03 / 08 / 2008, 08 : 09 PM
|
رقم المشاركة : [18]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: حدثيني يا أمي عن أعراس فلسطين
(20)
عودة الحجاج
قبل البداية هناك ملاحظتان تفيدان صعوبة الحج وكلفته الباهظة وندرته بين الفلاحين من أهالي القرى، حيث كان يوجد في القرية كلها حوالي عشرة حجاج فقط لا غير، إضافة إلى بعض العقائد فيما يخص موضوع الحج.
الملاحظة الأولى أن معظم الحجاج
في بداية القرن، لم يكونوا من أولئك الحجاج الذين حزموا أمتعتهم من القرية مُيَمّمين وجوههم شطر المسجد الحرام في مكة، بل كان معظمهم من أولئك الذين خدموا مع الجيش العثماني في الحجاز. فكان يعود العسكري إلى دياره حاملاً لقب الحاج لدى انتهائه من الخدمة. وقد كانوا قلة أولئك الذين رحلوا في رحلة الحاج، إلا أن ذلك تغير بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبات لا يذهب إلى الحج إلا من عقد النية واقتدر. ولم يعد يختلط الأمر على الناس.
الملاحظة الثانية، هو أن الحج كان يعدّ إنجازاً، لم يكن لقب الحاج يلتصق باسم صاحبه كما هو الحال في أيامنا هذه، بل كان يلتصق بأسماء أبنائه، فاسم مصطفى عبد حمزة كان يعرف في القرية باسم مصطفى الحاج عبد، وحتى اسم "أبو إسعاف" كان يُذكر أحياناً إبراهيم الحاج علي (على اسم والده الحاج علي)، وليس إبراهيم الشيخ خليل. وهذا الأمر كان ينطبق على الشيوخ مثل عائلة الشيخ محمد والشيخ خليل.
أما في البعد الوطني، فيحق لفلسطين أن تفخر أنه كان من عادة الحجاج أن يتموا حجهم بعادة اسمها التقديس، أي زيارة القدس، وكانوا يعتبرون الحج موقوفاً وناقصاً حتى يتم التقديس. وذلك اقتداء بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلى لثلاث المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى". فكان الحاج إذا أُتمّ الحج إلى مكة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة يمّم وجهه شطر المسجد الأقصى. وفي ذلك يقول الشاعر تحسراً على القدس في مناسبة عودة الحجاج:
اليوم أتممتم شعائر حجّكم * * * فمتى تتمّ مراسم التقديس
والآن، كيف كان انعكاس الحج في القرية؟
كان يتم توديع الحجاج قبل سفرهم بعد ليال، ويزورهم القارب والأصدقاء وأهل القرية. وكانوا يغنون لهم في الوداع:
يا حجاج النبي سيروا بالتهليل
لزيارة الكعبة وأبونا الخليل
يا حجاج النبي سيروا بالأعلام
لزيارة محمد عليه السلام
وكانت طريق الحجاج في البحر عبر قناة السويس إلى جدة، وكانت الرحلة في بعض الأماكن مخيفة، كما هي الحال في "بركة فرعون" في البحر الأحمر، وقد كان أهل البلد يغنون بعض الأغاني للحجاج تدل على سفرهم بالبحر وخوفهم واتكالهم على الله في سفره البحري هذا:
الحج نزل البحر بعباته (عباءته)
يا رب تردّه سالم لبناته
والحج نزل البحر بإيده كيلة (وعاء)
يا رب تردّه سالم لها العيلة
وعند عودة الحجاج كان يتم استقبالهم عند أول البلد، تحت العين، (بالعدة والأعلام) عند باب القرية، والعدة هي الطبول والصنوج، والأعلام هي الرايات الدينية الكبيرة، وكانت العدة والأعلام في القرية موجودة عند عائلتين فقط، هما عائلة أبو الهيجا، وعائلة اللزقة (االأسدي). وكان إذا توفي رجل صالح من الثرية كانوا يشيعونه مع العدة والأعلام.
ويزوره أهل القرية على مدى أيام ويوزع عليهم الهدايا كما هي الحال في هذه الأيام. وكانت الهدايا ذات دلائل دينية كالبخور والعطور والتمر وماء زمزم وسجادات الصلاة والمسابح. ولكن أشهر الهدايا النسائية كانت من غير ذات الدلائل الدينية، وما زالت النساء الحاجات تحضرها معها هي الحنة.
|
|
|
|