عرض مشاركة واحدة
قديم 20 / 11 / 2014, 10 : 09 PM   رقم المشاركة : [214]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]احتفاء صاحب الحفل وإحاطة ثلة من حاشيته بي جعلني أحس بالارتباك كعادتي في مثل هذه المواقف .. كنت أتمنى لو لم ترمقني العيون وأنزوي في ركن أشاهد مباهج الحفل وتلقائية البدويين في فرحتهم بعيدا عن أية رسميات .. فالكل مدعو والموائد موزعة هنا وهناك في عفوية . واللغط يتعالى مصاحبا لقهقهات نسوة يمرقن كالبرق أمام الرجال غاضات أطرافهن بينما حديثهن لا يخلو من تلميحات لهذا أوذاك .
هدير الطبول ونغمات الغيطة لم تثر في ذاك الانزعاج الذي أشعر به عند سماع أي ضجيج .. فأنا هنا أعيش بكل جوارحي حفلا بسيطا رغم ما صرف من أجله من أموال وما ذبح من أجله من ثيران . كنت أبتسم وأنا أرى رقصة "البواردية" وهم مجموعة من الرجال المسلحين ببنادق يحملونها تارة على أكتافهم وتارة عند خاصرتهم مشكلين دائرة واسعة ومتتبعين إنشاد رئيسهم قبل أن يطلقوا النار فيتشبع الجو بالغبار ودخان البارود .. فتتعالى الزغاريد والهتافات ، ثم يعود المسلحون من جديد إلى الدوران والإنشاد .
كانت عيناي تتابع المشهد تارة وتنظر تارة إلى جهة أخرى من الباحة المخصصة للنساء .. أين تكون الفتاة ؟ وهل ستظهر مع البدويات الأخريات في ذهابهن ورواحهن ، أم أنني سوف أعود خائبا ؟
ويبدو أن لهفتي وتطلعي المستمر إلى المكان المخصص للنساء المدعوات كان أشبه بدعاء صامت سرعان ما تمت الاستجابة له .. إذ رأيت العجوز تخرج من إحدى الحجرات وبجانبها الغادة وقد ارتدت أبهى ما لديها وتزينت إلى أقصى حد .. ولولا العجوز لما تعرفت عليها . إذ تخلت عن ملاءتها ولبست قفطانا أخضر مزركشا بالأسود أبان عن قوام ممشوق كأنما شكلته يد سحرية. وبدا شعرها الأشقر الذي لا أدري لم بدا لي كستنائيا في المنبع ، وكأنه امتداد لبشرتها الناصعة وقد عقصته إلى الوراء فبدت وديعة لا تشبع العين من التحديق إليها . الآن اكتملت صورتها في ذهني بعد أن طبعت على مخيلتي شفتاها وعيناها ونحن في المنبع .
جلس إلى جانبي أحد أبناء الشيخ محتفيا بدوره ومقترحا علي خدماته ربما بإيعاز من والده الآمر الناهي . لكني تنبهت إلى زيغان بصره نحو البدويات المارات من أمامي فعلمت أنه إنما اختار رفقتي ليجد مبررا للاقتراب منهن .. لم يعجبني تصرفه واتخاذه لي ذريعة لمآربه ، لكني تحليت بالهدوء وبدأت أفكر جديا في الانصراف رغم أني لم أتعش . وكنت أعلم أنني إن انصرفت بدون عشاء ، سأثير حفيظة الشيخ واجعله حسب اعتقاده سخرية أمام الناس لأن مدعوا انصرف دون أن يتناول طعام العشاء وهذا دليل على إهمال الضيف وعدم الاعتناء به ، وربما يكون كبش الضحية ابنه هذا الذي لم يفتأ يلتفت حيث تتعالى ضحكات الفتيات .
لم أعد أتمالك نفسي ، فنهضت وتوجهت إلى الشيخ الواقف بقامته الفارعة وهو ينظر إلى السرادق العريض حيث جلس القائد وخليفته وبعض الموظفين وكأنه يدرس بكل دقة أية خدمة يمكن أن تقدم لهم . حييته من جديد وأخبرته بعزمي على الانصراف بسبب التعب وعدم تعودي على السهر فبدت على وجهه علامات الدهشة والاستنكار ..
- والله العظيم لن تذهب .. هذا شرف لنا .. كيف تذهب ؟ .. استرح هناك في الحجرة .. أو إن شئت اذهب إلى مخدع نومي بعيدا عن الضجيج إن رغبت في ذلك .
استحييت من هذا الكرم الزائد وابتسمت له شاكرا ترحيبه وحفاوته ثم عدت إلى مكاني . كان ابن الشيخ قد اختفى .
في تلك اللحظة رأيت إحدى الصبايا تقترب مني بخجل ثم تتوقف مترددة . نظرت إليها فلمحتها تشير إلي أن أقترب . ثم همست لي بصوت شبه باك :
- حبابي فضيلة تسلم عليك وتطلب منك أن تنتظرها لترافقها إلى بيتها عند انصرافك .
فضيلة هو اسم العجوز . ومرافقتها في هذا الليل البارد المنعش يعني أنني سأكون برفقة الغادة الحسناء .. شكرا لك أيها الشيخ الزعيم على دعوتك لي وإصرارك على بقائي . وددت لو أبايعك ملكا على قبيلتك ويكون هذا الحفل حفل ولاء لك .
استمر الحفل إلى ما قبل منتصف الليل ودعيت إلى مائدة جلس فيها بعض شباب القرية وقد علا البشر محياهم وانطلقوا في دعاباتهم البريئة الخالية من كل كلمة نابية . ثم تفرق الكل وبدأ الاستعداد لحمل العروس على البغل إلى دار العريس ليتابع الحفل هناك . وانطلق الموكب البهيج وقد تغطى وجه العروس كله بملاءتها البيضاء وتناهى إلي نحيبها حين رافقت الموكب إلى ضاحية البلدة .
عدت وقد بدا لي المكان شبه خال ، إلا من خدم يرصون المقاعد ويجمعون الزرابي المبثوثة ويرتبون الأواني قبل غسلها . ووجدت فضيلة العجوز عند صخرة بجانب البيت الشاسع وبجانبها رفيقتها وقد أسدلت عليها ملاءة سوداء غطت كل جسدها .. ألقيت عليهما التحية فبادرتني المرأة معتذرة :
- سامحني على إزعاجك .. لم أرد تكليف أحد لمرافقتنا لعلمي بقرب مسكنك منا .
- بالعكس "للآ" بكل فرح .
انصرفنا وبدا لي الطريق الطويل اقصر مما توقعته ، بحيث كنت أشعر في كل لحظة أنني أعيش حلما سينتهي بسرعة .. كنت أتساءل مع نفسي أيمكن أن يكون الليل أجمل وأبهى من هذا ؟ .. كانت العجوز لا تتوقف عن الحديث عن الحفل وطرح الأسئلة . وكنت أجيبها وأنا شبه غائب عن الوعي أنني أحببت الحفل رغم عدم تعودي على تلبية الدعوات .. وأنني شعرت لأول مرة بالراحة والمتعة .. تحدثت طويلا عن استمتاعي وكأنني أحدث تلك التي تمشي بجانب فضيلة بصمت كنت أستشف منه صدى وتجاوبا مع حديثي .. هي أيضا يبدو أنها استمتعت هناك .. ترى ما اسمها ؟ وأين كانت تقيم قبل أن تقدم عند فضيلة ؟ وهل ستبقى أم ستختفي يوما ما ؟
وكأن هذا التساؤل الأخير قد رجني رجا وأيقظني من حلم جميل فعقدت العزم على استدراج العجوز لتخبرني عن كل شيء مع علمي بدهائها وعدم إمكانية خداعها . ترى هل سيحالفني الحظ مرة أخرى وألتقي بالفتاة عند المنبع ؟
الطريق يقترب من نهايته ولم يبق إلا مرتفع بجانب الشلال حيث تكثر الكهوف .. ورغم التعب واللهاث لم تتوقف فضيلة عن الحديث ورأيت أني لا بد أن أجذب الفتاة لحديث ما ولو مقتضب فقلت :
- أتمنى أن تكون ضيفتنا قد استمتعت ..
كانت تلك فرصة لفضيلة لتستريح من كثرة الكلام وإفساح المجال للأخرى كي تقول شيئا :
- شيء رائع لم أعشه من قبل في حياتي ..
بدالي كأن الليل بدأ يشدو ويترنم .. لكن شدوه وترنيمته في تلك اللحظة كان لهما وقع مختلف عما كنت أستشفه من قبل وأنا أنطلق في رحلة حلم كل ليلة . كنت أود لو لم تنته من الحديث كما فعلت قريبتها منذ مغادرتنا منزل الشيخ . لكن هاهو الفرن ومن ورائه بيتهما . آن أوان الفراق .
أوصلتهما حتى عتبة البيت ونلت من المديح والثناء ما أخجلني فقلت والفتاة تهم بالدخول وراء العجوز :
- تصبحان على خير ..
- وأنت من أهل الخير .. أعتذر إن كنا حرمناك من مواصلة الحفل هناك في بيت العروس ..
- لا أبدا .. أنا فعلا كنت سأغادر قبل انتهاء الحفل في بيت الشيخ .
- إذن ليلتك سعيدة وأتمنى لك نوما هنيئا ..
- ولك أيضا رغم أني لا أحبذ النوم فورا .
- هل ستسهر ؟
- أجل .. هي عادتي كل ليلة .. أحب الجلوس عند المنبع أو على أغصان الشجرة .
- في هذا الليل ؟
- أجل .. لم أنت مندهشة ؟
ترددت قليلا ثم قالت :
- لا شيء .. أنا أخاف أن أكون وحيدة وسط الغابة ليلا .. أفضل أن أجلس قرب المنبع في الصباح الباكر .. تصبح على خير ..
وقبل أن أقول شيئا كانت قد دلفت إلى الداخل بينما لبثت متسمرا في مكاني أتمتم :
- مع السلامة .[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس