عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 08 / 2008, 24 : 06 PM   رقم المشاركة : [10]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: " في شرفتها " للأديب أ : حسن حميد

على الرصيف..!

[align=justify]
على الرصيف الطويل المغبر، وقف الثلاثة يبكون ويصرخون! بكاؤهم مرّ، وصراخهم موجع.. كأن الدنيا انغلقت عليهم.
كان الوقت صباحاً، والشمس ماضية في عجلة لتكمل دورة النهار. والناس من حولهم في انشغال وحركة هنا وهناك، وشجيرات الياسمين المتراخية فوق الأسيجة.. أَفلتت زهرها الأبيض دون أن يعبأ بها أحد، والسيارات في جريانها وضجيجها المألوف، والباعة، أطلقوا نداءاتهم الصاخبة، المتداخلة، ليبنوا طقوس البيع والشراء.
.. بدا مشهدهم لافتاً للانتباه ومحيّراً.. وهذا ما جعل الناس يتحلّقون حولهم، ويتساءلون!! فالأم.. بدل أن تواسي طفليها، تبكي معهما، وتصرخ كما يصرخان تماماً. بدوا.. كأن ما من شيء يجمعهم إلا البكاء، والصراخ، والنظرات اللائبة.
فجأةً، ومثلما اكتظّ الرصيف بالناس وضاق حول الأم وولديها عاد وانكشف عنهم وحدهم وهم في وقفتهم وبكائهم وصراخهم وأسئلتهم الدائرة!!
ابتعد الناس عنهم، وهم يسقطون وراءهم كلمات السخرية والاستغراب.. والتهكم، فقد ظنّوا بأن الأم وولديها يستعطون بأسلوب رخيص نهاراً، جهاراً!!
وهكذا، ظلَّت الأصوات المتداخلة تلفّهم وظلَّ البكاء والصراخ قائمين إلى أن اقترب منهم أحد أفراد شرطة المرور الذين يقفون على ناصية الشارع، وقبل أن يتكلم الشرطي صمت الطفلان، وسيّجاه بنظراتهما الدامعة/اللامعة. وأوقفت الأم نحيبها وراحت تخفي دموعها بأطراف أصابعها، لكأنها شعرت بالخجل أمامه، وحين سألها الشرطي عن سبب الصراخ والبكاء وقد نهضت هي، ولاذ طفلاها بثوبها وانكمشا، أجابته: »قبل ساعات وصلنا إلى المدينة. أتيت لأشتري لهما حاجيات المدرسة والحذائين فوجدتُ ما معي من النقود لا يكفي لشراء حاجيات واحد منهما فقط، الأسعار مثل النار«!
ويهمهم الشرطي مشيراً إلى الطفل الباكي.. فتقول:
»إسماعيل، يبكي.. يريد هريسة من تلك الصواني، (وتشير إلى دكان الحلويات)، كما يريد طاقية وبوط رياضة، وبالونات، وجرابات، يريد شراء كل ما يراه أمامه«!
وتخفض بصرها منكسرة لتضيف:
»وفاطمة، تبكي لأنني لم أشتر لها اللعبة الطويلة ذات الثوب الأبيض والشعر الأشقر ولا ملاقط الشعر الملوّنة. حاولتُ كثيراً أن أصبّرهما فما أفلحت، وحاولت كسر الأسعار فما استطعت. ولم أدرِ ماذا أفعل؟! وحين ضاقت الدنيا بوجهي وتكاثرت طلبات الولدين عليَّ.. وجدت نفسي راكعة فوق هذا الرصيف أبكي معهما. لقد.. تبهدلنا وها أنت ترى أن بعض المارة رموا إلينا.. الفرنكات«!
وتململ الشرطي في وقفته.. دون أن يجيب بشيء، وقربه.. بدا الطفلان كأنهما جمعا الدنيا وعلقاها عليه.. فظنّا أنه مفتاحها، وقد راح يمسّد شعرهما بحنو وإشفاق باديين ظنّا منهما أنه المنقذ الذي سيعطي أمهما ما تريد من مال لتشتري لهما كل شيء وهو على هذه المهابة البادية!!
وظنّت أمهما أنه، وهو ابن الحكومة، لا يخلو من حلّ لمشكلاتها، وأنه لن يقبل بعودتها إلى القرية مكسورة الخاطر، لكن الظنون ظنون!! لأن الشرطي وقع في عجزه فتهاوى أمامهم كتمثال من الثلج رويداً رويداً، وانكمش على نفسه، وقد لفَّ وجهه براحتيه وراح يعضُّ شفتيه حتى أدماهما، وصوته يخرج الكلمات فحيحاً لافحاً! الأمر الذي جعل الأم وطفليها يحيطون به لمواساته، وتطييب خاطره!!
لحظتئذٍ، بدوا كعشٍّ من النحل الألوف يتدبّر شؤونه، أمٌّ تصبّر زوجها، وطفلان يطفئان دمعهما بلطف وهدوء شديدين!!



[/align]
* * *
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس