17 / 05 / 2015, 09 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [23]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: حوار نقدي حول قصيدة التفعيلة والشعر الحر
اتجهت القصيدة العربية منذ سنوات طويلة نحو التجديد والتوافق مع ما هو عصري من خلال الانتقال من قصيدة العمود إلى قصيدة التفعيلة..
وكان طبيعياً أن الانتقال لم يكن مقصوداً منه بنية الشكل فحسب، ولا خاصية تحريك الوحدة العضوية من البيت إلى القصيدة، أو الخلاص من أسر القافية التي كانت تأتي كلازمة نهاية كل بيت، ولا سوى ذلك فقد رأت قصيدة التفعيلة الانتقال مباشرة إلى حرية لا تحد، فكانت تسمية «الشعر الحر» هي المدخل الحقيقي لهذه القصيدة الجديدة التي أرادت بحق تجاوز القديم جملة وتفصيلا، لتكون قصيدة عصرية بكل معنى الكلمة وهو ما كان إلى حد كبير رغم أن الشعر العمودي استطاع من خلال شعراء كبار الانتقال إلى المعاصرة باقتدار لا ينكر، وكثير من الشعراء العرب وضعوا القصيدتين العمودية والتفعيلة معاً في مسارات شعرهم وكتاباتهم محققين التجديد هنا وهناك.. لكن إلى أين وصلت قصيدة التفعيلة فيما نراه الآن؟؟
الدوران حول الشكل، وتناسي الموضوع ووحدة الحالة في القصيدة والتكرار وهبوط كم الإبداع، والتقليد، وجعل التفعيلة عمودية بالمفهوم، كل هذه الأشياء صارت قيد قصيدة التفعيلة الراهنة في أغلبها.. فالشاعر ركن إلى المنجز وتناسى أن التجديد ديمومة لا يمكن أن نتجاوزها بأي حال.. فالشاعر المجدد مجدد دون توقف حتى بالنسبة لشعره، لأنه إن أنجز إلى تكرار طريقته بشكل دائم، جعل قصيدته عمودية وإن كانت تأخذ شكل التفعيلة ولست أقلل من قيمة الشعر العمودي طبعاً، فالسير في اتجاه واحد لا يحيد الشاعر عنه، يشبه الكتابة على بحر واحد من بحور الشعر دون أي خروج أو كسر أو ترك للرتابة، والرتابة مملة في أي شيء هي أسهل للشاعر لأنها لا تتطلب مجهوداً كبيراً ولا تتطلب بحثاً دائباً عن الجدة والتجدد، لكنها في البداية والنهاية مقتل للشعر والشاعر.. ومن يقرأ قصائد الشعر التي تكتب الآن في أكثرها، أقصد شعر التفعيلة، سيجد عجباً من الاتكاء إلى المنجز وكأن الشاعر يصب كلامه في قالب قد أعد من قبل، لتخرج القصيدة دون روح أو تميز أو نكهة شعرية مقبولة.. وباعتقادي هنا مقتل الشعر أو هزيمة قصيدة التفعيلة بعد كل ما أنجزته وهذا أمر يؤثر على مسيرة الشعر العربي ككل بل يتجاوز الأمر إلى إصابة الشعور والأحاسيس بالكثير من البلادة والتبلد، فالشعر دون نقاش محرك أساسي لقيم الجمال ومحفز للمشاعر والأحاسيس وخفقات القلب فهل من حق شاعر آثر الراحة والركون والخمول أن يطلق النار على المشاعر والأحاسيس؟؟ ألا يعتبر هذا جريمة بحق كل ما هو جمالي متميز؟؟..
أحد الشعراء، وذكر الأسماء مشكلة، يكتب منذ سنوات طويلة جداً وكانت قصيدته مثال الجمال والحركة والعلو والتميز والحلاوة والطلاوة.. ووصل الآن فيما ينشر من قصائد له في الكثير من المطبوعات، إلى تكرار قصيدة واحدة لا تتغير، يكتبها كل مرة بتغيير المفردات أو الوزن وما شابه، دون الإتيان بأي جديد وإن تجاوزا مما يجعل العيون لا ترى عيب هذا التكرار الممجوج!! لكن باعتقادي لا يمكن له أن يأتي بجديد كونه تجاوز مرحلة الإبداع الشعري منذ سنوات، ولأنه متشبث باسمه الذي وصل إليه، يصر على الحضور بعد أكثر من عشرين ديواناً تكفيه باعتقادي لأن يبقى شاعراً مهماً دون الحاجة لهذا التكرار الذي يصل به إلى ضرب منجزه كله..
إن قصيدة التفعيلة لن تخرج من عنق الزجاجة الذي وجدت نفسها فيه، دون إبداع شعرائها وإصرارهم على التجديد والبحث عنه دون هوادة، فالهواء المتجدد هو الذي يمنع ويقف سداً، في وجه انهيار القصيدة.. ونعلم، كما يعلم غيرنا أن الماء الراكد ينتقل إلى صفة الماء الآسن بعد حين.. فأنقذوا قصيدة التفعيلة من مصير لا نريده لها، لأنه يؤثر على حالة الشعر العربي بشكل عام..
|
|
|
|