[align=justify]تعازي الحارة للأديبة هدى الخطيب بوفاة قريبها المهندس خالد الرافعي، رحمه الله وجعل الجنة مثواه.. وإنا لله وإنا اليه راجعون.
بمناسبة الحديث عن موسوعة " الحنين إلى بيروت " يهمني التنويه بالدور المهم الذي قام به صاحب دار النشر اﻷستاذ طوني ضو الذي شاء أن يصدر هذه الموسوعة عن دار perfection للنشر والتوزيع التي يمتلكها في بيروت. وقد بذل جهوداً ملحوظة ﻹصدار هذا العمل القيم عن بيروت . وهو اﻷول من نوعه في تراث العاصمة اللبنانية بيروت.
أتحدث في الموسوعة عن بيروت في ذاكرة التاريخ الفينيقي وسبب تسمية بيروت وملوكها وصناعة الخزف واﻷرجوان..ومجمل الحضارة الفينيقية في بيروت..ثم الغزوات التي تعرضت لها عبر التاريخ وصوﻻً إلى العصر الروماني وتأسيس مدرسة الحقوق التي كانت أهم مدرسة حقوقية في التاريخ القديم..وقد أفردت لهذه المدرسة فصل كامل ﻷتحدث عن موقعها وطلابها وأساتذتها باﻷسماء..وكذلك برامج المدرسة وكتبها ورواتب المدرسين وأشهرهم:بانيانوس وديموستين وغيرهما. أما الفتح العربي اﻹسلامي لبيروت ، فقد كان له الصفحات الطوال ﻷنه هو الذي أسس لبيروت وللبنان عامة الهوية الراهنة، وفتح باب التعايش بين المسلمين والمسيحيين. وفي سياق ذلك،كانت هناك عدة حروب ومعارك داخل بيروت وخارجها في العصور الأموية والعباسية والأيوبية وغيرها. ثم الحملات الصليبية واحتلال بيروت. للعهد العثماني كانت جولة واسعة للوضع السياسي واﻹقتصادي واﻷمني والحضاري. وعند الحديث عن بيروت العثمانية ، كانت الجولة ممتعة بين ينابيع بيروت وحدائقها ونواعيرها وحماماتها قيصرياتها ومدافنها ومساجدها وكنائسها وجامعاتها ومدارسها.ثم كانت لنا جولة عن سورها وأبوابه وأبراجه السبعة وأسواقه الداخلية.. احتوت الموسوعة أيضا وقفات مهمة وطريفة عن حكايات بيروت وصنوبرها وقبضاياتها..والعادات التي كانت سائدة فيها بين المسلمين والمسحيين. كما تحدثت عن أسماء مناطقها وأصول عائلاتها ومنهم بعض العائلات التي تعود للجذور المغاربية وأو الشامية واﻷندلسية والحجازية والمشرقية والعثمانية. وفي الموسوعة شخصيات برزت في العلم والفقه والدين واللاهوت والثقافة واﻷدب والصحافة وغيرها واستطعت أن أجعلها مترعة بكل ما يخطر على البال من معارف يحتاجها الباحث والدارس والمهتم ..
كانت بيروت في الزمن الممعن في القدم ، قرية صغيرة سكنها الفينيقيون وهم جزء من القبائل الكنعانية التي صعدت إلى المنطقة من شبه الجزيرة العربية باتجاه البحر اﻷحمر ثم البحر المتوسط.كانت بيوت بيروت صغيرة ، متقاربة ..ينام الناس فيها على اﻷرض أو على سرر مصنوعة من الخشب أو الفخار أو الحجر الكلسي..ويقتاتون السمك ومنتوجات ما يزرعون وخاصة القمح الذي أكلوه مشويا وطحيناً ، وطبخوه "مجدرة" وهو طعاما كان يحبه يعقوب عليه السلام.. ويهمني أن أبين بعض اﻷسماء الفينيقية ومقارنتها بالعربية للتأكيد على اﻷصل الكنعاني الفينيقي:
قرت= قرية.
قدمو=قديم .
داب= دابة.
يشمع إيل= إسماعيل.
حمور =حمار.
شمش= شمس.
لسن = لسان.
" ومن اللافت أن بيروت كانت في زمن ما ، جزءاً من إمارة بيبلوس" جبيل"وأن ملك بيبلوس تزوج من امرأة اسمها "بروث- broth" وتعني الصنوبرة .وبنى لها قرية سماها باسمها ووهبها ﻹله البحر "بو سيدون-posedon" .وفي كتب التاريخ العديد من الروايات حول اسم بيروت , وإذا أردنا اﻹشارة إلى غزاة بيروت ، فهم: اﻷشوريون..ولهم نصب تذكاري في نهر الكلب شمالي بيروت. والكلدانيون الذين منحوا بيروت الحكم الذتي مقابل الجزية. وفي العهد الفارسي ، أنشأ داريوس في بيروت مركزاً للخيالة الذين ينقلون البريد ﻷطراف المنطقة .
ومن طرابلس التي اتخذتها الممالك الفينيقية مركزاً ﻻتحادهم"بوليتوريون"انطلقت الثورة ضد الفرس وأعلن المجتمعون الخروج عن الطاعة الفارسية..وقد امتدت الثورة إلى بيروت وسائر الممالك الفينيقية عام351 قبل الميلاد. وبعد هزيمة الفرس في معركة "إيسوس" بقيادة داريوس الثالث ،فتح اﻹسكندر بيروت. وبعد الحكم اليوناني ، دخل الرومان إلى بيروت ، وأسسوا فيها مدرسة الحقوق، لتصبح بيروت من أشهر المدن الرومانية واكثرها تألقا . وقد فاقت مدرسة الحقوق في بيروت جميع المدارس الرومانية في اﻹسكندرية وقيساريا بفلسطين ودمشق وأثينا. وقد اشتهر أساتذة مدرسة الحقوق في بيروت من خلال الكتب والقوانين التي وضعوها. ومن اللافت أن بيروت استقطبت الطلاب من الخارج وحتى من روما نفسها.. ومما قاله الخطيب المفوه "ليبانيوس"عن ذلك : هل يسوؤك أن ترى في كل ربيع أبناء الشيوخ يتوجهون إلى بيروت من روما.. ومن بديع ما كانت المدرسة تشترطه على المدرسين : أن يكون اﻷستاذ قد اجتهد في حقل التشريع والقضاء مدة عشرين سنة.وأن يكون حسن السمعة واﻷخلاق.ضليعاً في العلوم القانونية والدقة في الشرح والسرد والفصاحة والخطابة..وأن يكون في الخمسين من عمره .
تعرضت بيروت لعدة زﻻزل مدمرة منها ماحدث في 9و 16 تموز- يوليو عام 562للميلاد اذ اهتز الساحل اهتزازاً شديداً ، تبعه جذر في البحر ، و دمار شامل وحريق هائل حتى ذابت اﻷشجار وتكلست وتحطمت السفن.. ولم يبق لمدرسة الحقوق من أثر. وعام 554حدث زلزال آخر أتى على مابني من منازل جديدة .أما الزلزال الثالث، فكان عام560للميﻻد.
بدأ الفتح اﻹسلامي لبيروت حوالي العام 13للهجرة634 للميلاد حسب ابن اﻷثير. وقد اهتم المسلمون بحماية الثغور من البيزنطيين وقد رابطوا فيها ومنهم بعض الصحابة وأبرزهم :أبو الدرداء وسلمان الفارسي وبشير بن سعد وأبو ذر الغفاري وعبد الملك بن جادر والدرداء ابن ابي الدرداء وعبادة بن الصامت والعميصاء بنت ملحان المعروفة باسم أم حرام .
إننا إذا تحدثنا عن بيروت في العهد العثماني ، ﻻبد أن نشير إلى التراث العمراني الذي مازالت بعض مبانيه ماثلة الى اﻵن ومنها السراي الحكومي والمبنى البلدي والعديد من المنازل..ومنها المنزل الذي أقام فيه الجنرال شارل ديغول بشارع متفرع من مار الياس.
وعندما نتجول في مناطق بيروت قد نتساءل عن تسمية بعض اﻷحياء .. وهنا ﻻبد من عرض بعض اﻷمثلة ومنها : البسطة :كانت المنطقة برمتها عبارة عن بساتين يملكها آل البشناتي والشدياق والشعار . وذات يوم وضع محمد عبد الغني رضوان الحسامي طاولة لبيع الخضار "بسطة" وكان له ابن أكول يسمى" الغويل" . وقد تعارف باعة الخضار الذين يأتون من الشياح والحدث وبرج البراجنة لبيع منتجاتهم على اطلاق اسم بسطة الغويل.. وعندما أنشأ شخص من آل فرشوخ بسطة خضار في الجهة المقابلة .سميت بسطة الغويل "البسطة الفوقا" وبسطة فرشوخ "البسطة التحتا". أما الطريق الجديدة فهو اسم الطريق الذي تم شقه في رمل بيروت بين غابة الصنوبر "الحرش "وبين منطقة شوران. وكانت المنطقة تسمى "مزرعة العرب"و "تلة زريق" .وقد تم شق هذا الطريق في سبعينات القرن العشرين.
[/align]