أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
|
رد: إحك يا شهرزاد
الأجزاء من 10 إلى 17
احك يا شهرزاد
[frame="13 10"][align=justify]
أخبرني خلي أنه:
بعد أن أنهى مهمته خارج المدينة ،عائدا إلى المركز على الخط السريع الرابط بين المدينتين،فوجئ بفتاة على قارعة الطريق تشيرإليه بالتوقف، لم يكن يتوقع أن تتواجد قاصر في هذه الساعة المتأخرة من الليل في هذه الأرض الخلاء - سيح - يبعد عن المدينة مئات الكيلومترات،أوقف السيارة واقترب منها، لاحظ بقعا من الدماء الغزيرة على ردائها الأبيض الشفاف، كانت تبلغ من العمر حوالي 12 سنة، لم تكن تتألم أو تشكو من شيء،سألها عن سبب تواجدها في هذا المكان، لم تنبس بأدنى كلمة،فتح لها الباب وصعدت إلى المقاعد الخلفية،ثم أمن الباب أوتوماتيكيا كي لا يفتح عنوة،فواصل طريقه باتجاه المقر،سألها أثناء الطريق عدة أسئلة، لكنها لم ترد على أي سؤال، وأعاد السؤال مرة ثانية:
_ ما اسمك؟
قالت:
ريم ....ريم ..... ريم ..كان صوتا حادا وقويا، رفع عينيه إلى المرآة ليراها، فلم ير من خلالها أحدا بالخلف، حاول التوقف ..أحس كأنه فقد التحكم في السيطرة على المركبة ،فركنها جانب الطريق بصعوبة، لم يصدق أن الفتاة قد اختفت، أصابته الدهشة وكأنه كابوس أو خيال،لكن حين وصوله لم يخبر أحدا بموضوع لن يصدقه فيه عاقل،بل سوف يثير تساؤلات حوله،ويمكن أن يسبب له مشاكل وقلاقل...
رغم محاولته النسيان إلا أنّ صورة الصبية ظلت راسخة في مخيلته ، وليس من السهولة بما كان أن يتناسى رداءها الشفاف الأبيض المثخن بالدماء،ولا يمكن أن يبرح خاطره ذلك الصوت الحاد، كموجةكهربائية عارمة اخترقت نبض كيانه ، أجبرته أن يسأل نفسه مئات المرات :
من هي ريم يا ترى؟لذلك التزم مكتبه أمام الحاسوب، وشرع يبحث في بلاغات التغيب، وإذا به يعثر على ضالته مدرجة ضمن قائمة المطلوبين، وصورتها الحقيقية مثبتة على صدر بلاغ بتهمة الفرار من المنزل قبل شهر،إلا أنّ نتيجة البحث والتحري خلصت ردا على الشروح ،أنه قد تعذر إحضار المذكورة بحيث لا تتوفر معلومات عن مكان تواجدها ..
لم يكن من الصعوبة بالنسبة إليه أن يبدأ مما انتهى إليه زملاؤه، حيث أنه توصل إلى أنّ الفتاة كانت تمتلك هاتفا خلويا، وبعد اطلاعه على كشف المكالمات الواردة تبين أنّ آخر اتصال كان من رقم يعود لأبيها الذي هو المبلّغ باختفائها، حينها تيقن أنّ الموضوع يجب التحقيق في ملابساته من جديد، فاستدعى والدة المتغيبة.
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه،تحت إشراف النقيب .../
والرقيب مباحث.../
وبحضور الرائد... عن الشرطة النسائية
اسمك وسنك وهويتك؟
.....
أتعرفين هذه الصورة؟
انخرطت في البكاء والنحيب ثم قالت :
بنيتي .. بنيتي لكنها لم تقل أين هي؟أو هل وجدتموها؟طالما هذا هو السؤال الطبيعي بخصوص فتاة متغيبة لذلك تمت مساءلتها بطريقة مغايرة واستفزازية:
إننا نعلم كل شيء عن الفتاة من الأفضل أن تقولي الحقيقة قبل أن تتهمي بالإدلاء بمعلومات كاذبة وتضليل العدالة:
حسبي الله عليه ... حسبي الله عليه
من تقصدين ؟
.. أبوها هو السبب وأنا ماني عارفة شو أسوي ...ثم أجهشت ببكاء مرير يستحيل معه مواصلة التحقيق.
ولهذه الأسباب صدر الأمر بضبط وإحضار المعني بالأمر لسماع إفادته.
لما أحضر إلى المكتب ،يُفاجَأ بصورة له وقد ثبّتت عمدا على الحائط حيث كان يحمل فيها ابنته ريم بين ذراعيه وهي سعيدة بدميتها العروس،وكان حينها في غاية السعادة والفرح... لم يتمالك الرجل نفسه حتى انهار باكيا متحسرا قائلا دون أن يسأله أحد:
ليتني مافعلت ... ياربي ياربي
وانهار على الأريكة نادما على ما أقدم عليه من فعل فظيع يندى له الجبين، حيث أفاد:
أنه تلقى رسالة من مجهول يخبره فيها أن صورة ابنته متداولة على شبكة التواصل الاجتماعي وهي في أوضاع مخلة.. وقد تضمنت الرسالة الرابط لتلك المواقع، لما اطلع عليها استشاط غضبا ،واقتاد ابنته قسرا في سيارته إلى تلك الأرض الخلاء ، حيث قام بتصفيتها رغم استنجادها بأمها،رغم صراخها المتكرر أنها بريئة،لم يصغ لنداء قلبه أوحرقة فؤاده بل صم أذنيه عن أي استجداء،ونفذ جريمته معتقدا أنه ردُّ اعتبارٍ لشرفه ،ثم قام بفتح بلاغ تغيب ليضلل به العدالة عما اقترفه ضد فلذة كبده.
وكانت المفاجأة بالنسبة له ،أنه قد تم التعرف على صاحب الرسالة المزعومة وإحضاره..
كان حدثا يبلغ من العمر 15 سنه ،إنه ابن جاره بالجنب، الذي أقر بأنه هو من قام بفبركة تلك الصور ونشرها نكاية بالفتاة، كونها رفضت الخضوع لرغباته ونزواته..
بعد جلب جثمان المجني عليها بدلالة المتهم،وإحالته للطب الشرعي وقد تم توقيف المذكوريْن حسب مقررات النيابة صدر حكم القضاء بحقهما يفيد:
بالسجن 20سنة نافذة بالنسبة للأب، وتبرئة الحدث مما نسب إليه من تهم، كونه أنكر ما جاء في أقواله بالضبطية القضائية ،وليس هناك دليل مادي ملموس تطمئن له هيئة القضاء لإدانته ..
ولهذه الأسباب تم الأمر بالإفراج عنه إن لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى..
بعد فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر تم الإبلاغ عن اختفاء الحدث لجهة غير معلومة ومازال البحث والتحري جاريا بشأنه.
رن هاتفه الخلوي صادحا:
ليه يابوي تدلع وتبخل بقربك
ليه يا بوي تتمنع على ذي يحبك
كيف الاقي اليوم تضحك تضحك من بكاه
وانت لي كنت له دايم دايم سلاه
غادر مكتبه مرددا في الممر رنة الهاتف دون أن يرد على المتصل..
كنت أعلم أنه لن يجيب عن السؤال المتكرر.......؟
ومازالت شهرزاد تنتظر منا الجواب..
(11)
لذكرى حياة امرأة، تلك الصديقة الجميلة، صديقة بيتر وجون وإفيت، مذ كانت الغوريلا كرة الشحم، تضع العقد الماسي تحت المظلة من قطعة الخيط...
ذكرى صديق المهمّشين والفقراء، ذاك الذي رسم بقلمه المجنون وحرفه البديع الآسر وجع المعاناة ,,,
أخبرني خلي أنه ....
كان واقفا أمام باب العناية المركزة، حين دخلا لسماع إفادة المجني عليها حول ما تعرضت له من إيذاء جسدي بليغ، حسب البلاغ الوارد من أحوال المستشفى، والتقرير الطبي الذي يفيد أن المعنية في حالة حرجة، والمتوقع أن تعود إلى حالة فقدان الوعي من جديد..
وبسؤالها عن الواقعة:
رفضت المريضة الإدلاء بأية معلومات أو الإجابة عن أي سؤال، سوى كلمة واحدة كررتها عدة مرات:ابني ,,,, ابني ,,, ابني ثم غابت عن الوعي من جديد،ظل واقفا بجوارها، لم يبرح مكانه، إلى أن أعلن الطبيب حالة الوفاة بسبب نزيف داخلي، تعذر على إثره إنقاذها رغم كل المجهودات التي بذلها أطباء مختصين...
وأعاد السؤال مرة ثانية:
لأجل ذلك صدرت أوامر صارمة بضبط الجاني وإحضاره..
وبمناسبة جلبه إلى المركز،فتح المحضر في ساعته وتاريخه، تحت إشراف الرائد.../ والمحقق.../
اسمك وسنك وهويتك؟
.....
ما علاقتك بالمجني عليها..../
زوجتي ماذا وقع بينكما؟رفض الإجابة مكتفيا بالقول:
زوجتي و الشرع يأمرني بتأديبها..أين وقع ذلك؟في المنزل؟رغم عدم إفصاحه عن الأسباب،إلا أنه أقر موقعا على اعترافاته بالتهم المنسوبة إليه...
كان حاضرا أثناء التحقيق، يستمع إليه.. تستحضر ذاكرته حجم المعاناة التي عاشها في تلك اللحظة العصيبة... لن ينسى أبداحين خرج يطلب المساعدة من الجيران لنقل والدته إلى المستشفى ... لن يبرح قط ذاكرته استجداؤه له بأن يكف عن إيذائها ...لن ينسى البتة محاولته الإمساك بيديه الصغيرتين يد الجلاد الغليظة عله يكف عن رطم رأسها بالحائط,,,لم ولن ينسى الجرح البليغ الذي أحدثته هذه الواقعة في خاطره ...
كان حاضرا حين مثول الجاني أمام القضاء،شاهدا على الحكم الصادر بشأنه مدى الحياة .. رافقه أثناء ترحيله مخفورا مقيدا بالأصفاد والأغلال إلى زنزانته ... كان متواجدا في كل التفاصيل ,, كان يرافقه في كل مكان يتم نقله إليه،يجلس قبالته،يتأمل ملامح وجهه المتجعد الصلب،يتفحص شعوره البارد المتجمد كالصخر الأصم،ضمير غائب لم ينتبه أي إحساس بالأسى والندم....
حينها عاد إلى مكانه،في نزل لرعاية الأيتام، عندما كان الصبي منشغلا في رسم صورة لأمه والمنزل الكبير المفعم بالدفء والأمان،صورة للحب الأبدي الراسخ بشتى الألوان، يكتب على الجدار قصة سرب من العصافير العابرة في السماء الزرقاء،إلى ضفتي الحياة والأحلام والجمال...
إلى أمل العودة أيها الطيف الصغير المتنقل بين سطور الألم والأمل....
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب,,,,
(12)
أخبرني خلي أنه..
شبت مشاجرة عنيفة في أحد المراقص بين ثلاثة مواطنين وآخر أجنبي، فتم جلب الأطراف إلى المركز وزج بهم في التوقيف لحين صحوتهم من أثر السكر الشديد، ثم يسألون عن نبإ أفعالهم...
في اليوم التالي استيقظ الثلاثة باكرا، ورابعهم مازال باسطا رجليه بالوصيد، ومن شدة حنقهم وغضبهم عليه، أجمعوا أن يوقعوه في براثن الخديعة والمكر..
لذلك أيقظوه ليتناول معهم وجبة الفطور، معتذرين له عما بدر منهم بالرغم من الكدمات والرضوض البادية على وجوههم، تصالحوا وتوادوا وتنازلوا له طواعية عما لحق بهم من ضرر بسببه,,, فاطمأن الرجل لهم وبدا عليه الأسى والندم..
وهم في غمرة المحبة والسرور، أوهموه أنالشرطة تشدد العقاب على غير المسلمين، والحل للخروج من هذه الورطة، أن يدعي أثناء التحقيق أنه مسلم،وقد أعلن إسلامه في بلده ونطق بالشهادتين بين يدي الإمام والجماعة، في وقت سابق، واختير له اسم عبد الرب... ..
بعد السماع لإفادتهم، دوّن في المحضر أن الرجل مسلم حسب ادعائه، ووجه لهم الاتهام بتعاطي المشروبات الكحولية والمشاجرة، وأحيلوا إلى القضاء حيث تلقوا خبرا بالنطق بالحكم : " بثلاثة أشهر حبسا نافذة وثمانين جلدة حدا" ...
خلال ثلاثة أيام رحلوا إلى المنشأة العقابية ليلتحقوا بحشد عظيم من الناس جِيء بهم من كل فج عميق لنفس الغرض، حيث نصبت في الوسط خشبة جرداء يثبت عليها المؤمن العاصي ليقضي به الجلاد ما هو قاض، بالحد أو التعزير،فكان صاحبنا عبد الرب هو أول من نودي عليه، وبسبب ردة فعله، وامتناعه التسديح على بطنه، جيء به عنوة وأحكم وثاقه على اللوح .. وأول قطرة غيث تلقاها على ظهره، أشعل المكان صراخا وزعيقا :
_ أيام نوت عبد الرب,,,,_
_أيام ...كريستيان جو....ف اك يو,,,
_ نو نو نو نو ....أووووو,,, واو ..لم يكمل الرجل الثمانين جلدة حتى ساءت حالته جدا، ومن الصدف أنه في نفس اليوم جاء أحد زملائه لزيارته بعد أن علم بمكان توقيفه ، فحكى له ماجرى بالتفصيل، واستطاع هذا الأخير في غفلة من الحراس والمراقبة، التقاط صور بواسطة هاتفه النقال تظهر تلك الجروح البليغة والسجحات الخضراء والزرقاء التي تغطي ظهر الرجل وأردافه بالكامل..
وكانت المفاجأة أن عبد الرب لم يصرح أثناء التحقيق معه، بأنه يعمل جندي في القوات البحرية الأجنبية الراسية على رصيف الميناء، مما أثارته تلك الصور من زوبعة كبيرة، حيث تم الإفراج عنه فورا، وإقالة كل من ضبط ..وحقق.. ورفع ونسخ ...وحكم أو له علاقة بالبلاغ رقم...
وتزامن ذلك وبرقية مستعجلة من جهات عليا ، بمنع وحظر عقوبة الجلد نهائيا ,,, قبل أن يتحرك الأسطول الرابض في الميناء باتجاه المياه الدولية في عرض البحر...
مرت سنة على الموضوع، بينما كان الندامى الثلاثة جالسين يقرعون الدنان ... فتح أحدهم التلفاز وإذا بهم يفاجأوا بنشرة الأخبار تبث تسجيلا مصورا لعبد الرب في إحدى البؤر المتوترة وهو يجز رقبة أحد المرتدين، ويتوعد الكافرين بلسان إنجليزي فصيح، مهددا منددا مختتما وعده ووعيده بقوله :......وإنا لغالبون,,,
"... ومن يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا...."
وضع خلي سماعتي الهاتف في أذنيه قبل أن أسأله، مشيرا بيديه كعادته :
بعدين ’ بعدين’ لحين مستعجل يا خلي متجها صوب سيارته مدندنا في الممر,,
يقرا عليا المطوع.....
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..
(13)
أخبرني خلي أنه...
أحضرت إحدى الدوريات إلى المركز، شخصيْن كانا يتنازعان على حقيبة جلدية متوسطة الحجم بجانب الخط السريع ،المحاذي لبعض المناطق الزراعية.
وكل منهما يدعي أنها له..
وبما أن الموضوع لا يحتاج لفتح محضر رسمي، كونه مجرد سوء تفاهم بين طرفين ،وضعت الحقيبة على المكتب لحل الإشكال لمن لديه دليل يثبت به ما يدعي,,,,
لكن ما كان يثير الانتباه،أن الحقيبة من النوع الفاخر، مثبتة على ظهرها باللصق، حزمة صغيرة من الدولارات الجديدة، من فئة المائة دولار تبدو متسلسلة الأرقام ،ومقفلة بقفل ذهبي صغير.. والمفارقة أن لا الحقيبة ولا المبلغ المثبت،يتناسب وإمكانات هذيْن المزارعين,,
فالأول كان يدعي أن الحقيبة تعود لصديقه الذي غادر البلاد في إجازة، وأوصاه الاحتفاظ بها وأخذ المفتاح معه، بينما الآخر يقول أنها تحوي بعض الملابس والعطور وأشياء أخرى لا يتذكرها، إلا أنه أضاع المفتاح، وأضاف أنه تركها بجانب الحاجز الحديدي، واندس خلف الشجرة المحاذية ليقضي حاجته، وفوجئ بغريمه يستولي عليها..
كان المحقق يعلم تماما أن الرجليْن قد أفرطا في الكذب، ومازالا يصران عليه، وبما أن القانون يمنع إجراء أي تفتيش إلا بحضور المالك الحقيقي كان لابد من استشارة وكيل النيابة المناوب للقيام بهذا الأمر..
لما فتحت الحقيبة .. لم يكن فيها شيء ذو أهمية، سوى أنها كانت مملوءة بنجارة الخشب الناعمة قد أحيطت برأس آدمي جز من الوريد إلى الوريد، مقتلع العينين مخروم الأذنين مبتور اللسان.. يضع إطار نظارات شمسية دون زجاج...
وضعه على الطاولة ليرى لمن تعود الحقيبة..
سقط الأول مغشيا عليه، والثاني بدا مشدوها مذهولا من هول ما رأى، يلطم وجهه قائلا:
- والله والله أنا حمار..
- مو هذا ربيعك المسافر
- والله والله ما عرفوش ذانا ..أنا عبيط والله بينما الآخر حين صحا من صدمته قال:
أرباب أنا نفر كزاب أنا يريد فلوس بسأنا ما في معلوم هاذي شنطة
أوقف المذكوران واتخذت الإجراءات اللازمة حول الموضوع .. بعد فترة وجيزة أتى الرد يفيد: أن الرأس تعرض للجز من أعلى الرقبة بواسطة آلة حادة، وقد تعذر التعرف على هوية المجني عليه ...وتم التحفظ عليه في ثلاجة الطب الشرعي،القسم الخاص بالجثث المجهولة لغاية انتهاء التحقيق..
وبعد إحالة الأوراق إلى النيابة أتت مقرراتها كالتالي:
1- تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة.
2- الأمر بالإفراج عن المذكوريْن بكفالة، كونهما عابرا سبيل عثرا على الحقيبة موضوع البلاغ أثناء عبورهما الطريق.
3- ضبط وإحضار الجناة...
وجد الفريق المكلف بالموضوع نفسه في موقف لا يحسد عليه، وليس هناك أي شيء في الحقيبة يقود إلى فك طلاسم اللغز، سوى قطعة ورققد وجدت في حلق الضحية، كتب عليها بلغة لاتينية قديمة،عبارة تفيد التهديد :" الرأس التالي سوف يكون أنت يا ابن,,,," مما أثار عدة تساؤلات:
من كتب الرسالة؟ وموجهة ضد من ؟ ومن يكون الرأس القادم؟ ولماذا ؟ وأين؟ومتى؟
بمعنى أن هناك جريمة أخرى سوف ترتكب بنفس الطريقة,,, لكن المعظلة التي أثارت جدلا كبيرا داخل القسم، أن الجاني كان يدرك حتما بأن الشرطة سوف تعثر على الحقيبة ، مما يدل على أن الرسالة موجهة إليهم بشكل مباشر، مما استدعى نوعا آخر من التحقيق، لتتفجر عدة مفاجآت لم تكن لتخطر على البال....
على البال..هكذا رن هاتفه النقال صادحا.
واتجه صوب سيارته مدندنا في الممر بين المكاتب في حين تلقيت رسالة منه تفيد :
بعدين بحاكيك دلحين مستعجل يا خلي..
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب...
(14)
أخبرني خلي أنه...
تردد أول الأمر... أمسك رأسه بكلتا يديه ... نظر إلى الأفق عله يرى أحدا يستمع إليه ... تأمل الفضاء الواسع .. رغم الصفاء والزرقة في الآفاق , كل شيء يبدو قاتما، يدور كالرحى ينهار في عقله ومخيلته ... وقف على الحافة في أعلى البرج , مقدما على إنهاء مسار زمن طالما كان فيه سعيدا، انتهى بالكآبة وخيبة الأمل...
تروى لحظات يودع فيها النور ليلحق بالظلام، عل الليل يسعفه قليلا ليخلد للنوم طويلا.. ربما يضع حدا لشخص غريب يلاحق مشاعره وأحاسيسه، يسكن فكره وكيانه يتوق إلى الانفصام عنه، كم يمقته ويكرهه.. لم يكن هو في يوم من الأيام...
اندفع إلى الأمام من ذاك الارتفاع الشاهق ، ليرتطم بقوة على سرير الضغط الهوائي التابع للوقاية المدنية الذي كان له بالمرصاد...
ليجد نفسه مقيدا على السرير في المستشفى بعدما استفاق من غفوته..
قبل أن يسأله أحد عن سبب ما أقدم عليه، انتابته هستيريا شديدة، تدخل على إثرها الطاقم الطبي، وغادر الجميع، قبل أن يعرفوا منه سبب إقدامه على الشروع في الانتحار,,
وبعد إحالة الأوراق التحقيقية إلى النيابة جاءت مقرراتها كالآتي:
-تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة
-يوقف المذكور 15 يوما ويجدد في حينه
-إحضار المتهم إلى حرم النيابة إن سمح الخبير الطبي بذلك
وبناء على هذه التعليمات، وبالتدقيق في أنظمة المعلومات الجنائية، تبين أن المذكور ليس من ذوي السوابق، كما يشير سجله المدني بأنه رب أسرة تتألف منزوجة وطفلين، ميسور الحال، ليست لديه أية مشاكل مع جيرانه أو أسرته أو في عمله، حسب المعلومات المتوفرة من محيط سكنه حيث يقطن ويعيش..
خلال بضعة أيام على الواقعة، لوحظ أنه لم يأت أحد لزيارته سواء في المستشفى أو المركز للسؤال عنه ومكان تواجده من طرف أسرته أو عائلته, مما أثار عدة شكوك،وبما أنه في حالة غير مستقرة لا تسمح بالاستماع إليه، لأجل ذلك صدر الأمر بالدخول إلى منزله لمعرفة ما يجري,,
كانت آثار الدماء في كل مكان، فوضى عارمة في كل ركن وحجرة..
وقد تم العثور على مقبرة جماعية في الحديقة تضم الزوجة والطفلين والحماة والخادمة،لتتزامن المعاينة مع بلاغ وارد من المستشفى يفيد أن المتهم وجد منتحرا في غرفته .
رن هاتفه النقال وغادر مكتبه قائلا:
بعدين بعدين باحكيك ذالحين مستعجل ياخلي...
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..
(15)
أخبرني خلي أنه..
خرج من إحدى الحانات وهو في حالة مفرطة تحت تأثير الكحول ..
امتطى سيارته الهامر وانطلق بها مسرعا إلى حال سبيله، وبعد تجاوزه الطرق الفرعية، داس بكل قوة على البنزين، خصوصا أن في هذا الوقت المتأخر من الليل يكون الطريق السيار شبه فارغ من حركة السير ,, مد يده للمقصورة الخلفية ليسحب الكأس، وإذا بالمقود ينحرف قليلا لترتطم المركبة بالحاجز الحديدي،فانعرجت عن مسارها في الاتجاه المعاكس، واصطدمت بسيارة أخرى كانت تسير مسرعة في أقصى اليسار باتجاه مركز المدينة ,,
كان حادثا مروعا.. تضررت على إثره السيارة المقابلة بشكل كبير، ولم يخرج من داخل حطامها أحد، في حين مركبته أصابها طعج بسيط في الجانب الأيمن من الجهة الأمامية .. حرك العادم إلى الخلف، والتف عبر منفذ عوارض الحاجز المحطم، محولا مسار مركبته اتجاه المخرج الفرعي, فارا من مكان الحادث عبر طريق آخر..
حين وصوله إلى مسكنه، ركن سيارته بالمرأب ، اتجه إلى الداخل وهو يحتسي ما تبقى من ثمالة القنينة، إلى أن ارتمى على السرير.
... في صباح اليوم التالي دخلت الشرطة لتوقظه بموجب أمر ضبط وإحضار، بتهمة الفرار من مكان الحادث..
حينها تيقن بعدما استفاق، أن الموضوع سوف يستغرق وقتا طويلا،راجيا أن يسمحوا له بوداع زوجته، وأن لا يضعوا القيد في يديه أمام ابنه الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، إلا أنهم أجابوه أنه لا أحد في المنزل غيره، وتلك القنينة الصفراء التي بجانب وسادة نومه..
لما أحضر إلى المكتب للاستماع إليه، كان الجميع ينظرون إليه، لا يعرفون كيف يبدأون، أو ماذا سيقولون.. فبادر ضابط التحقيق قائلا له :
_ السيارة التي اصطدمت بها البارحة، كانت تنقل زوجتك وابنك إلى المستشفى، رفقةجيرانك وقد لقي الجميع حتفه..
رحمهم الله جميعا..
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه /,,,,,,
كان وقع الخبر كالزلزال في كيانه، إلا أنه بدا جامدا لم يتفوه بأدنى كلمة..
وبعد أن أحيل خلال ساعات قليلة إلى النيابة العامة، كان طاقم من المحامين بانتظاره، معظمهم يعمل لدى شركاته الضخمة والمتعددة عبر العالم، في حقائبهم مبالغ نقدية هائلة قصد الإفراج عنه بكفالة لحين موعد المحاكمة،لكنه طلب من الجميع المغادرة وعدم التدخل في الموضوع نهائيا، ليتقرر أخيرا الأمر بترحيله إلى المنشأة العقابية على ذمة القضية.
خلال تلك الشهور القليلة التي مكث فيها بالسجن المركزي، كل النزلاء الذين صادفهم هناك، والمحتجزين بسبب مستحقات مالية، قضى ما عليهم للدائنين، ليفرج عنهم في حينه، أما الذين أوقفوا بسبب جنح متنوعة، حركت قضاياهم بأمر منه من طرف محاميه، وأتى أمر القضاء لغالبيتهم الاكتفاء بمدة العقوبة وإخلاء سبيلهم،أما الذين كانوا في انتظار حكم الإعدام والمؤبد، تم دفع مبالغ مالية ضخمة كديات مرضية لدى طالبي الحق، وأسقطت عنهم العقوبة ليفرج عنهم دون قيد أو شرط، ولم يبق معه في المنشأة سوى عدد قليل من المعتقلين لا يستطيع فعل شيء إزاءهم، بسب قضاياهم الأمنية المعقدة، لكن وساطته لهم لدى المعنيين وضمانته الجادة بإدماجهم في سوق العمل لدى شركاته، كان كافيا ليأتي الرد إيجابا، شرط توقيعهم إنذارا أخيرا بموجبه نالوا حريتهم وغادروا .. حتى حراس المنشأة لم يبخل عليهم في حل مشاكلهم المالية، لتتبدل سلوكاتهم بين عشية وضحاها بقدرة قادر من زبانية العذاب إلى ملائكة الرحمة..
حين جاء الأمر بإخلاء سبيله، لم يتردد أن يهب كل ما تبقى من ثروته الضخمة لوالدي زوجته وأبناء جاره، ثم غادر عن طريق المطار الدولي صوب المسجد الحرام ليعتكف قرب مقام سيد المرسلين...
خلال أيام معدودة، وردت برقية إلى المركز، مُرفَقة بكتاب، يفيد وفاة المذكور حيث أنه وجد في الحرم الشريف قد فارق الحياة وهو في حالة سجود لإبلاغ ذويه أو من يهمّه الأمر...
_ولك أن تتخيل يا خلي الجموع الغفيرة التي استقبلت جثمانه في المطار..
رن هاتفه النقال مرتلا:
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم وغادر مكتبه ,, تاركا هاتفه يتلو ما تيسر من الذكر الحكيم لكني تلقيت رسالة منه كتب فيها:
الحمد لله الذي لم يجعل مفتاح الجنة بيد أبي حنيفة..
بعدين باحاكيك يا خلي,,,
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..
(16)
أخربرني خلي أنه ....
اشتكى سكان أحد الأحياء من رجل يستغل ملحق سكن أحد المساجد في أعمال الدجل والشعوذة، متضايقين من كثرة المرتادين إلى المكان الذي اتخذ وكرا لمعالجة المجانين والمعتوهين والباحثين عن السعادة ,,,,
إلاأنه ولجلب المذكور إلى المركز، كان لابد من التنسيق مع النيابة العامة للتأكد من صحة الادعاء، والتصريح بإجراء اللازم حول الموضوع.. فتم تكليف كل من الزوجين الملازم السيدة/... والرقيب أول السيد.../اللذيْن يعملان في نفس القسم، وقد انتدبا لتنفيذ المهمة رغم ما يثيرانه من مناكفات ونزاعات بينهما غالبا ما تكون الغلبة فيها للزوجة بحكم رتبتها العسكرية، كما أنهما شابان نشيطان يحظيان بحب واحترام كبيريْن،لطبعهما الاجتماعي الذي يضفي على القسم روابط الأسرة الواحدة، والإخاء بين الجميع ...
وبعد أن تم التنسيق مع الوسيط، وحدد لهما موعدا قصد العلاج، كانت التعليمات تنص على أن تتم المداهمة والتفتيش حين استلام الرجل للمبلغ النقدي المتفق عليه....
لكن لسوء الطالع،أن هذا الأخير امتنع عن استلام أي مبلغ إلا بعد إخضاع السيدة للعلاج من الصرع ونوبة الهذيان التي تعتريها،لذلك نادى الرجل زوجته ومساعدته وأدخلا المريضة الغرفة الخاصة بالعلاج، وشرعوا في تلاوة التعازيم واشتعل المكان أدخنة وبخورا، لكن ما لم يكن في الحسبان أن يشدوا وثاق السيدة وتشبعانها المرأتان ضربا مبرحا، بدعوى طرد الجن والأبالسة من جسدها النحيف ...
وبالرغم من استجدائها به، إلا أنه أبى التدخل ملتزما بالتعليمات حتى لا تتعرض العملية برمتها للفشل...
وبعد أن أنهوا العلاج، استلم الرجل المبلغ النقدي ودسه في جيبه، مِؤكدا للزوج شفاء زوجته من الهوس والهذيان، حينها اقتحمت الشرطة المكان واقتيد المتهمون إلى المركز، وحرزت المضبوطات وكل ماتم العثور عليه مخالفا للقانون،وأرسل بعضها إلى المختبر، وكانت عبارة عن أعشاب وعظام وجلود ومخالب لزواحف وحيوانات مختلفة ...
وبمناسبة جلب المتهم إلى المكتب فتح المحضر في ساعته وتاريخه/
وقد اعترف بما نسب إليه من تهم، حيث قررت النيابة :
توقيف المذكورين 15 يوما على ذمة التحقيق ويجدد في حينه .
ضبط وإحضار الوسيط المدعو/ ...
كان الرقيب حينها في غاية السعادة، بعد أن تكللت مهمته بالنجاح، محدثا زملاءه عن تلك المغامرة، ويوصيهم بالمتهمتيْن خيرا..ويقول ساخرا :
الجماعة ما قصروا الله يجازيهم خيرْ..لكن فرحته تلك لم تكتمل حيث يُفاجَأ بأمر توقيف صادر بحقه من طرف مدير القسم مدة ثلاثة أيام، بدعوى كسر أمر عسكري اقتيد بموجبه إلى محبسه، رغم اعتراضه واحتجاجه على القرار واصفا إياه بالظالم، لكن بالرغم من ذلك فإن زوجته لم تبخل عليه في أن ترسل له طيلة تلك الفترة وجباته الدسمة المفضلة لديه، وملابسه الأنيقة التي يِؤدي بها فرائض الصلاة...
مضى أسبوع على الموضوع حتى كاد أن يدرج في خزانة النسيان، لكن تقرير المختبر الجنائي أيقظه من جديد، حيث خلصت فحوصاته بخصوص المضبوطات المحرزة بأنها تتضمن عظاما هي لأطراف بشرية تعود لرضيع لم يتجاوز ستة أشهر... كما خلصت التحليلات إلى أنّ بعض الأعشاب كانت سببا في وفاة أحد الأشخاص حسب مقارنتها بالتحاليل المخبرية الطبية الواردة من المستشفى المركزي بهذا الخصوص...
لكن وقبل الشروع في إعادة النظر في الموضوع حسب المعطيات الجديدة، ترد برقية من جهة عليا تفيد وقف التحقيق إلى إشعار آخر....
فجأة رن هاتفه النقال صادحا...
بالساحة تلاقينا بالساحة
عليها جوز عيون شو دباحة
وقامة يخزي العين والخدينتفاحة بتغار من تفاحة
تركته يدبك في الممر على الإيقاع، احتفاء بترقيته التي انتظرها طويلا، وقد انضم إليه زملاؤه محتفلين معه..
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..
(17)
أخبرني خلي أنه:
حضرإلى المركز في ساعة متأخرة من الليل، لا ليشتكي على أحد أو الإبلاغ عن ضرر لحق به، بل كل ما كان يرغب فيه هو المغادرة إلى وطنه..
بعد التدقيق في وثائقه تبين أن ليس عليه قيد يحول دون رغبته، وما عليه سوى التوجه إلى المطار ويسافر حيثما شاء ومتى أراد..
إلا أن الرجل أصر أن يظل في المركز لحين إتمام إجراءات سفره، متمسكا بالمكتب رافضا الخروج منه،لذلك تم الاتصال برب عمله وإخباره بالأمر،وحضر هذا الأخير على الفور، وبحوزته تذكرة المغادرة وكل الحقوق والمستحقات حسب العقد المبرم بينهما، إضافة إلى مكافأة منه إليه وأن لا مانع لديه ليظل فيعمله إن عذل عن رأيه، أو العودة بعد فترة إجازة قصيرة، لكن الأخير أصر على الرحيل نهائيا دون أن يبدي أي تراجع عن قراره، وبإلحاح منهم عن سبب اتخاذه هذا الموقف،تردد في الكلام أول الأمر، ثم نظر إلى النافذة بإمعان متوجسا من شيء، وقال بصوت خافت مرتجف أقرب إلى الهمس:
- خايف خايف أنا خايف......ياجماعة الخير.
والتزم الصمت، ممسكا رأسه بكلتا يديه والدمع ينهمر من عينيه بغزارة..
وبناء على رغبته، وقع على إقرار منه كونه استلم كل مستحقاته، وحٌرر محضر شكلي بأقواله، وحيث أنه لم يتبق على موعد مغادرته سوى ساعات قليلة،تم اصطحابه إلى المطار..وما إن أقلعت الطائرة في الأجواء، حتى استند على الأريكة بارتياح، كأنه تخلص من عبء ثقيل أرهقه كثيرا منذ سنين، محدثا نفسه قائلا :
آه... كم أنا مشتاق إلى وطني,,, حلق أيها الصقر الجامح ..اِرحل بعيدا بعيدا عاليا فوق السحاب ..امتطِ صهوة الرياح.. اخفق بجناحيك عاليا فوق هذي القباب، نحو المدى وفوق السراب .. بعيدا عن الهياكل والجماجم وأطياف الضباب،من ترفض السبات في قعر البحار أو تحت التراب....
فتح الستار ليلقي نظرة الوداع من النافذة، عله ينسى برهة ما كان يؤرقه وكاد يصيبه بالجنون, بدا له البحرك السماء، والأهازيج العتيقة مازال يرتد صداها عبر نسيم الأثير ... فكم هيج الشوق ذكراه للأهل والأحبة والوطن ..
تذكر الليل البهيم والمطر الغزير ،.حين تمرد البرق على سطوة السماء،موقدا لهيب الرهبة في المكان الموحش... إعصار هز أركان الأكواخ المعششة بالحزن منذ أمد بعيد، أيقظه من غفوته،أذكى شعور الوحدة والغربة والرهبة في فؤاده..
كانت عاصفة هوجاء دمرت مسكنه الخشبي وتركته في العراء ,,لا وجود لأي مكان يأوي إليه، أو مرتفع يعصمه من الماء، لولا أن اهتدى إلى مدخل كوخ بين الصخور،لجأ إليه بصعوبة زحفا بين الأحراش، مستعينا بضوء يومض من منارة بعيدة وسط البحر...
كان الكهف شاسعا .. دافئا وهادئا، كأنه يحظى بعناية من المجهول، استند على الجدار ونام قليلا، وحين استيقظ تقدم إلى الداخل وجد صندوقا خشبيا محكم الإغلاق، أماط عنه الغبار وهمّ بفتحه، لكنه توهّم أصواتا قوية تعالت من عمق الكهف ...
كان الصندوق مليئا بالصور لأناس من كافة الأعمار، أمعن النظر في بعض الملامح والوجوه، وخالجه الشك أنه صادف بعضا منهم في مكان أو زمان ما... وبعد أن هدأت العاصفة وشعّ ضوء الصباح ، غادر الكوخ إلى مسكنه الخشبي المدمر،وجلس بين ركامه يفكر في أهله وذويه وأقرب الناس إليه، لذلك انتابه اكتئاب شديد دفعه لاتخاذ قرار الرحيل إلى بلده ..
وما هي إلا لحظات حتى حطت الطائرة وغادر الجميع نحو بوابة الخروج ...لم يسأله أحد عن جواز سفره كباقي المسافرين، لم يعبأ الحراس بمروره أمام أعينهم .. .. وقف أمام مرآة كبيرة منتصبة على واجهة محل تجاري ليرى نفسه، فلم تكن تعكس سوى من هم يمرون بجانبه....
في حين كانت كل الصور التي في الصندوق قد غادرت تباعا نحو أوطانها لصلة الرحم، دونما تذكرة أو وثائق سفر.
رن هاتفه النقال وتوقف عن الكلام واضعا السماعة في أذنه وغادر وهو يردد:
ياخوي ماحلا الخشب لو لزة السيف...
وتلقيت رسالة منه :
بعدين باحاكيك ياخلي...
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب [/align] [/frame]
|