جذيمة الأبرش: هو جذيمة الوضَّاح، أحد المعمرين، من قدماء ملوك العرب، حكم مدة طويلة، واسمه جذيمة بن مالك، ويعتبر أعز من سبقه من ملوك دولة تنوخ (وهم المناذرة ملوك مملكة الحيرة، كانوا أيام دولة ملوك الطوائف في فارس).
وهو أول من غزا بالجيوش المنظمة، وأول من عملت له المجانيق في الحرب من ملوك العرب . وأغلب الظن أنه عاش في القرن الثالث الميلادي.
طمع إلى امتلاك الشام وأرض الجزيرة، فغزاها وقتل ملكها أبا الزباء عمرو بن الظرب، إلاَّ أن ابنته الزبَّاء استطاعت الثأر لأبيها، وقتلت جذيمة في قصة مشهورة.
وفي خبره: إنه خرج إلى اليمامة (وهي اليوم قاعدة مدينة الرياض) يغزو طسماً وجديساً، فوجد حسان بن تُبَّع أسعد بن أبي كرب قد أغار عليهم، فانكفأ راجعاً بمن معه، وتخلفتْ سرية من سراياه، فأتت عليها خيل تبَّع فاجتاحتها. فلما بلغه خبرها قال هذه الأبيات المختارة من عيون الشعر، فجذيمة شاعر أيضاً، أحد الشعراء الأوائل عند محمد بن سلاَّم الجُمَحي (139 هجرية - 231 هجرية). ورواها الطبري (محمد بن جرير 224 هجرية - 310 هجرية) أحد عشر بيتاً في تاريخه (2 / 29) وقال: قال ابن الكلبي (محمد بن السائب، ت: 204 هجرية) وهو أخباري نسابة، مفسر، لكنه كذاب متروك الحديث: ثلاثة أبيات منها حق، والباقي باطل -وقوله يبدو أنه الصواب -، وقال أبو زيد الأنصاري (سعيد بن أوس 119 هجرية - 215 هجرية): ولا أعرف لجذيمة غير هذا الشعر (اللامات للزجاجي 115):
رُبَّما أوْفيتُ في عَلَمٍ
ترْفعَنْ ثوبي شمالاتُ
أوفى على الشيء: أشرف. والعلم: الجبل المرتفع. والشمالات: جمع شمال، وهي ريح الشمال الباردة الشديدة الهبوب. ويقول النحاة: زاد النون في " ترفعن" ضرورة، وقال الأستاذ محمود محمد شاكر (والشرح له من طبقات فحول الشعراء): أقول إنها لغة قديمة لم يجلبها اضطرار. وقوله: في علم، يذكر من حذره وشدته وحدة بصره وعلمه بمواضع المخافة، أن أصحابه كانوا يكلون إليه حراستهم، فهو يربأ لهم على جبل عال، يصبر في ليله على شدة هبوب الشمال وإطارتها أطراف ثيابه.
في فتوٍّ أنا رابئهُمْ
مِنْ كَلال غزوةٍ ماتوا
فتو (بضم الفاء والتاء): جمع فتى، ويجمع أيضاً على فتيان وفتية. والرابيء: الذي يعلو جبلاً يرقب المخافة للقوم، وهو الربيئة. وقوله: ماتوا، أي سكنوا وسكنت أعضاؤهم من الأعياء. والموت: السكون، وكل ما سكن فقد مات، يقال: ماتت الريح، أي سكنت. وروى أبو الفرج الأصفهاني (علي بن الحسين 284 هجرية- 356 هجرية) الشطر الثاني:
هم لدى العورة صمات
(الأغاني 14 / 273) يقول: هم عند مواضع العورات التي يُخشى منها العدو يميتون له الصوت، حتى يأخذوه على غرة.
ليتَ شِعري ما أماتَهُمُ
نحنُ أدْلجْنا وهمْ باتوا
الإدلاج: سير الليل كله. يتعجب من تصاريف الأقدار. سار هو وأصحابه ليلاً آمنين، وهم باتوا يستريحون آمنين أيضاً، فخالف الموت إليهم فاجتاحهم.