الموضوع: غيـــاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 13 / 02 / 2014, 31 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
نوره الدوسري
أستاذة تاريخ - أديبة وقاصّة
 





نوره الدوسري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السعودية

غيـــاب

غيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب





رأس أصلع تماماً إلا من عارضين بقيا صامدين يرفضان الانصياع لتعرية الزمان ظلا ملازمين لصاحبهما
ليبرهنا عما يحتويه من بياض انعكس حتى على شعيراته المتبقية لتجبر الجميع على تجديد الاحترام له .
في ملامحه الجسدية تبدو بقايا قامة طويلة ... وفي ملامح وجهه وسامة تطل من العينين حيناً ومرة من ابتسامه مشعه
زادتها هيبة العمر ونور الإيمان جمالاُ وأكسبتها ثباتاً رغم قسوة العمل والمرض ... والحزن على فراق رفيقة دربه
زوجته أم علاء لتتركه هكذا وحيداً في مواجهة الشيخوخة والتي لا تفتأ أن تسلب منه كل شي دون أن تكتفي بشيء...
سلبت منه القوة ..سلامة الأعضاء...حتى الذاكرة أجمل ما يمتلكه الحي لم تتركها له لتسليه بل كل يوم تأخذ من ذكرياته..
تفاصيلا .. أحداثا.. .صفحاتٍ ... أياما جميلة .. وجوها
في ذلك اليوم بحث في أرشيف ذاكرته عن أسماء بحثاً مضنياً ولكنه لم يفلح ...أحس بضيق .. وبحزن !!
شعر بالعجز شعوراً يرفضه ..لأنه إحساس صعب لأي إنسان ...
معناه إن غياب الذاكرة وتضيع الماضي تغيب عن الحياة والناس بشكل آخر
إنسان يعيش بلا هوية ...عبء .. طفل مُلح .. إذن فتغييب الموت ارحم من غياب الذاكرة بكثير
خرج من غرفته وهو يتساءل :. إن كانت الشيخوخة تسرق منا الذكريات !!
فلماذا تختار الأجمل وتترك لنا الأسوأ دائماً...كلمات ظل يرددها بألم ....
أكمل كلماته تمتمة وهو يمشي متجهاً إلى الشرفة متنفسه الوحيد
ليرى العالم ويعيش عالمه هو بشيء مما تجود به ذاكرته من أشياء بسيطة وأيا كانت سيئة أو جميلـة
فقط كان يسعد لأنه يشعر بوجوده وبماضيه هنا معه في هذا الوقت الضيق له مع الحياة
يجلس على كرسيه ليستحث ذكرياته ويناديها ويلملم ما تبعثر منها عبر هذا العمر ومعه صورة طالما
أحب أن يحملها معه لماذا ؟! ذاكرته لم تسعفه كالعادة !!
وبإصبعه كان ينتقل من وجه لآخر وفي ملامحه وجهه وعيناه حيره ودهشة ورغم هذا يشعر بسرور
يقف وينادي على ابنه علاء بلهفه والذي كان يشاهد التلفاز بكل تركيز فيأتي مجيباً: ويدعوه أن يقترب
منه أكثر ليعرض عليه الصورة متسائلاً :. من هذا ويضغط بإصبعه من شدة حرصه على الإجابة..فيرد
علاء:. هذا خالي سليمان رحمه الله...يرفع عينيه بدهشة أهو مات !! ومتى ؟ قال نعم مات وقبل وفاةأمي وقد حزنت عليه كثيراً لأنه صديقك ولولاه لما اقترنت بوالدتي ...











لحظات صمت يتأمل هذا الوجه هزَّ رأسه ..!! كعادته عندما يشعر بانتصار الشيخوخة وطمس المزيد من الوجوه المحببة !!
حرك اصبعه بحزن ودهشة ولم يعد بتلك الروح قبل السؤال ليطرح استفهامه الثاني ؟! وهذا من!!
وعندما هم علاء أن يفتح فمه إلا وينطق نعم أعرفه جيداً إنه غريمي حسن ذاك الذي سبب لي مشاكل
كبيرة مع إدارتي ولم تنته إلا عند أروقة المحاكم .....
أحسنت يا والدي هذه الجولة لك ضمن جولات خاسرة أمام ذاكرتك ..... يضحك علاء بصوت عالٍ بينما
والده قد غرق في تأمل وصمت !!! خرج مرة أخرى ليتابع المشاهدة وفي أثنائها
إذا بصوت أبيه منادياً مرة أخرى : علاء أين أنت يأتي مسرعاً كي يعود أسرع إلى المشاهدة وبسرعة متملل
مستفهم : ماذا تريد يا أبتي : رفع الصورة مرة أخرى متسائلاً بإصرار من هذا : يصرخ علاء بصوت عالٍ!!
هذا خالي مات قبل والدتي وهذا غريمك صاحب المشاكل التي لم تنته إلا في أروقة المحاكم
تنهد بملل : ألم تمل من هذا السؤال وكأن ليس في الحياة لدينا شيء سوى هذه الصورة ... بالله كم أنت لحوح يا والدي!!
وعيناه تسرق النظر إلى التلفاز فقام والده بصعوبة وقال:. علاء وأنت صغير كنت تسألني أسئلة مكررة
وتافهة بلسانك الألثق وكم كنت أطرب ولم أتملل كنت أشعر أن كل سؤال مكرر جديد بل وجميل ؟!
هذا أجمل ماجادته لي ذاكرتي اليوم ... من الربع الذي أعيش بها
أرخى يده اليمنى ليقبض جيداً ويتمكن من الصورة ويحيط بها ليضغط عليها بأقوى شعور يدفعه لذلك .........
حسرة اجتاحت أجمل ما كان يشعر به فاغتالت آخر محاولته لفرض الأجمل من ذاكرته على النسيان!!
تساءل مرة أخرى إن كانت الشيخوخة قد سلبت ثلاث أرباع الذاكرة منا
فلماذا لم تسلب معها إحساسنا بشعور الملل عندما يتسرب لمن نحب اتجاهنا )

تمدد على السرير باسترخاء أخذ النوم يدغدغ جفنيه ... يتمتم بكلمات .. الآن فقط يجد للغياب معنى آخر لم يدركه قبلاً .




نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
نوره الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس