ابن جني وكتابه الخصائص 1
ابن جني: هو عثمان بن جني الموصلي، كان أبوه مملوكاً رومياً لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي. ولد بالموصل، وتوفي ببغداد عام 392 هـ / 1002 م عن نحو 65 عاماً.
أحد أئمة الأدب والنحو البصريين الثقات، وشهرته في معرفة اللغة وفقه أسرارها وأحكام التصريف فيها، طغت على شهرته في سائر علومها، خاصة في بحوث الاشتقاق الأكبر، (وهو أول من أطلق عليه هذه التسمية).
نقلت عنه معجمات اللغة ما انفرد به من ألفاظ واستعمالات، لامتياز أسلوبه بمتانة التركيب، وبلاغة العبارة، ووضوح الفكرة، والاستقصاء، والإكثار من ضرب الأمثلة ولمَّ الأجزاء بعضها إلى بعض، وإن مال أحياناً إلى الإطناب والتكرار.
** ** **
والاشتقاق في العربية على ضربين: كبير وصغير.
فالصغير: أن تأخذ أصلاً من الأصول فتتقرَّاه فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صيغه
ومبانيه، كتركيب (س ل م) تأخذ منه معنى (السلامة) في تصرفه، فتقول: سلم، ويسلم، وسالم، وسلمان، وسلمى، والسلامة؛ ومنه: السليم: وهو اللديغ - سُمِّي بذلك تفاؤلا بالسلامة - وعلى ذلك بقية الباب إذا تأوَّلته.
والاشتقاق الكبير أو الأكبر: أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه معنى واحداً، فإن تباعد شيء من ذلك عنه رددته إليه بلطف التأويل، نحو:
(ك ل م) (ك م ل) (م ل ك) (ل ك م) فحيث تقلبت فمعناها الدلالة على القوة والشدة.
ونحوه تقليب (ج ب ر) أين وقع دلَّ أيضاً على القوة والشدة، فتقول:
جبرت العظم، وجبرت الفقير: إذا قوَّيتهما وشددت منهما.
والجَبْر: الملك، لقوته وتقويته لغيره.
ورجل مُجَرَّب: هو الذي قوَّته الأمور وأحكمته فاشتدت عزيمته.
والجراب (بكسر الجيم): الوعاء يحفظ ما فيه، والشيء إذا حُفظ وروعي ما فيه اشتد وقوي، وإذا أغفل وأهمل تساقط ورذي.
والبُُجْرَة والبَجَرة: كل عقدة في الجسم، تكون في الوجه والعنق والبطن، كالسُّرَّّة إذا غلظت ونتأت فاشتد مسُّها وأمرها، والأبْجَر وهي بَجراء: القوي السُّرَّة؛ ومنه قيل للهموم والأحزان: بُجَر، قال سيدنا علي: إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري، أي همومي وأحزاني، وقالوا معناه: ما أبدي وأخفي من أحوالي.
ومنه البُرْج: لقوته في نفسه وقوة ما يليه به.
والبَرَج: نقاء بياض العين وصفاء سوادها، وذلك دلالة على سلامة العين وقوتها، والسواد ليس بلون مستضعف.
ورَجَّبْت الرجل: عظمته وقوَّيت أمره.
وقيل لشهر رجب (رجب)، لتعظيمهم إياه عن القتال فيه.
والنخلة إذا مالت دعموها بالرُجْبة، وهو شيء تستند إليه لتقوى به، وذلك لكرمها عليهم.
والراجبة (بكسر الجيم): أحد فصوص الأصابع، وهي مقوِّية لها.
والرَّباجي: الرجل يفخر بأكثر من فعله، فيعظم نفسه ويقوِّي أمره.
** ** **
ومن ذلك تراكيب (ق س و) (ق و س) (و ق س) (و س ق) (س و ق) جميعها
تعني القوة والاجتماع:
فالقسوة: شدة القلب واجتماعه.
وسُميت القوس (قوساً) لشدتها واجتماع طرفيها.
والوَقس (بفتح الواو، فسكون القاف): ابتداء الجرَب، وذلك لأنه يجمع الجلد
ويُقحله.
والوَسْق: الحِمل، وذلك لاجتماعه وشدته.
واستوسق الأمر: اجتمع، ومنه قوله تعالى: (والليل وما وسق) - الانشقاق: 17 - أي جمع.
وسٌُمِّي السُّوق (سُوقاً) لأنه استحثاث وجمع للمسُوق بعضه إلى بعض.
** ** **
ومن ذلك تراكيب (س م ل) (س ل م) (م س ل) (م ل س) (ل م س) جميعها تعني الإصحاب والمُلاينة:
فالسَّمَل: الثوب الخَلق، وذلك لأنه ليس عليه من الوَبَر والزئبر ما على الجديد،
فاليد إذا مرَّت عليه لم يستوقفها جدَّة المنسج أو خشونة الملمس.
والسَّمَل: الماء القليل، كأنه قد أخلق وضعف عن قوة المضطرب وجَمَّة
المُرْتكض.
ومنه السلامة، وذلك أن السليم ليس فيه عيب تقف النفس عليه، ولا يعترض
عليها به.
والمَسْل والمَسَل والمسيل، كله واحد. وذلك أنه لا اعتراض على الناظر فيه
والمتصفح له.
ومنه اللمْس، وذلك أنه إنْ عارض اليد شيء حائل بينها وبين الملموس لم يصحَّ
هناك لمس، فإنما هو إهواء باليد نحوه ووصولٌ منها إليه بلا حاجز ولا مانع، ولابد مع اللمس من إمرار اليد وتحريكها على الملموس، ولو كان هناك حائل
لاستوقفت به عنه.
ويقال: ألْسَمْتُ الرجلَ حُجَّته: لقنته وألزمته إياها، فسهلتها وأوضحتها. قال الشاعر:
لا تُلسِمنَّ أبا عمران حُجَّته
ولا تكونن له عوْناً على عُمَرا
** ** **
واعلم أنا لا ندعي أن هذا مستمر في جميع اللغة.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|