31 / 03 / 2014, 25 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [14]
|
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )
|
رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
حين تمطر الدموع في شارع العمر
هدى يا صديقتي
أرأيت إلى الفضاء المفتوح وهو يغتسل بذاكرة الدهشة فتطلع النجوم دفعة واحدة كي تراقص القلب على إيقاع موسيقى لا حدّ لها .. هكذا تجيء كلماتك لتمطرني بهذا الشعور الدافئ من الحب والفرح واشتعال الأزهار بلغة الوجد الجميل ..
هل كان علي أن ابدأ بالتحية والسلام والسؤال عن فضة الوقت؟؟.. ربما هي الفصول تداخلني فأشعر معها بتماوج الوقت على إيقاع وردة منك يمكنها أن تذهب بي حتى النسيان بأن ملامحي مطبوعة على وجهي أو أطراف أصابعك ..
هدى يا ابنة خالي
ما عدت على استعداد أن أرجع خطوة معك للوراء .. سأكون أنا بكل ما لديّ من براءة الأطفال وعبث الشعراء .. سأفتح كل الصنابير على أنغام يديك وأنسى انك بعيدة كل هذه المسافات ... سأحدثك ويدي في يدك ، ربما ونحن نمشي من جديد في تلك الشوارع القديمة التي تحمل رائحة كل خطوات الذين مشوا منذ قرون .. هل كانوا حقا على هذا القدر من الروعة حتى فتح العالم ذراعيه لهم ، فأعطوه من قلوبهم وأرواحهم وإيمانهم وعلمهم الكثير؟؟..
أأذكر يا هدى ..؟؟.. من الصعب أن ننسى أحيانا تلك الصور التي تنطبع في الذاكرة فتبقى مثل ملامحنا.. أتدرين أنني في تلك الأيام كنت فرحا وأنا امشي مع تلك الصبية الجميلة في طرقات مسكونة بالورد ؟؟.. كأنني كنت أريد من الناس أن ينظروا إليّّ وأنا أخطو على رصيف دهشتي بك وبكل تلك الأماكن الرائعة .. لحظة بلحظة اذكرها.. صدقيني يا هدى كان الأيام تدق الآن بابي فأفتح لأجدك قربي ، و معا نخطو على تلك الأرصفة المموسقة بعناقيد الزمن الجميل ..
رائع أن يكون الحب بهذا الحجم ، وأن يكون الدفء على هذا الشكل ، لأننا بالحب يا هدى نحمي أعمارنا من برد السنين .. وإذا كنت املك ناصية الحرف ، فمن حسن الطالع أن أبحر في بحث دائب عنك وأنت القريبة ، وأن أعيد رسم ملامحك في عينيّ مع أن صورتك مطبوعة في الذاكرة ..
في ذلك الحي ، أو ذلك السطر المفتوح على صوتي ، الشيخ محي الدين ، أو الصالحية ، كنت أخطو بشيء من قلق يساورني على الذين أحب .. أتدرين يا هدى أن أكثر ما كان يخيفني ويرعبني هو الموت .. لم يكن الخوف على نفسي ، بل على المحيطين بي .. وكان من أصعب الأشياء وأمرها أن يخرج إنسان ما من حياتنا ليضع ما تبقى على رف الوجود مجرد ذكرى أو نداء مشدود الوتر ..
حين رحل خالي نور ذهلت .. كانت أمي تدور مثل نافورة ماء مسكونة بالبكاء .. ما معنى أن تكون نافورة الماء مسكونة بالبكاء؟؟.. الانهيار الذي أصيبت به جعلني شخصين في شخص واحد .. أزداد خوفا من الموت ، وأبحث عن معنى الوجود والرحيل وكل تلك المفردات التي كانت اكبر مني .. هذا الموت المبكر كان نارا تشعل الشاعر وتلوكه ثم تلقيه على درج الأيام ممزقا لا يعي إلا أن الموت فاصلة قاسية .. ومات عمي .. وبعد سنوات مات أبي !!.. لأول مرة أقف أمام الجسد المسجى تاركا كل شيء وذاهلا عن كل شيء .. حاولت أن ابكي وما استطعت .. كان الجميع منخرطين في بكاء جماعي .. وكنت واجما لا اعرف إلا أنني أسير في الدرب المرسوم دون قدمين أو أي أفكار .. كان هناك شخص ما يطل من نافذة بعيدة وينظر إليّ .. كنت هذا الشخص الذي ينظر إلى ذلك الذي يمشي مدعيا التماسك .. لم أذرف دمعة واحدة ..
في البيت ، وبعد أن ذهب كل إلى حاله ، جلست وحيدا في الغرفة .. أطلَّ وجه أبي من كل شبابيك عمري وقلبي وروحي ونفسي .. و انداح شريط الأيام محموما يكر الصور بتتابع غريب .. وقتها بكيت وأخذت أرتعش من قمة رأسي حتى أخمص قدميّ .. كل الدموع التي خبأتها انفجرت مطرا مجنونا كاد يخنقني .. وانطلق من أعماق قلبي وروحي صوت يصرخ:لماذا يا أبي ؟؟.. لماذا كان عليك أن تتركني وأنا الذي كنت أراك فتضحك الدنيا في اشدّ الظروف صعوبة ؟؟.. ولم يجب أبي .. كنت الولد البكر .. وهذا يعني أن أكون بدل الأب.. أن أكون الرجل !!.. وآخ يا أبي من رجولة علينا أن نستحضرها والسكين في الخاصرة !!.. هذا الدور ما كان باستطاعتي أن ألعبه أو أدعيه ، لكنهم أصروا على أن أكون.. وكنت .. كل شيء عليّ أن أجد الجواب له ، وعلي أن أحل أصعب الأمور ، وأن أعطي رأيي في اعقد المسائل .. آه يا أبي كم كنت صبورا وحكيما .. لكن لماذا أفتح كل هذه الحقول المسكونة بالدمع ؟؟..
هدى يا ابنة خالي .. لا أعرف لماذا .. أتدرين بحاجة أنا إلى البكاء .. وبحاجة أنا إلى الضحك حتى الجنون .. صرتِ يا هدى ملامح عمري أو ربما ملامح وجهي ، ومن الصعب أن اترك هذه الملامح وإن للحظة واحدة .. أعيدي لي تلك اللحظة التي كانت لأعيد لك كل الأيام الماضية .. صعب يا هدى .. صعب .. قدرنا أن نسير معا هذا المشوار من العمر .. وقدرك أن تمنحي هذا الشاعر شيئا من صبرك حين تموج به الذكريات وتقذفه حتى قاع الرغبة بالبكاء .. أحيانا يا هدى أرتكب حماقتي محاولا استعادة الأيام حتى أرى كل من رحلوا .. فتسخر الأيام مني وتمد لسانها معلنة العصيان.. فالذي رحل من الأيام لا يعود.. والذين طوتهم القبور لا ينفضون التراب عن أجسادهم وينهضون ..
هل أنا حزين الآن .. ؟؟..
سأقول لك شيئا يا هدى .. مشكلة الشاعر أنك لا تعرفين متى ينفجر بالبكاء ومتى ينفجر بالضحك .. معادلة صعبة ، لكنها الحقيقة الوحيدة التي تنطبق على الشعراء ..
قرأت رسالتك فتعجبت .. بأي حروف تكتبين ؟؟.. وبأي روح ومشاعر ودفء ؟؟.. تملكين القدرة المذهلة على التعبير ، لكنك تحاولين الاختباء خلف هذا الحرف أو ذاك ، وكأن الحروف جدران تستطيع أن تفصل بينك وبين العالم .. لا يا هدى .. لا يا غاليتي .. حرام أن تكسري هذا السحر الحلال بقلة الكتابة ، أو بتركها بعيدة إلى هذا الحد أو ذاك ..
ابن عمتك
طلعت سقيرق- بتاريخ 2006/06/08
------ يتبع ------
|
|
|
|