدبي الجديد، وتعريفَنا بتاريخه وأهم مبدعيه. وهي محاولة أجدني مدفوعاً، وبصدق، إلى تصديق صاحبها في كل ما حكاه عن الجهد الكبير الذي تكلَّفه أثناءها، سواء في جمع مادة كتابه أو في دراستها وتحليلها، كما أخبرنا، عن ذلك كله، في ما يشبه مقدمة ذلك الكتاب، مع الإشارة إلى أن (ما يشبه)، هذه، من ابتكاراته وليست من عندي. وبصدق أيضاً أقول: لَكَمْ تمنيت لو أسفر الجهد الذي بذله د. أحمد، في تأليف كتابه هذا، عن نتائج يمكن اعتبارها ريادية فعلاً، كما تمناها.
ً2) ريادته في اختزال مصطلح (قصة قصيرة جداً) بـ (ق.ق.جداً)
وهو اختزال، ما إن وقع بصري عليه، لأول مرة، في نهاية السطر الأول من الصفحة (16)، حتى فغرتُ فمي دَهِشاً، وبحلقت بعيني مستغرباً متسـائلاً: ما هذا؟ في البداية، ظننته خطأً مطبعياً أو ما يشـبه الخطأ ـ أعجبتني (ما يشبه) هذه ـ لكن، ومع متابعة القراءة أدركت أن (ق.ق.جداً) الذي تعثرتْ به عيناي، وأنا أقرأ، هو اختزالٌ لمصطلح (قصة قصيرة جداً)، ألقاه المؤلف في طريق قارئه، هكذا، بلا (إحْمٍ ولا دستور)، فأجفله أولاً، ثم دفعه، بعد أن استرد أنفاسه، إلى التساؤل حائراً: إذا كان هذا اختزالاً، فما الغرض منه، وما الفائدة؟ أهي الرغبة في توفير الورق، أم في توفير بعض الوقت الذي يستغرقه النطق بالمصطلح كاملاً؟ فإن كان توفير الورق هو الغاية، فلماذا لم تختزل (جداً) في طريقك، فتجعلها (ج)، وإن كان توفير الوقت هو الغاية، أفلا ترى معي أن الزمن الذي يستغرقه النطق بكلمتي (قصة قصيرة) يعادل تقريباً الزمن الذي يستغرقه النطق بحرفي (قاف قاف) منفصلين؟
وبعد، اسمح لي أن أقول: كنتَ في غنى عن ابتداع هذا الاختزال الأعرج، أصلاً، لقناعتي أن لا ضرورة له ولا فائدة، ولا أدل على ذلك من أنك، وأنتَ مبتدعه، لم تلتزم استخدامه في كتابك، إلا قليلاً، مستعيضاً عنه، في معظم الأحيان، بأصله، أي (قصة قصيرة جداً)!! فإن أبيتَ إلا مماراتي فيما أرى، وتشبثتَ، عناداً، بضرورة الاختزال، فليكن (ققجٌ) البديلَ لاختزالك اللامجدي (ق.ق. جداً)، ليس لأن (ققج) يوفر الورق والوقت، فحسب، بل لأنه سهل اللفظ أيضاً، إذ لك أن تلفظه بفتح القاف الثانية فتقول: (قَقَجٌ) أو بتسكينها فتقول: (قَقْجٌ)، كما تستطيع تصريفه والاشتقاق منه إن شئت، وهو ما أرجو أن أُفرد له دراسة خاصة في المستقبل. ولميزات الاختزال (ققج)، آنفة الذكر، سألتزم استخدامه، كمصطلح، ابتداء من موضعي هذا، في دراستي هذه، ولن أنوس مثلك، بين المصطلح واختزاله.
ً3) ريادته في القدرة على التشكيك بموضوعيته،
ابتداء من إهداء كتابه. ونَسْبُ الريادة إليه، في هذا المجال، مردُّه إلى أنني لم أجد بين مؤلفي كل الكتب التي قرأتها، في حياتي، مؤلفاً سبقه إلى اصطناع (مأثرة) كهذه، أي قام بنَسْفِ موضوعيته، قبل أن يبدأ قارئه بقراءته. ولكي لا يبدو كلامي هذا نوعاً من الافتراء، تعالوا نقرأ معاً ما جاء في ذلك الإهداء:
(إلى كل الحربائيين واللبلابيين وأشباههم الذين يتلونون بسبع وسبعين أدلجة في اللحظة الواحدة!! إلينا ـ إليكم، لأننا في النهاية جميعاً حربائيون.. لبلابيون).
لا، يا سيدي، فما هكذا تُورَدُ الإبل!! لذا دعني أصارِحْك مشفقاً: لقد ارتكبتَ خطأً فادحاً حين عمَّمتَ وصفك لنفسك (بالحربأة واللبلبة)، على جميع خلقِ الله.. ليس، فقط، لأنك لا تملك الدليل على اتهامنا جميعاً بهاتين الصفتين السلبيتين، بل لسبب آخر أهم، في تصوري، وهو أن التعميمَ، بحد ذاته، ضدُّ الموضوعية، في أي بحث، ونقيضُها، عرفتَ ذلك أم لم تعرف. ولهذا، لا أكتمك سراً بأن تعميم اتهامك للناس جميعاً، بالحربأة واللبلبة، منذ السطور الأولى في كتابك، لم يُنفِّرني من هذا الكتاب فحسب، بل جعلني أيضاً، أنظر بعين الشكِّ، سلفاً، إلى كل ما حواه من تنظيرات وتحليلات ونتائج وأحكام. وللأسف، أثبتت قراءاتي المتتالية والمتأنية لكتابك، أن شكِّي ذاك كان في محله، كما سأوضح، مُلمِحاً لا مستقصياً، من خلال الملاحظتين التاليتين اللتين أظنهما كافيتين لاتهام منهج بحثك ونتائجه بـ :
مثلبة اللاموضوعية:
الملاحظة الأولى: في تأريخك لـ (ققج) قسمتَها إلى مرحلتين، مددتَ أولاهما من بداية السبعينات إلى نهاية الثمانينات، ومددت الثانية من بدايـة التسـعينات إلى حين تأليف كتابك. ثم وصفت الثانية بـ (الأنضج)( )، مع أن كل من يدقق في أسماء المبدعين الذين حشدتهم في المرحلة الأولى، يجد بينهم بعضَ من يصعب اتهام تجربته القصصية بعدم النضج، وتحديداً (زكريا تامر) و(وليد إخلاصي)، وذلك بخلاف معظم مؤلفي المرحلة الثانية الذين لم أجد بين ما سقتَه من مسوغاتٍ لوصفك إياهم بـ (الأنضج)، إلا مسوغاً واحداً مقنعاً هو حشرك لاسمك بين أسمائهم( )!! ولا أظن كثيرين يخالفونني الرأي لو قلت: إن اعتمادَك هذا المسوغ النابع من اعتبارات شخصية، مقياساً للتفضيل بين مبدعي المرحلتين، يضيف إلى ابتعادك عن الموضوعية، في منهجية بحثك، بُعداً جديداً مؤسِفاً.
الملاحظة الثانية: وصفتَ ما اخترتَه من نصوص محمود علي السعيد بأنها لا تنتمي إلى فن (ققج)، من الناحية الفنية... ومع قناعتي بصحة توصيفك لهذه النصوص التي لا أعرف مؤلفها شخصياً، ولم أستطع أن أستسيغ إبداعه الشعري والقصصي، فإن في لهجة نقدك لتلك المختارات( ) ما يَشِي بأن توصيفك لها بـ (اللافن)، لم يكن وليدَ موقف موضوعي محايد من قبلك تجاهها وتجاه مؤلفها، بقدر ما كان نتاج موقف خلافي شخصي محوره زَعْمُ كليكما بأنه الأسبق إلى استخدام مصطلح (قصة قصيرة جداً)، وهو ما يستشف بوضوح من قراءة ما أوردتَه حول هذا الخلاف بينكما( ).
بتعبير آخر: يخيل للقارئ أن رغبتك الشخصية في الحطِّ من شأن السعيد فنياً، على خلفية موقفك الخلافي معه، كانت وراء تكوينك رأياً مسبقاً ضده، كما كانت تلك الرغبة نفسها، وراء تَعَمُّدِك اختيارَ بعض نصوصه التي ينطبق عليها هذا الرأي الضدِّي، السلبي طبعاً. وبهذا أسأتَ إلى كتابك ومنهجك البحثي بتشكيك قارئك في موضوعيتهما، أكثر مما أسـأت إلى خصمك الذي يشعر من يقرأ نقدك لنصوصه، ويمحِّص اختياراتك لما أوردتَه منها، بأنك قد تحاملتَ عليه، لأغراض شخصية.
وبعد، هل اللاموضوعية هي مثلبة كتابك الوحيدة؟ يؤسفني أن أقول: لا. وإن كنت أظن كثيرين يشاطرونني الرأي في أنها أكثر مثالبه إساءة إليه، لأنها تطعن في مصداقيته وتحطُّ كثيراً من أهمية نتائجه. وإذن؟ ثمة مثالب منهجية أخرى، ومثالب أسلوبية أيضاً، قد يراها البعض أهون من اللاموضوعية، وهي كذلك فعلاً، لكن ليس إلى درجة تسمح بالتغاضي عنها، وسأعرض لأهمها تالياً.
أولاً، مثالب منهج البحث ونتائجه:
وهي كثيرة، ولكثرتها، أراني مضطراً إلى الإيجاز في عرض ما أحسبه أبرزها وأكثرها سوءاً، بادئاً بذكر:
ً1) التأسيس على ملح!
لكم تملكني العجب، حين رأيتك، وأنت تتصدى لتقعيد فن أدبي جديد، تُعرض عن إبداعات الكبار في فن القصة، المشهود لهم في مجال تأسيسها وتطويرها، من أمثال: (زكريا تامر) و(وليد إخلاصي)، وسواهما، لترفع بنيان موضوعتك عن (ققج) على نتاجات مَنْ هُم أدنى، أمثال: نبيل جديد، ومروان المصري، وعماد نداف، وأيمن الحسن، وأحمد جاسم الحسين، ومن في مستواهم ممن ذكرت في كتابك، مع احترامي للجميع ولإبداعاتهم.
لقد بدوتَ لي، وأنت تعتمد إبداعات هؤلاء أساساً لبنائك التنظيري، مُعرضاً عن إبداعات الكبار الناضجين، أشبه بمن يريد إشادة ناطحة سحاب على أساس من ملح!! وإلاَّ، كيف تفسر تخصيصك لأكثر من أربعين صفحة في كتابك( )، للحديث عن مجموعة (أحلام عامل المطبعة) لمروان المصري، بينما لم تحظَ مجموعة (الدهشة في العيون القاسية) للأديب وليد إخلاصي، إلا بثلاث صفحات ونصف فقط( )، منها ثلاث حوَتْ مختاراتك من نصوص تلك المجموعة، ونصف صفحة فقط، لإثبات وجهة نظرك في أنها تنتمي إلى فن (ققج) رغم أنف مؤلفها، كما أخبرتنا بنفسك!( ) هذا، دون أن يفوتك، طبعاً، الغمز غير المباشر من نضجها الفني( )، بعبارة لُطفها يُقَشْعِرُ البدن: (ولا يفوتنا أن نتذكر أن هذه القصص هي من البدايات..)!! الحق معك، فـ (وليد إخلاصي) كان يحبو، فنياً، في تلك القصص، مقارنة بما بلغتَه ومؤلفي مرحلتك الثانية، من (نضج) قصصي!
أما زكريا تامر عملاق القصة السورية القصيرة، وقد لا يخالفني الرأي كثيرون لو وصفته بعملاق (ققج) أيضاً، فلم يحظَ من عطفك واهتمامك إلا بذكر اسمه فقط، في سياق من ذكرتَ من مبدعي هذا الفن، في مرحلته الأولى، أي بين الذين لم يبلغوا شأوك في النضج طبعاً، مع أنه نشر ـ كما أشرتَ أنت نفسك( ) ـ (عدداً كبيراً من القصص القصيرة جداً)! ولا تقل لي أنك غضضتَ من ذكره في كتابك هذا، لنيتك إفراد تجربته بدراسة مستقلة، فهذا ليس بعذر مقبول، وخصوصاً في كتاب يُؤسس، كما تزعم، لـ (ققج) التي يعد تامر من روادها، شئت ذلك أم لم تشأ.
ً2 ) الطول الحربائي لنص (ققج)!
من غريب كتابك وعجيبه، تحديدك في الصفحة (26) منه طول (ققج) بين ثلاثين كلمة، وخمس صفحات. وأنا أراهنك، يا سيدي، أن تطبيق مقياسك هذا على نصوص القصة القصيرة، بدون (جداً)، سيجعل معظمها جزءاً من (ققج)، لأن طول النص في معظمها هذا، لا يزيد على خمس صفحات. ألا فلتبحث لنا عن طول آخر يكون أكثر تحديداً ودقة، وأعدك بالانتظار.
ً3) زيادة في أركان (ققج) وتخليط وغموض
في الصفحة (33) من كتابك، زعمت أن بناء (ققج) يتأسس على أربعة أركان رئيسة هي: (القصصية ـ الجرأة ـ وحدة الفكر والموضوع ـ التكثيف). وحسب خبرتي المتواضعة في فن القصة، أظنك زدت هذه الأركان عدداً، كما سأوضح بادئاً بما سمَّيته القصصية التي ما خطر في بالي أنك ستعدها ركناً من أركان (ققج)، لظني أنك تعتقد مثل خلق الله جميعاً، بأن من البدهي الذي لا يحتاج إلى دليل، وجوب توفر القصصية، في أي نص يريد له مؤلفه الانتماء إلى عالم القصة، بشكل عام، وليس إلى (ققج) فحسب. إذ لو خلت أي قصة قصيرة، أو قصيرة جداً، من القصصية، فإلامَ تصير؟!
وأما الجرأة التي جعلتَها ركناً من أركان البناء الفني لـ (ققج)، وأردت إيهامنا بأنها وقف عليها، حتى لكأن كل ما سواها من فنون الأدب (جبان)، فيؤسفني أن أراك، وأنت الأب الروحي لـ (ققج)، لا تفرق بين ما هو ركن فني من أركانها، وما يعدُّه الراسخون في فن القصة إحدى خصائص مضمونها!!
في ضوء الآنف ذكره، تخرج القصصية من عِداد أركان (ققج)، لأنها (ذاتُ) أي عمل قصصي وروحُه، قصيراً كان أو قصيراً جداً، وغيابها يعني تحوله إلى جنس أدبي آخر، كما تخرج الجرأة أيضاً كركن فني لـ (ققج)، لأنها من خصائص المضمون. وهكذا لا يبقى من أركان البناء الفني الذي شيدتَه لـ (ققج) إلا الوحدة والتكثيف اللذين هما، في الأصل، ركنا القصة القصيرة العادية، كما أكد جميع منظريها عرباً وغربيين، على السواء. ولا أظن أن لـ (ققج)، أيضاً، ركنين غير الوحدة والتكثيف اللذين نجح، في شرحهما وإيضاحهما، من راجعتَ كتبَهم هابشاً ـ والهبش: كلمة فصيحة تعني الاحتيال لجمع المال ونحوه من هاهنا وهاهنا ـ لتؤوب من وضوح ما هبشتَ بغموضٍ غير مفهوم، وبالتالي، غير مفيد.
ً4) تفتيق في المصطلحات وتخليط وخطأ
ركام من المصطلحات خَصَصْتَ بها (ققج)، دعوتَ بعضها: تقنيات وعناصرَ، ودعوت أخرى: خصائصَ وعواملَ أدبية، وحشرتَ ما تبقى بين ما دعوتَه عوائقَ وهموماً. وإذا كنتُ آسَفُ، حقاً، لضيق هذه العجالة عن نقاش جميع ما ذكرت، بالتفصيل، وتحليله، أراني مطالباً بالتوقف عند مسائل، في هذا الموضع، أحسبها الأهم:
أ ـ تفتيق مصطلحات من أخرى، دونما مسوغ ولا فائدة، وهو سيئة إخالكَ اقترفتَها لوهمك أن زيادة عدد المصطلحات، يزيد في قيمة كتابك، غافلاً عن أن القيمة نتاج كيفٍ لا كمّ. ومن أبرز الأمثلة على هذه السيئة:
تفتيقك مصطلح الأنسنة مما أسميته الترميز، ثم تفتيقك من الأنسنة مصطلح الحيوان. ووصفي لما فعلته هنا بالتفتيق، مصدره الظن بأن شخصنة الحيوان وإنطاقه، في النص الأدبي، ضرب من الأنسنة التي هي، بدورها، ضرب من استخدام الرمز في الأدب. ومن عجبٍ أن تُوردهما ـ الأنسنة والحيوان ـ كتقنيتين مستقلتين، وقد عددتَهما، قبلاً، بين أدوات ما أسميته الترميز( )، وهو ما أكدته، بوعي أو دون وعي، في تعريفك لتقنية الحيوان، بقولك، خالطاً التقنية بالركن بالوسيلة: (تقنية قصصية، من وسائل الرمز)( )، ثم في تعريفك للأنسنة بأنها (خصيصة لغوية رمزية)( )، وهو تعريف ينطوي على خطأين، أولهما: وصف الأنسنة بالخصيصة بينما هي تقنية، والثاني: وصفها بأنها لغوية، وهي ليست كذلك.
ب ـ الخطأ في توصيف بعض المصطلحات، وأكتفي على ذلك بمثال واحد، هو توصيفك السخرية بالتقنية( )، بينما هي من سمات الأسلوب، في أي فن أدبي، كما هو معروف.
ج ـ الخلط بين العديد من المصطلحات، وهو عيب أظن بين أسبابه الرئيسة: أولاً، رغبة المؤلف في تفتيق مصطلحات عديدة من واحد، ليُقال عنه عظيم النقد محمود، وثانياً، جهله بحدود الساحة الدلالية الخاصة بكل مصطلح ابتدعه. فقد أدى هذا الجهل إلى حدوث تداخل لاواعٍ، بين الساحات الدلالية لما سماه مصطلحات، وهو ما يتضح، جلياً، من خلال تكراره الحديثَ عن كل مصطلح في ثنايا حديثه عن غيره. من ذلك مثلاً، هذه الخلطة العجيبة التي قذف بها في ثنايا حديثه عن التكثيف الذي أوجب عليه (أن يستفيد من حضور الحيوانات، ويعطيها أبعادها التي تستحق، ويرمز الأمور، ويبعث الرموز الميتة..، ويمكن له أن يؤنسن الجوامد..)( ). ثم عاد بعد ثلاث صفحات فقط( ) ليخلط بين التكثيف وكل من خصوصية (اللغة والاقتصاد) التي ذكرها في الصفحة /32/، والانزياح الذي عدَّه (تقنية تكثيفية)( )، تماماً كما عدَّ المفارقة والتناص أيضاً( )، ثم كان آخر حديثه عن التكثيف حين أدرجه بين عوائق (ققج)( )!!
أكتفي بالآنف نموذجاً، تغني معرفته عن عرض ما يماثله من نماذج كثيرة، يؤكد مجموعها افتقار المؤلف إلى معرفة الحدود الفاصلة بين الساحات الدلالية للمصطلحات التي ابتدعها، أي تلك المعرفة الموضوعية الدقيقة التي تعصمه من خلط كالذي رأيناه، وتجنِّبه، وقارئ كتابه معاً، الحيرة الناجمة عن توصيف المصطلحات، بأسلوب إدخال عباس في دبَّاس، كما فعل بالنسبة للتكثيف الذي حارَ، وحيَّرنا معه، بين تسميته ركناً تارة، وتارة تقنية، وتارة ثالثة خصيصة، ورابعة عائقاً!!
ولا إخالني مخطئاً لو زعمتُ أن عجز المؤلف عن التمييز بين الحدود الدلالية لمصطلحاته، جعل من السهل على أي كان، أن يُغير مواضع تلك المصطلحات في كتابه، دون أن يؤثر على البنية المضمونية أو المنهجية لهذا الكتاب، ذلك أنها، في الأصل، بنية غير واضحة المعالم، حتى في ذهن المؤلف نفسه. وبعد، أرجو أن تسمح لي، في نهاية هذا الحديث عن مصطلحاتك، أن أختم بالملاحظتين التاليتين:
الأولى: لم أتخيل، قبل قراءة كتابك، أن يقوى ظهر (ققج) الطري وبنيتها الرهيفة على حمل بعض ما خصصتها به من قواعد وضوابط وخصائص وصفات، فكيف بحملها جميعاً؟!! لذلك ما إن فرغتُ من استعراض ذلك الكمِّ الفظيع من الركام الذي ألقيتَه على ظهرها، في كتابك، حتى تراءت لي المسكينة (ققج)، وقد ناءت بحمله، أشبه بديناصور يقف على ساقَي دجاجة. سامحك الله! ألا رفقاً بهذا الفن الوليد ومؤلفيه الذين أتصور أن التزام أيٍّ منهم بما ابتدعته لـ (ققج) من قواعد، سيؤدي إلى ارتباكه أولاً، ومن ثَمَّ إلى إنتاجه نصوصاً سمجة وثقيلة الدم، كتلك التي اخترتَها من (قصصك) وقدمتَها لنا بوصفها نماذج (ناضجة) قاعدياً لـ (ققج)( )، فإذا بنا نكتشف بعد قراءتها، أن ما ينقصها فعلاً، هو ذلك السرُّ الفني الرهيف الذي لا تضبطه قاعدة، والذي وحده يجعل من أي نص قصصي، فناً ممتعاً ومؤثراً.
الثانية: يبدو واضحاً أنك عثرت على مراجع عديدة وهامة تتصل بمصطلحاتك التي أبهظت بها (ققج) في كتابك، والتي أدرجت ثبتاً بأسمائها في حواشي فصولك. ولا أدري لماذا أتوهم، وأرجو أن أكون مخطئاً، أنك إما لم تقرأ في معظم تلك المراجع إلا عناوينها وأسماء مؤلفيها، لتوشح بهذه العناوين والأسماء جريدة مراجعك، على طريقة الكثير من أدعياء البحث المعاصرين، أو أنك قرأت تلك المراجع، فعلاً، ولكن لم تَفِدْ من قراءتها ما يفيد بحثك في (ققج) تأصيلاً وتوضيحاً.
أقول ذلـك، لأن من يَغضَبُ الله عليه، فيضطر لقراءة ما كتبتَـه ـ سيادتك ـ تحت ذلك الركام من المصطلحات، لا يظفر، بعد أن يدوخ (السبع دوخات)، على قول المثل، إلا بالسقوط مغشياً عليه، في فراغ من عدم الفهم، ساهمت في تشكيله عوامل، سأعرض لبعضها، في ثنايا حديثي التالي عن مثالب أسلوبك.
ثانياً، مثالب الأسلوب:
أستهل حديثي عن هذه المثالب، برجاءين حارَّين جداً، أرفعهما إليك، متمنياً عليك أن تأخذ بهما، في قادم مؤلفاتك، رفقاً بالعربية وقرائها. أرجوك، في أولهما، أن تكفَّ عن (إبداعاتك) غير البديعة في صرف العربية ونحوها وبلاغتها. وأرجوك، في ثانيهما، أن تسرع في علاج أسلوبك من داء الركاكة الذي أصاب معظم عباراتك وتراكيبك وجُملك، فلم يحرمها من الجمال فحسب، بل حرمها أيضاً، وهو الأهم، من وظيفتها الرئيسة وهي القدرة على إيصال ما تريد من أفكار ومعلومات وسواها، إلى قارئك. ولكي لا يبدو مضمون رجاءَيَّ هذين افتراء، تعال نستعرض بعض الأمثلة الموضحة لأبرز تلك المثالب:
ً1) الركاكة التي سأكتفي بإيراد مثالين عليها أظنهما كافيين لإثبات إصابة أسلوبك بدائها. المثال الأول لفت انتباهي وأنا أقرأ في الصفحة (34)، محاولاً فهم ما أردته بعبارتك المضطربة التالية، وأنت تتحدث عن أركان (ققج): (قد يبدو أن الركنين الرئيسيين هما القصصية والتكثيف، وهذا مما لاشك فيه، لكن ذلك لا يعني أن الجرأة والوحدة ليست أركاناً، بل هي أركان؛ لكنها تالية للركنين الأولين).
أظن أن ركاكة هذه العبارة واضحة أولاً، في التناقض الصارخ بين الجملة التي تبدأ بعبارة (قد يبدو) التشكيكية، وتاليتها النافية لتشكيكيتها وهي قولك: (وهذا مما لاشك فيه). فماذا تريدنا أن نصدَّق يا سيدي، شكَّك أم يقينك؟ والركاكة واضحة ثانياً، في الجملتين التاليتين اللتين لا أدري لماذا عدلتَ عن استخدام المثنى في صياغتهما، وفي استخدامه جمالٌ وفصاحة. أتراكَ لم تفطن لجماله، أم لعلك لا تتقن التعامل مع التثنية، فآثرت الهرب بقولك ما قلتَ آنفاً، بدلاً من أن تقول: (لكن ذلك لا يعني أن الجرأة والوحدة ليستا ركنين، بل هما ركنان، لكنهما تاليان..)؟!
المثال الثاني على ركاكة أسلوبك، قولك في تعريف الأنسنة: (الأنسنة تقنية أقرب منها للتكثيف والجرأة إلى سواها)( ). إن أي قارئ لابد أن يجد صعوبة في الوقوف على ما تقصده، في عبارتك هذه التي لا يتضح معناها إلا بعد إجراء بعض التقديم والتأخير في كلماتها، والانتباه إلى ضرورة تثنية (سوى)، لأنك ـ عافانا الله ـ ممن لا يحسنون التثنية. أقصد أن تصير عبارتك تلك على النحو التالي: (الأنسنة تقنية أقرب إلى التكثيف والجرأة منها إلى سواهما)، لتصير مفهومة على الأقل.
ً2) ابتداعات لغوية غرائبية، أبدؤها بالإشارة إلى جموع تكسيرك التي يشيب لهول غرابتها الولدان، وذلك من مثل جمعك (ملاحظة) على (ملاحيظ)( ) يا حفيظ! أما استخدامك لـ (ياء النسبة) التي أراها تقفز من نهايات بعض جموعك، مثل (حُمُّصَة الكي)، فأناشدك الله أن تكفَّ عن تلزيقها، كلما حلا لك، في مؤخرة أي جمع، بمناسبة ودون مناسبة، عسى أن يخف عثورنا، في قادم مؤلفاتك، على كلمات تخرق الأذن وتزعج العين، من مثل قولك: (حادثاتية)( )، وقولك (مرموزاتي)( ) الذي لم تصدمني بغرابته فقط، بل صدمتني أيضاً، بجمعك (مرموز) على (مرموزات) وليس على (مراميز)، كما عوَّدتنا وأنت تُظهر براعتك الخاصة في جمع التكسير الذي كسرتَ به خاطر العربية وخاطرنا.
ً3) استخدام أسلوب (تفسير الماء بعد الجهد بالماء)، وهو أسلوب بدأ يشيع في كتابات بعض نقادنا المحدثين، مع أنه يعود إلى ما يسمونه ـ حفظهم الله ورفع مقاماتهم ـ بعصر الانحطاط الذي لا يكفون عن ذمه، ولا أدلُّ على انتمائه إلى ذلك العصر من أن نموذجه التطبيقي الأكمل يتمثل في قول الشاعر (الانحطاطي):
كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماءُ
تُرى ألا تشبه (بلاغة) هذا البيت، (بلاغةَ) إجابتك عن سؤالك (ما القصة القصيرة جداً؟)، بقولك: (إنها قصة أولاً، وقصيرة جداً ثانياً)( )!!!
[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس