عرض مشاركة واحدة
قديم 08 / 01 / 2008, 33 : 07 PM   رقم المشاركة : [3]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: الشاعر والكاتب / مصـــــطفى مـــــراد

كتب صديقي الغالي الأديب العملاق الأستاذ الكبير/ فوزي الديماسي



عن



حلم السبيل في قصائد الشاعر الفلسطيني



مصطفى مراد



الشاعر رديف النبي ، رسول بناء ، سليل رؤية و رؤيا ، صنو الحب و الخصب و الجمال ، ضميره متقد الأفق ، عاشق النور عدو الظلام ، صوت أمته المدوي في أركان الضعف و الإستكانة و الإرتكاس ، الشاعر شمس الأمة رغم المنايا و الرزايا و المحن ، ينثر في الأرجاء من حلمه الأشعث المتعب بذور الحياة و نطفة الصباح في ترائب الظلام الحالّ بالقلوب الحالكة الموبوءة ، و يمشي الشاعر المفتون بالماء و الضياء رغم موج السقوط المتلاطم على الشوك من أجل أمته و يزف لها دمه وردة و ضياء ، و يبثّ فيها حروفا نورانية تنشر الأموات القابعين على ضعف في أقبية الإستسلام
سأصنعكم من جديد
يا أبناء الصمت
أيها الغارقون بدم أحلامكم الأسود
أيها اللاهثون خلف السراب
قدر الشاعر أن يكون في أهله الغافلين نفخة السور المقدسة ، لا تثنيه غفلتهم ، و لايثبط عزمه تقلب قلوبهم في الشحوب ذات الحزن و ذات الشجن ، كنهه حمامة بيضاء مسرّحة في ابتسامات الثكالى و رسوم الديار و نازليها ز مدبزلو على الهدرو في ثنايا النزر بحثا عن مرافص تحشن مظق أمته التي بعثرها الهم ز ذزف بها الضدن في ةل كار
أركض في الأشياء و الأسماء
الريح مهري
و الوصول مطلبي
ما همني
إن زلزلت
زلزالها الأرض
و إن
تنكسر السماء
فسمة الشاعر الإصرار ، و الفجر دأبه ، و حب الأرض ديدنه ، هكذا ترنم مصطفى مراد العاشق لأرضه و الذائد على عرضه شأنه في ذلك شأن الشعراء المؤمنين بقضاياهم و دورهم الطلائعي في الوجود رغم خنجر الوقت المغروس في خاصرته ، فجل قصائده جاءت رافلة في نيتشوية كافرة بالظلام و برد الأقبية محتفية في الآن نفسه بالفعل و إعادة الخلق خلق جديد طويته الحياة و سجيته العطاء و مواجهة المصير
لعينين لا تعرفان النعاس
و لا المستحيل
و لا تخرجان من الذاكرة
لعينين لا تعرفان الرحيل
و لا سلم الباخرة
لعيني بلادي
لعينيك يا * ناصرة *
ستبقى عيوني
لأجلها ساهرة
فحب البلاد عنوانه ، إليها ينتسب ، هي وجهه الذي يمشي به بين الناس ، فكوجيتو مصطفى مراد في علاقته بالأرض / العرض * أنا أحب بلادي إذن انا موجود * فوجوده شديد الصلة بوجود أرضه الوجه و المستقر .
إنها صوفية البلدان إن صحت التسمية ، حلاجية بلدانية متلبسة بجل قصائد الشاعر سواء في تغنيه بالناصرة أو دمشق أو الأمة ، فالحلول و الكمال في هذا الباب سمة الشاعر لحظة تناوله للأرض / العرض ، إنهما عاشقان ثالثهما الرقيب على طريقة قصص العشق في تراثنا و الحبيبان هما مصطفى و الأرض / الأهل و العاذل في هذه اللحظة العشقية هو الوقت
يسرقني من أكمام الأيام
يطحن صبري بالصت
و ينشر عمري في أنفاس الريح
و يمضي ....
يغمس ريشته
في محبرة الموت
و يكتبني
يكتبني
و ينام


اتسمت لغة الشاعر مصطفى مراد بشاعرية عالية و ذلك من خلال جملة من القرائن الدالة المتمثلة في صور شعرية مفاجئة لأفق انتظار القارئ و اطمئنان المتقبل كقوله في احدى قصائده مشبها ذاته بخنجر اخضر ، و متى كان الخنجر صنو الموت ، و عنوان الفناء يحمل في أحشائه الخصب و الولادة ؟ تلك هي إرادة الشعر و ذلك هو فعل الشعر و للشعر حكمته في تناول الأشياء ، وهذا ما ذهب إليه الناقد كمال أبو ديب في تعريفه لحد الصورة الشعرية و حدودها و المتسمة عنده بالجمع بين المتنافرو المتباين ، فربط الخنجر بالإخضرار يخلخل أفق القارئ و يسفه انتظاراته و يحدث فيه رعدة الدهشة و الدهشة هاهنا بمفهومها الهادغاري .
و الجمع بين المتناقضات في أعمال مصطفى مراد غاية رسالية و جمالية ، فالموت لا يصنع الخصب بمعنى أدق التركيب النعتي # خنجر أخضر # لا يؤدي دلالة قرائية إن تعاملنا مع الأبيات خارج سياقها الخاص و لكن إذا ربطنا ذلك بالشاعر- الفلسطيني - تبينا أن المقاومة على الأراضي الفلسطينية المرتبطة بمفهوم الموت تصنع الخصب و الحياة و الإخضرار فالخنجر الأخضر أو الحجر هي دلالات و قرائن تصنع الحياة و تبشر بها من خلال فعل الموت / البناء # الشهادة # .
كذلك قصيدته الموسومة بعنوان* الوقت * جاءت هي كذلك حبلى بالصور الشعرية عالية الحساسية ، دعنا نطلق على هذه الصور الشعرية * الصور الزلزالية * فهي مزلزلة لإطمئنان القارئ و أفقية قراءته و مخلخلة لجهازه المفهومي حيث شبه الشاعر الدواة التي هي فعل خلود بالموت
يغمس ريشته
في محبرة الموت
و يكتبني
و الكتابة حسبه ليست فعل تخليد و ترسيخ كما تواطأعلى ذلك الناس و إنما هي لديه فعل إفناء بامتياز و لها سمة الطقس الجنائزي لأنها في الأخير تثبّت الأشياء و الأقوال و الأفعال في دائرية متحفية موسومة بالتوقف و الثبات و الحال أن دعوة الشاعر ضاربة بمفهوم الثبات عرض الحائط لأن الوقوف في نقطة بعينها يعني الموت و يكشف عن أخلاق الرضوخ و أخلاق العبيد كما سماها نيتشه فشرف الإنسان في هذه القصائد الفعل و السعي و الكدح و عدم الثبات على حال على مذهب الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي القائل
و من لم يعانق صعود الجبال ***** يعش أبد الدهر بين الحفر
  رد مع اقتباس