رد: حوار أدبي مفتوح مع وعن الشاعر طلعت سقيرق بمناسبة عيد ميلاده
أيها المبدع ، المتألق في سماء الشعر والقصة والأدب
- طلعت سقيرق - أستأذنك لألج عوالم هذه القصة التي شدّتني كثيرا
إلى الروح المبدعة الفياضة بالإحساس والإنسانية
أرسل هذه القراءة المتواضعة -
القصة تحت عنوان - اشتعل الرأس جنونا -
************************************************** ************************************************** *******
إن جمال هذا النص القصصي واختلافه يتجلى في بلاغته الجنونية الطافحة بالاستعارة في عتبته - العنوان - اشتعل الرأس جنونا - هذا الاشتعال الاستعاري المجازي الذي يفيد الشمول والشيوع هو اشتعال وجنون مصطنع للخروج من مأزق الجنون الحقيقي .
فالتقليب الأولي للعنوان يفصح عن جمالية طاغية بلاغية متنوعة في ثنايا النص ، لذا يتربص القارئ هذه الجماليات بحذر ، حتى يتلمسها ولا تنزلق منه ،
وهذا ما دفعني إلى قراءة النص مرات عديدة ، فأجد العودة إلى الوراء تلازم كاتبنا أيضاً مما خلق أسلوبا تشويقيا ، والتشويق هو أهم عنصر بلاغي فتمتزج الصور البلاغية بالمضمون فتنصهر ، فيصعب عليك الفصل بينها
* **أين كنا ياسيدي.. أما قلت لك إن الأشياء تصبح في بعض الأحيان غائمة إلى حد مرعب.. تصور: أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى، المجنون المسكين، يريدون شطب كلامي... لماذا ..؟؟؟ وما الداعي إلى ذلك، ما دام كلامي كلام مجانين ؟؟...
لا بأس.. لا بأس.. سأعود إلى الموضوع"""
هنا تصعيد في القول ، وتصريح بالنفي والرفض ،واندماج كلي في الجنون والتلذذ به والانغماس فيه ،
((((الجنون شرف أدّعيه، وأنت، أقصد سيادتك، ترفض أن تمنحني الحق في اكتساب هذا الشرف... !!..)))
الجنون رمز إلى رفض مايُلزم وما يُجبر ، ومقاومة للقهر والظلم، إن الجنون يحمل صفات التقلب وعدم الثبات والاضطراب ، لكن جنون -المدعوسحبان التائه أبو الندى -هو جنون معقلن تتحكم فيه مشاعر راقية بعاطفية جامحة ملتهبة .
((كما قلت لك، كنت ومازلت - وإن كنت مجنوناً - مسكوناً بحب الوطن. لا تظن أنني تغيرت.. حب الوطن لا يتغير ولا يتبدل-))
إن هذه القصة تضعنا أمام شخصية تعشق الابتسامة. وتعيش لأجلها ولكن حين حُرمت منها اصطنعت الجنون واختبأت تحت ظله ، اقتناعا منها أن الحياة بدون إشراقة وابتسامة هي جنون وحرمان .
حين يتسلط الظلم ، ويطغى القهر ، تختفي تحت جبروته ملامح البسمة والنور ، تذوب فتغيب ،
في زمن الفعل غير الحقيقي ، فيحاول الكاتب استعادة زمن الأمل ، في إطلالة أوسع وأعمق ، هو الزمن الأول زمن الحب والروعة والجمال ،
(((الحب والجمال والروعة... ابتسامتي ابتسامة حقيقية، تنبع من الداخل.. سعادتي سعادة متوقدة تعبر عن صدق إحساسي بجمال الأشياء.. وهي لا تشبه أي سعادة معلبة تظهر على الوجوه دون مرتكزات حقيقية.. هكذا كنت، فتصور جمال الحياة، حين تكون هكذا)))
هكذا هو الزمن الأول والذي يطمح إليه الكاتب ، زمن نطمح إليه رغم تقلباته ، رغم جنونه، هو زمن الفعل الحقيقي .
لقد أسرنا السارد - طلعت سقيرق - بلغته البسيطة المتحكمة الرزينة ،لنُغرق معه في حكاية الشخصية الرئيسة - حسبان - المشحون بلحظة ترقب ولادة سلام حقيقي ، لا تصطدم بقيود الغدر والزيف والكذب (((ثم كيف وعلى أي أساس يصير" السلام" مع القاتل قطعة حلوى يتناولها كل واحد وهو يرقص ويهلل، وكأنه حقق نصراً مبيناً؟؟ و الأنكى من كل ذلك، أن يتسابق المسؤولون، لفتح أبواب بلادهم أمام هؤلاء القتلة !!..ياسيدي دم الشهداء لم يجف بعد.. هذا حرام))))
ومن جوف هذا الترقب والحلم تنبعث تساؤلات عدة :
لماذا يحدث كل هذا "؟
أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى، المجنون المسكين، يريدون شطب كلامي... لماذا ..؟؟؟ وما الداعي إلى ذلك، ما دام كلامي كلام مجانين ؟؟...
أي نظام شرق أوسطي جديد هذا الذي يريدون أن يقيموه ؟؟ وفي خضم هذا الفيض من التساؤلات يتململ سؤال جوهري نتقاسمه مع سحبان وهو سؤال الرقابة وسلطة التلصص ، والتحكم في المشاعر (((سيدي.. تصور أن تتحرك وأنت تشعر أن فوق كتفيك رقيباً عتيداً من البشر ..)) إيحاء قصصي يتوزع في ثنايا النص ، ليُزيح ثقلا في الفكر ورمادا غطى اليأس والقهر، لتعلو الفرحة من جديد محيا سحبان (((يا لسعادتي.. صدقني هذا من دواعي سروري وغبطتي.. هذا يعني أنني غير مطالب بالابتسام.. أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى غير مطالب بالابتسام)))
لقد نجح وبمهارته الإيحائية الرمزية - طلعت سقيرق - أن يصور الصراع الداخلي في نفسية البطل ،.
(((لا أدري بالتحديد من أين أبدأ؟! -أعرف أن جملي أصبحت مفككة.. أظن وهذا أمر في غاية الأهمية)))
وأن يصف الإطار الخارجي للصراع
((( بيريز راح، نتنياهو جاء.. نتنياهو راح بيريز جاء.. وجه واحد صدقني.. حتى الايدز حاولوا أن يهربوه إلى البلاد العربية)وأن يترك بصمة الأمل رغم هذا الصراع والحذر (( أرجوك ابتسم ))
هكذا هي الرؤيا القصصية عند طلعت سقيرق في قصته - واشتعل الرأس جنونا - تعبر عن الحقيقة ولكن بأسلوب رمزي ، غير عادي ، إيحائي ، والإيحاء هو مدخل المعاني المتعددة ، نكتشف معنى ويغيب عنا معنى آخر . وهذا هو حال الدرر والأشياء الثمينة لا تطفو على السطح بل تتوغل دائماً في الأعماق .
|