02 / 08 / 2008, 19 : 06 PM
|
رقم المشاركة : [8]
|
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
|
رد: " في شرفتها " للأديب أ : حسن حميد
تفاصيل
ــ 1 [align=justify] ــ
كانوا ثلاثين طفلاً..
أسرتهم، وفرشهم، وملاعقهم، وصحونهم، وطعامهم، ومناشفهم، وأحذيتهم، وفراشي أسنانهم، وملابسهم، وكتبهم، ودفاترهم، وأقلامهم، وألعابهم، ونزهاتهم، ودروسهم، ووجوههم، وصفرة ألوانهم، وانكساراتهم، وضحكاتهم.. كلُّها كانت متشابهة!!
ــ 2 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً..
صافرة، ويستيقظون
صافرة، ويصطفون
صافرة، ويلعبون
صافرة، وينامون
صافرة، فيدخلون.. أو يخرجون!
ــ 3 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً..
لا يعرفون المشاغبات، ولا الحنو، ولا الثورات، ولا النزق، ولا الطلبات الملحاحة، ولا الهدهدة أو المناغاة.
كانوا لا يعرفون الجري في الأزقة، ولا متعة الوقوف على باب البقال، ولا جمال الركض نحو الأبواب حين تقرع في البيوت، ولا الفرح بمجيء الضيوف، ولا الخوف الوهمي الألوف من صراخ الأمهات الناهرات.. وقد تلوّثت ثيابهم أو توسخت رؤوسهم بعد لعب صاخب في الحارات، ولا روعة عودة الآباء في آخر النهارات ومعهم أكياس الفاكهة.. والحلوى، والثياب، ولا لذّة تكاليف الأمهات:
»اسأل جارتنا أم سعيد يا بني إن بقي عندها حفنة رز لأطبخ لكم زبدية رز بحليب«!
ولا نشوة الشعور بالأبوة حين يطلب الآباء:
»قل لعمك تحسين يا ولد تعال واشرب الشاي معنا لكي يغلبك أبي عشرة طاولة«!!
ــ 4 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً..
في بناء واطئ، أصفر اللون.
له نافذتان كبيرتان، زجاجهما ثخين، وشجرة كينا طويلة لا يبدو من أوراقها الخضر إلا القليل، وسياج من شريط معدني شائك هجرته العصافير، وباحة رملية صغيرة لا تلبث أن تجمعهم كلما تناثروا، ومربية قصيرة ممتلئة.. ذات وجه مغلق قست عليها الحياة.. فدفعتها إلى هنا قسراً، مربية تضخمت شفتاها أكثر لكثرة ما صفّرت بصفارتها المعدنية الكبيرة، مربية اختصرت الكلام والحنين.. في صافرة!!
ــ 5 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً،
لا ألوان لهم، ولا رغبات!
كانوا هنا في هذا البناء!
صباحاً ينشدون نشيط الوطن، ونصفهم يبكون بعدما عاقبتهم المربية عقاباً مؤلماً لأنهم بلّلوا فرشهم ليلاً!
وفي المساء يحيّون المربية، ويندسّون في فرشهم وهم يفكرون بكابوس السلس البولي إلى أن يأخذهم النعاس، فينامون بلا حكايات، بلا وعود صباحية!!
ــ 6 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً،
أصواتهم خافتة، ونظراتهم منكسرة!
ورقابهم قصيرة ضامرة!
كانوا بلا آباء، بلا أمهات!!
ــ 7 ــ
كانوا ثلاثين طفلاً،
وقد غدوا كباراً..
يختلسون من الوقت وقتاً، فيأتون إلى هنا.. ليروا ملاعبهم، ومقاعدهم، وأمكنة نومهم، والسياج الذي واقفوه طويلاً.. ومعهم أطفالهم الصغار..
كانوا ثلاثين طفلاً،
يأتون خلسةً إلى هنا.. فرحين
.. وكأنهم يأتون بأطفالهم إلى بيوت الجدّات المنتظرات!
* * *
[/align]
|
|
|
|