عرض مشاركة واحدة
قديم 31 / 01 / 2016, 38 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
عمار رماش
ليسانس في اللغة العربية وآدابها - أستاذ مكون في التعليم الابتدائي، يكتب الشعر - القصة - الرواية
 





عمار رماش is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

المعتـــــــزل

المعتـــــــزل
رفع يديه المرتعشتين إلى السماء داعيا، وقد باحت السن الباقية في وسط الفك العلوي وحيدة مثله تماما بما مر على هذا الفم وصاحبه من الانهيارات. إحدى عينيه تركت أختها وحيدة ، فقد انطفأ نورها ، كاد يبقى من كل عضوين واحد فقط ، ومن كل عضو نصف!
تمتمات وتنهيدات وقطرات من الدموع جفت قبل أن تأخذ طريقها على الخد المليء بالتجاعيد ، وكأنه استهلك مخزون الدموع كله ... يعدل جلسته على الصخرة التي اتخذها مقعدا :"إييييه..." ينكس رأسه ويرسم خربشات على الأرض بعصاه غير المشذبة التي لم يدخل عليها أي تعديل ، بل هي على الحالة الأولى التي نزعها فيها من غصن الشجرة ، فلم يتغير سوى اللون والقشرة التي سقطت أجزاء منها ....
أحيانا يعود إلى الخلف في الزمن ثمانين سنة ويستعرض شريط حياته الطويل ، ولأن لكل شخص لحظات من حياته مضت قد تتحول إلى حلم مستحيل فإنه يتوقف كثيرا عند العشرينيات من عمره عندما تزوج بامرأة لم يعرفها إلا ليلة عرسهما ، وكيف كان مسلما بالواقع بل فرحا . " رحمها الله ، لقد كانت نعم الزوجة ." هذه العبارة تخرج عنوة كلما تذكر زوجته.
في تلك المرحلة من عمره كان مستعدا لأن يراهن على أن يحطم صخرة كبيرة في وقت قصير ، أو يقطع شجرة كبيرة في دقائق معدودة لمجرد المنافسة ، يتكلم فينتشر صوته الجهوري في الأرجاء ، ويضحك فتصل قهقهاته إلى نهاية الشارع الذي يتواجد في بدايته المقهى الذي يلتقي فيه بأصدقائه. تواصلت حياته موشحة بشرائط السعادة الملونة ، مفروشة بالورد ، وازدادت بهاء ونورا عندما رزق بابنه الذي ملأ عليه حياته و ملكها فسخر كل مايملك من أجله ، كانت الحياة تسير في اتجاه تصاعدي في كل شيء : العمر ، السعادة ، المسؤوليات ، الأحلام...
وجاءت الصاعقة لتدمر حياته وتقلبها رأسا على عقب ، بعدما وقع الأمر الرهيب ، زوجته المسكينة لم يتحمل قلبها الصدمة فترحل تاركته يحمل الحزن كاملا ، فلا أحد يقاسمه إياه ، وانتهى به الأمر غريبا في دياره .
لطالما أوصى ابنه بعدم القدوم عندما يأخذ إجازة خلال آدائه واجب الخدمة الوطنية ، وفعلا كانوا هم الذين ينتقلون للقائه في مكان بعيد عن مناطق الخوف ، ولكن كل هذه الاحتياطات لم تجد نفعا ، وجاء اليوم الذي اصطادته فيه رصاصة غاشمة وضعت حدا لعمره من الزيادة ، فتوقف في محطة الزهور ليتوقف قلب الأم بعدها ، ولتتوقف رغبة الرجل في العيش ، فيترك كل مايملك ، ويقضي أوقاته متنقلا من مكان إلى آخر ، واكتفى ببيت صغير يأوي إليه ، أما المعاش الذي يتحصل عليه فنصفه يذهب صدقات للفقراء والمساكين ، ونصفه ينفق منه على حاجياته التي أصبحت قليلة جدا.


عمــــار رمـــــاش

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عمار رماش غير متصل   رد مع اقتباس