أحلام شائكة
أحلام شائكة
في هذا الليل المسكون بالوحشة و النجوم داهمتني رغبة مجنونة في الكتابة إليك... فررت من منزلنا إلى دار جدّي حيث انتبذت غرفة قصيّة بعيدا عن فوضى الأشياء، بعيدا عن محاصرة الأصوات لي، بعيدا عن ضجة العيون حولي، في هذه الغرفة المسكونة بالصمت أقبع وحدي أستلذّ السكون... الكتابة وحي يحتاج فيه الإنسان إلى أكثر من لحظة سكون و يحتاج فيه لمجالسة نفسه . أحتاج إلى نفسي و انا أهُمّ بالكتابة إليك لأنّك نفسي و ليس أصدق من مخاطبة النّفس للنفس.
أهرب إليك ، أنطرح على الورق كما يتوزّع الأريج في الزهور و يتخلّل مسام بتلاتها . إن ما تقرئينه ليس كلاما عنّي إنّما هو أنا أذوب في كلماتي ذوبان النّور على وجه المرآة.
كان لا بدّ أن أكتب و ليس أصعب من الكتابة لإنسانة طالما كتبت إليها. فالعادة أنّ من يكتب كثيرا يضيّق على نفسه مساحات الإبداع و لكنّي اللّيلة أحسّ بطاقة معجزة تسكنني و تجعلني قادرا على توسيع نطاق الخلق و إضافة حبّة جديدة لعقد الإبداع الّذي عوّدتك عليه ... فأنت كنت و ستظلّين دائما ذلك الدّافع الّذي يحفّزني إلى اكتشاف مساحات جديدة في اللغة و اختراع صور لا تقال إلا لك أنت ، صور فريدة مثل فرادتك .
أستسلم للذكرى، أتركني للذكريات تجتاحني ... فيحضرني يوم كنّا فيه طالبين يوم جئتك فاعتذرت عن النّزول إليّ من دار الطالبات و أرسلت إليّ ورقة ما زلت أحتفظ بها ككل أشيائك الأخرى فجميع أشيائك تجعلني أقف أماهما وقفة ملؤها القداسة و الارتباك و العجز عن التخلّص منها أو حتّى التّخلّص من مجرد جزء منها . تحضرني هذه الحادثة لأنّي اليوم مثلك يومئذ . فهل تذكرين ماذا كتبت لي أنا أذكر و سأذكّرك فاسمعي :" أجلس الآن في الغرفة بمفردي ، نجاة الصّغيرة تترنّم بكلمات أغنية " أسألك الرّحيلا . صوت غليان الشّاي يحملني إلى منزلنا، إلى غرفة الجلوس بالذّات حيث لا شكّ يجتمع والداي و إخوتي ... كم اشتقت إليهم... البارحة ذهبت للدراسة في غرفة أميمة مع ألفة و نورة ، جلستي لم تدم طويلا ... تسيل الآن دمعة على خدّي ... كم اودّ أن أنخرط في بكاء مرّ و لكن يجب أن أنهي هذه الرّسالة إليك ... عدت إلى غرفتي و بدأت رحلتين : رحلة الكتابة؛ كتابة المحاضرات الّتي غبت عنها و اللّتي ألقيت في غياب أميمة و ألفة و رحلة الاستماع إلى أشرطة الكاسات الّتي لم تكن هادفة كلّها... رحلتي هذه بدأت و لم تنته إلا حين أجبرت نفسي على النّهوض و مفارقة الطّاولة حوالي السادسة صباحا استلقيت على الفراش و لم تكن بي رغبة في النّوم بل كنت أوجه الأوامر إلى نفسي و حواسّي حتّى أنام و كأنّ النوم أضحى واجبا هو أيضا ... إن لم تجد جدوى فيما أقول و هذا محتمل فلا تقلق رجاء و اغفر ساعة الضياع هذه و ساعة الحزن المؤلم هذه و ساعة الحيرة هذه و ساعة الضّعف هذه و هذه و تلك ... فساعات الضّعف عديدة في حياتي.
بماذا تحسّ عندما تعطي دون حدود ثمّ لا تجد سوى الجحود والنكران؟ ما تحسّ به أحسّ به أنا الآن. بماذا تشعر عندما تتعامل بصدق مع النّاس جميعا ثمّ لا تجد سوى الكذب ؟ ما تحسّ به أحسّ به أنا الآن. بماذا تحسّ عندما تصبح أعمالك الّتي تقوم بها برغبة و حبّ أشياء تجبر على القيام بها و تغدو واجبا بعدما كانت تطوّعا ؟ ألا تحسّ بأنّك تودّ لو تفارق هذا العالم الزّائف أ لا تتمنّى أن تلاقي مكانا تفعل فيه ما يُقنع قلبك و مشاعرك معا دون أن تُضطرّ إلى المجاملة و مراعاة رغبات الآخرين ...
>)) يتبع
علي كرامتي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|