أخبرني خلي أنه:
بعد أن أنهى مهمته خارج المدينة ، عائدا إلى المركز على الخط السريع الرابط بين المدينتين، فوجئ بفتاة على قارعة الطريق تشير إليه بالتوقف، لم يكن يتوقع أن تتواجد قاصر في هذه الساعة المتأخرة من الليل في هذه الأرض الخلاء - سيح - يبعد عن المدينة مئآت الكلومترات، أوقف السيارة واقترب منها، لاحظ بقعا من الدماء الغزيرة على ردائها الأبيض الشفاف، كانت تبلغ من العمر حوالي 12 سنة، لم تكن تتألم أو تشكو من شيء، سألها عن سبب تواجدها في هذا المكان، لم تنبس بأدنى كلمة، فتح لها الباب وصعدت إلى المقاعد الخلفية، ثم أمن الباب أوتوماتيكيا كي لا يفتح عنوة، فواصل طريقه باتجاه المقر، سألها أثناء الطريق عدة أسئلة، لكنها لم ترد على أي سؤال،
ريم ....ريم ..... ريم
كان صوتا حادا وقويا، رفع عيناه إلى المرآة ليراها، فلم ير من خلالها أحدا بالخلف، حاول التوقف ..أحس كأنه فقد التحكم في السيطرة على المركبة ،فركنها جانب الطريق بصعوبة، لم يصدق أن الفتاة قد اختفت، أصابته الدهشة وكأنه كابوس أو خيال، لكن حين وصوله لم يخبر أحدا بموضوع لن يصدقه فيه عاقل، بل سوف يثير تساؤلات حوله، ويمكن أن يسبب له مشاكل وقلاقل...
رغم محاولته النسيان إلا أن صورة الصبية ظلت راسخة في مخيلته ، وليس من السهوله بما كان أن يتناسى رداءها الشفاف الأبيض المثخن بالدماء، ولايمكن أن يبرح من خاطره ذالك الصوت الحاد، كموجة كهربائية عارمة اخترقت نبض كيانه ، أجبرته أن يسأل نفسه مآت المرات :
من هي ريم ياترى؟
لذلك التزم مكتبه أمام الحاسوب، وشرع يبحث في بلاغات التغيب، وإذا به يعثر على ضالته مدرجة ضمن قائمة المطلوبين، وصورتها الحقيقية مثبتة على صدر بلاغ بتهمة الفرار من المنزل قبل شهر، إلا أن نتيجة البحث والتحري خلصت ردا على المشروحات ،أنه قد تعذر إحضار المذكورة بحيث لاتتوفر معلومات عن مكان تواجدها ..
لم يكن بالصعوبة بالنسبة إليه أن يبدأ مما أنتهى إليه زملاؤه، حيث أنه توصل أن الفتاة كانت تمتلك هاتفا خلويا، وبعد اطلاعه على كشف المكالمات الواردة تبين أن آخر اتصال كان من رقم يعود لأبيها الذي هو المبلغ باختفائها، حينها تيقن أن الموضوع يجب التحقيق في ملابساته من جديد، فاستدعى والدة المتغيبة.
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه، تحت إشراف النقيب .../
والرقيب مباحث.../
وبحضور الرائد... عن الشرطة النسائية
إسمك وسنك وهويتك؟
انخرطت في البكاء والنحيب ثم قالت :
بنيتي .. بنيتي
لكنها لم تقل أين هي؟ أو هل وجدتموها؟ طالما هذا هو السؤال الطبيعي بخصوص فتاة متغيبة لذلك تم سؤالها بطريقة مغايرة واستفزازية:
إننا نعلم كل شيء عن الفتاة من الأفضل أن تقولي الحقيقة قبل أن تتهمي بالإدلاء بمعلومات كاذبة وتضليل العدالة:
حسبي الله عليه ... حسبي الله عليه
.. أبوها هو السبب وأنا ماني عارفة شو أسوي ...ثم أجهشت ببكاء مرير يستحيل معه مواصلة التحقيق.
ولهذه الأسباب صدر الأمر بضبط وإحضار المعني بالأمر لسماع إفادته.
لما أحضر إلى المكتب ،يفاجئ بصورة له وقد تبثت عمدا على الحائط كان يحمل فيها ابنته ريم بين ذراعيه وهي سعيدة بدميتها العروس، وكان حينها في غاية السعادة والفرح... لم يتمالك الرجل نفسه حتى انهار باكيا متحسرا قائلا دون أن يسأله أحد:
ليتني مافعلت ... ياربي ياربي
فانهار على الأريكة نادما على ما أقدم عليه من فعل فظيع يندى له الجبين، حيث أفاد:
أنه تلقى رسالة من مجهول يخبره فيها أن صورة ابنته متداولة على شبكة التواصل الإجتماعي وهي في أوضاع مخلة.. وقد تضمنت الرسالة الرابط لتلك المواقع، لما اطلع عليها استشاط غضبا ،واقتاد ابنته قسرا في سيارته إلى تلك الأرض الخلاء ، حيث قام بتصفيتها رغم استنجادها بأمها، رغم صراخها المتكرر أنها بريئة، لم يصغ لنداء قلبه أو حرقة فؤاده بل صم أذنيه عن أي استجداء، ونفذ جريمته معتقدا أنه رد اعتبار لشرفه ، ثم قام بفتح بلاغ تغيب ليضلل به العدالة عما اقترفه ضد فلذة كبده.
وكانت المفاجأة بالنسبة له ،أنه قد تم التعرف على صاحب الرسالة المزعومة وإحضاره..
كان حدثا يبلغ من العمر 15 سنه ،إنه ابن جاره بالجنب، الذي أقر بأنه هو من قام بفبركة تلك الصور ونشرها نكاية بالفتاة، كونها رفضت الخضوع لرغباته ونزواته..
بعد جلب جثمان المجني عليها بدلالة المتهم،وإحالته للطب الشرعي وقد تم توقيف المذكوران حسب مقررات النيابة صدر حكم القضاء بحقهما يفيد:
بالسجن 20سنة نافذة بالنسبة للأب، وتبرأة الحدث مما نسب إليه من تهم، كونه أنكر ماجاء في أقواله بالضابطة القضائية ،وليس هناك دليل مادي ملموس تطمئن له هيئة القضاء لإدانته ..
ولهذه الأسباب تم الأمر بالإفراج عنه إن لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى..
بعد فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر تم الإبلاغ عن اختفاء الحدث لجهة غير معلومة
و مازال البحث والتحري جاريا بشأنه.
رن هاتفه الخلوي صادحا:
ليه يابوي تدلع وتبخل بقربك
ليه يا بوي تتمنع على ذي يحبك
كيف الاقي اليوم تضحك تضحك من بكاه
وانت لي كنت له دايم دايم سلاه
غادر مكتبه مرددا في الممر رنة الهاتف دون أن يرد على المتصل
كنت أعلم أنه لن يجيب عن السؤال المتكرر .......؟
ومازالت شهرزاد تنتظر منا الجواب