عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 04 / 2015, 27 : 05 PM   رقم المشاركة : [233]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]الرحيل .. هذا ما عزمت على القيام به فورا بعد استيقاظي من نوم عج بالكوابيس .. رأيت نفسي مغادرا للعش وأشيائي محيطة بي تبكي في صمت وأنا أتحاشى النظر إليها ربما خجلا مما نويت فعله أو إخفاء لدموعي التي كنت أغالبها بجهد جهيد .. كانت تتنازعني أحاسيس شتى .. حزن على فراق عشي .. حنق على غياب الفتاة المفاجئ .. حيرة في اختيار الوجهة الجديدة وإن كنت أعرف مسبقا أن بيت الشيخ العجوز على الشاطئ هو هدفي .
الآن وقد نويت على الرحيل أتساءل .. هل سأعود إلى العش من جديد ؟ .. ومتى سيكون ذلك ؟ ومن سيتعهده بالعناية ؟ .. وهل ستعود إليه الغادة أثناء غيابي ؟ .. كيف ستكون ردة فعلها ؟ .. حين وصل تفكيري إلى هذا الحد انتابني تردد وشعرت أنني يمكن أن أفلت فرصة اللقاء مرة أخرى .. لكن من يضمن لي أنها ستعود من جديد ؟
قررت أن أؤجل رحيلي إلى الغداة وبدأت للتو عملية تشذيب الأغصان وكنس الممرات المؤدية للنبع من الأوراق الذابلة ، ثم إعادة بعض الحجارة الصغير التي تساقطت أمام باب البيت الذي كاد يختفي تحت فروع كرمة يانعة .. تفقدت الكرمة بعناية حتى أضمن أنها لن تسقط وأحكمت بعض الأوتاد التي تسندها في أعلى الباب . وأخيرا جلست من جديد مسندا ظهري إلى جذع الشجرة وقد تصبب جسدي عرقا .. وإلى جانبي انتصبت شقيقة نعمان على تلة معشوشبة .. تأملتها قليلا فخيل لي أنها تتأملني بدورها .. مددت يدي برفق أتحسس ساقها ثم لا مست أوراقها الحمراء القانية فسرى في جسدي ما يشبه الخدر . اقتربت منه أكثر وأنا أنبطح على بطني فصارت أقرب إلى شفتي وأنفي .. أخذتني سنة وأنا أحدق فيها فسرح ذهني بعيدا يسترجع ذكريات طواها الزمان .. تبدت لي الزهرة بوجوه عدة .. الغادة .. حليمة .. دنيا .. فوجدتني أهمس :
"من أنت أيتها النبتة البهيجة ؟ وما الذي أتى بك إلى هنا وحيدة لا أعرف عنك شيئا ؟ .. هل ستبقين إلى جانبي أم ستختفين من جديد ؟ .. وإن اختفيت فإلى أين تذهبين ومتى ستعودين ؟ .. ألك موعد مع فصول السنة أم أن اختفاءك جزء من نزواتك ؟ .. أأهنئ نفسي على أنك هنا تؤنسين وحدتي بعد أن هجرتني دنياي ؟ أم أرثي نفسي لأن قدري هو أن أعيش وحيدا ؟ ..
حط عصفور على جذع يابس بالقرب مني فأعادني إلى وعيي وذكرني بأولى ذكرياتي في العش .. وانتبهت إلى أن شقيقة النعمان ارتعشت بدورها وكأنها استفاقت من سبات عميق .. ابتسمت لها دون أن أغير من وضعيتي حتى لا أخيف العصفور الذي كان ينط من حولي وينقر الأرض بين الفينة والأخرى ..
أشعرني العصفور والزهرة القانية بقليل من الهدوء والسكينة وكان هذا كافيا لكي أحس بالجوع يقرص معدتي .
انتظرت حتى طار العصفور إلى أعلى الشجرة ونهضت أعد الفطور وأحمله إلى المنبع حيث أنتشي بخرير المياه وعيني لا تفارق التلة الخضراء وقد توسطتها النبتة في وداعة أشعرتني نحوها بالحنو . خطرت لي فكر إطلاق اسم دنيا عليها كما كان الشأن حين أطلقت اسم حليمة على عنزتي ، فزاد ذلك من نشاطي وبدا اليوم أكثر إشراقا .. بل وشعرت أن فكرة الرحيل بدأت تتلاشى .
ملأت وعاء بالماء وقصدت التلة كي أسقي الزهرة ، فلم يغب عني طيف بسمتها .
"اشربي دنيا وانهلي من ماء زلال سيسري في عروقك لتزيدي نضارة وبهاء . اشربي وقري عينا وارتعي هنا معي . سأكون معك دوما وستكونين جزءا من أشيائي التي ترينها من حولك .. انظري إليها وقد زال الوجوم من محياها .. سنقضي أوقاتا ممتعة هنا في عشي وستشاركنا الفصول الأربعة فرحتنا وسمرنا . سوف لن أدعك تختفين من جديد وسأعمل ما في وسعي كي ترضي وتسعدي .. "
كنت أتحدث هامسا وأنا أنظر إلى أشيائي وكأنها تردد أقوالي وقد علا البشر محياها . عجبا ! كيف تغير الحال بهذه السرعة ؟ وهل هو إرهاص جديد بقرب حدوث شيء ما ؟ .. هذا ما تعود عليه حدسي الذي قلما يخطئ .. وبدون أن أشعر التفت إلى جهة بيت المرأة العجوز الغارق في صمت كان إلى عهد غير بعيد أقرب إلى الوحشة .
أنهيت سقيي للنبتة ووضعت الوعاء جانبا ثم توجهت إلى الفرن وقد فغر فاه الأسود كأنه يتثاءب .. الكل يستفيق من حولي ويتهيأ لشيء ما .. ثم جلست على عتبة الباب غير مبال بما غمرها من تراب .. تأملت العتبة وأنا أتخيل الخطوات التي لامستها .. أخذت أمرر بسبابتي عليها محدثا خطوطا ونقطا فإذا باسم دنيا يتجلى واضحا .. ضحكت في سري ونظرت إلى ما يحيط بي من أشجار وصخور فبدت لي وكأنها تكتم ضحكتها في خبث . بون شاسع بين هذه الضحكة المتخفية وبين بسمة أشيائي هناك على بعد أمتار قليلة مني حيث تراقبني في سكينة ودعة . في بسمتها حنو وفي نظرتها إلي لهفة للاطمئنان على أن السكينة التي تغمرني ليست آنية . هكذا هي أشيائي . تنام وتفيق على إيقاع نبض حواسي ومشاعري . حتى زهرتي التي انضمت حديثا إليها صارت أليفة وكأنها عايشت الوهلة الأولى لميلاد العش .
شقيقة النعمان .. لا أدري وجه الشبه بينها وبين دنيا .. هل تذكرني بحمرة شفتيها العذبتين أم بتورد وجنتيها إلى حد الاحتقان حين اهمس بكلمة عابرة عن الحب . على كل حال أحس أنه سيكون للزهرة شأن كبير وستكون مستودع أسراري رغم أن أشيائي الأخرى لا تقل أهميتها عندي ..
في لحظة شعرت بشوق غريب لاحتضان دنيا والهمس لها بأجمل الكلمات . وقبل أن أهم بمغادرة العتبة المغبرة لألتحق بعشي ، لفت نظري ظل ينتصب إلى جانبي متلفعا بملاءة سوداء.
كان ظلا لا ثاني له ..[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس