عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 02 / 2016, 20 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
عمار رماش
ليسانس في اللغة العربية وآدابها - أستاذ مكون في التعليم الابتدائي، يكتب الشعر - القصة - الرواية
 





عمار رماش is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

عـــــودة بعد التيــــــه

عـــــودة بعد التيــــــه
خلف شجرة بلوط كان يخبئ جسده ، ومن حين لآخر يسحب رأسه إلى اليسار قليلا ، ليترك لعينه اليسرى رؤية صاحب الخطوات التي تقترب شيئا فشيئا ، أحس بخفقات قلبه تزداد سرعة ، لم يحدث له هذا من قبل ، تساءل:"هل أصابني الضعف فجأة؟" وللحظة تمنى عدم المواجهة ، دعا الله أن يمر بسلام ، فهو غير مستعد للقتل بل حتى الجرح ، ووجوده هنا كان نتيجة أخطاء متراكمة ، تمنى أن تكون الخطوات لحيوان وليست لإنسان ، قطرات العرق بدأ ينضح بها جسده فيحس ثقلها على جبينه ، وتحدث خطوطا تبدأ من رقبته وتنحدر إلى الأسفل قاطعة مسافة الظهر كاملة ، أحس بملابسه تضيق عليه ، بذلة عسكرية كاملة ، لحية طويلة وكثة ، أعفاها منذ سنوات بعد أن التزم متأثرا بنصائح صديق له . في البداية كان بتعهدها بالتشذيب ، ثم تركها على طبيعتها فغطت مساحة كبيرة من وجهه.
اقترب صوت الخطوات أكثر ، فتحسس سلاحه ثم أطل ببطء لكنه لم ير شيئا ، سرى الاضطراب في كامل أعضائه ، حتى ظن أنه فقد السيطرة عليها ، فأخذ السلاح جاعلا إياه في وضع المتأهب لإطلاق النار ، واطمأن حينما استجابت له يداه ولم ترتعشا ، " يجب أن أحافظ على رباطة جأشي ، فالمسألة مسألة حياة أو موت ..." .
لا يتذكر كيف اقتنع بــ (الجهـــاد) ، رغم أنه ضد إخوة له ، أرجع الأمر لظروفه المعيشية أيضا ، وللظلم الذي لقيه من بعض الأقارب ، فكان الأمر أشبه بالانتقام من المجتمع والناس...
فجأة يرى شخصا يتقدم ، وقد بدا عليه الاضطراب هو أيضا ، رغم أن من ينظر في عينيه لا يرى للخوف نقطة ، ودون شعور وبصوت مرتفع صاح:" لا..غير ممكن ! " فانتبه الشاب القادم نحوه مصوبا سلاحه صوب مكان قدوم الصوت ، بحث في جيبه فوجد منديلا ، حمله ورفعه على فوهة البندقية مخاطبا إياه:" اهدأ،...اهدأ..لن يحدث شيء." وعندما سمع الشاب الكلام ورأى ملامح مخاطبه صاح هو أيضا:" غير ممكن ، أما زلت حيا؟".
صديقان منذ الطفولة ، كانا يلعبان كثيرا لعبة اللص والشرطي ، أو لعبة الاختباء ، يلعبان الآن الدور نفسه تقريبا ، فسالم رقيب في الجيش أما سليم فقد التحق بصفوف الجماعات المسلحة في ظروف فقد فيها السيطرة على نفسه ، ففسح المجال لسيطرة الآخرين على أفكاره ، وهاهما بعد سنوات يلتقيان في هذا المكان بعيدا عن الولاية التي ينتميان إليها ، وبطريقة غريبة...لم يتناقشا في الأمر ، ولكنهما ابتعدا عن المكان وقضيا ساعات يتحدثان حول ذكريات الماضي السعيد ، وأحلامهما التي لم يكن يحدها شيء . طال الحديث ودمعت العيون على الوضع الذي أصبحا عليه وراح سالم في الأخير يعرض على صديقه مرافقته والعودة إلى حياته العادية ، وألا يضيع الوقت أكثر لأن الفرصة متاحة للعودة الآن ، وطالما مازال في العمر بقية . عبر سليم عن صعوبة ذلك لكنه لم يعارض مما شجع سالم على سرد حكايات أشخاص مثله عادوا إلى الحياة العادية وهم يعيشون الآن في سلام...
لكن سليم بعد مدة أعلن رفضه الفكرة وصمم على ذلك مبديا مخاوفه مما سيلقاه ، وصمم سالم على أخذه معه مهما كان الثمن ، فهذا صديقه ولن يضيعه بعد أن وجده...وبعد نقاش حاد ، وتردد كبير ، انصاع سليم للأمر الواقع ، ورافق صديقه ليسلم نفسه ، لعله يستطيع أن يعود إلى حياته العادية وسط أهله ومجتمعه.


عمــــار رمـــــاش


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عمار رماش غير متصل   رد مع اقتباس