رد: ندوة تفتح نافذة للحوار حول الشاعر سعيد عقل العبقري وسقطاته الفاشية
تذكرت الشاعر الفرنسي رِمبو، الذي أحدث ثورة في عالم الشعر في فرنسا وأوروبا، وما أن تجاوز العشرينيات حتّى هجر الشعر ليمارس كلّ أنواع التجارة الشرعية وغيرها كالمتاجرة بالسلاح وحتّى الرقّ، ولم يتعرّف عليه الكثيرون بعد وفاته متأثرًا بورم خبث أدّى لقطع ساقه سوى كتاجر مشبوه.
قلّة الآن يتذكرون رِمبو كتاجر أسلحة ورقيق لكنّهم يربطونه بالروائع الأدبية التي تفتّقت عنها عبقريته ونسي الجميع تقريبًا هذه المرحلة المظلمة من حياته المتقدّمة علمًا بأنّه توفي عن عمر يناهز 37 عامًا فقط.
هل يمكن المقارنة ما بين رِمبو الفنان والمبدع وسعيد عقل الشاعر الجميل والمعلّم الأصوليّ لنزار قبّاني ودرويش وغيرهم من كبار وأعلام الأدب العربي المعاصر؟ وهل يمكن إيجاد علاقة شبيهة نسبيًا ما بين ممارسات رِمبو اللاحقة وانقلاب عقل على المبادئ التي تغنّى بها والعروبة التي امتدحها، ليتحوّل مرّة واحدة إلى جلاد لا يرى غضاضة بإشراع السكّين والبندقية في وجه الفلسطيني في لبنان؟
لا شكّ بأنّ عامل الزمن سيلعب دورًا كبيرًا واضحًا في إعلان العفو عن حالة عقل الشخصية، وعلى الأرجح ستبقى أشعاره ومسيرته الأدبية نبراسًا مشتعلا في الطريق المظلم التي مضى فيه الشاعر على أرض الواقع، غير قادر على رؤية وطن غير لبنان، ولغة غير العربية المتداولة في لبنان. العبقرية قاتلة لا ترحم في كثير من الأحيان، وربّما كان على عقل أن يتوصّل إلى مرحلة رحيمة في شيخوخته وأن يجد الجرأة للاعتذار للفلسطينيين لدعوته لقتلهم وهو الذي غنّى مكّة ودمشق وأبكانا سحرًا وبهاءً حين جسّدت فيروز عالمه الجميل بصوتها الساحر الملتزم.
للأسف، لا مكان للفلسطينيين على ما يبدو في عالم سعيد عقل، الذي اعتبر كلّ ما يهدّد لبنان و"لغة" هذا البلد يهدّد كذلك حضوره وتواجده الفيزيائي. ربّما شعر بأنّ الفلسطينيين على وشك إحلال أنفسهم وإلغاء لبنانية لبنان، لكن ألم يحرّم اللبنانيون عشرات المهن على الفلسطينيين وكذلك منح الجنسية والكثير من الحريّات المدنية أيضًا؟ ألا يكفي كلّ هذا العقاب لنحتلّ مكانًا وحيّزًا صغيرًا في جماليات الدول الحاضنة لمأساتنا المتواصلنا؟
|