رد: رجال الفِرقة الحادية عشر
(2)
انفرد(باسل) بنفسه إثر إحساسه بشيء من التعب، لم يشأ أن يُخبر الكادر الطبي
المُرافق للفرقة البطلة، ياله من يوم ضاري، عصفت بالفرقة رياحٌ وأزماتٌ بالغة
الخطورة، الجو هُنا مُتقلبٌ ما بين صحو، وخائن، تلته بعضٌ من الصواعق الرعدية، وأخرى همجية، لم تكن المواجهة باليسيرة، المهم بعد كُل هذا البلاء
أنعم الله علينا بنعمته، وتمكنا من السيطرة على نصف المدينة بالكامل، يالحلاوة النصر سوف أُخبرها بما جرى، وسوف تُخبرني بما فعلته خلال غيابي، سوف
أُحدثها عن الحرية التي قاتلنا لأجلها، وكيف واجهنا رصاصهم بتحدٍ، وشهامة
كان في عينيها يرتسم نصف الوطن، واليوم اكتملت اللوحة فارتسمت صورة الوطن، لدى تحريرنا منتصف المدينة الأثرية، استقبلتنا القلاع بشموخٍ، يا إلهي
كم كُنا مُندفعين بحذر، آه لو تعلمين كم مدتنا هذه الآثار شجاعةً وثبات، ارتسمت
صورة مليكتها أمامنا، كانت تُملي علينا الأوامر، كما القائد الأبيُّ، المُدرك بخفايا الأمور العسكرية والسياسية، كُنا كلما تقدمنا، كان صوتها يسبقنا ليسقط عِند أقدامكم المُحال!!
ليسقط عِند أقدامكم المُحال، هاهي الأرض تُحدث أخبارنا، غداً ستتناقل الأجيال
حكاياتنا التي صارت امتداد حكاية تلك الملكة الأبية، أعرف يا حبيبتي بأنك سوف
تغارين من حديثي عنها، وكثيراً ما سولت نفسك بالحضور إلى أرض المعركة
لتتأكدي من صدق كلامي. أذكر كم كانت الغيرة تفتك في عينيك، عندما تقترب الصبايا مني، إعجاباً ببزتي العسكرية، إنهن لا ينظرن إلى حبيبك، إنما المُلفت
كان ملابس الجيش الأنيقة التي تُزيدنا شرفاً وعِزة وكبرياءً
*********
تقدم النقيب لؤي بشيء من حُزن، بينما ألقى بنفسه فوق كومةٍ من أكياس رملٍ
رُصفت فوق بعضها كساتر، كانت السُحب في السماء تخفف من حرَّ شمس الظهيرة، تبدو كالمسافر بتأني يسير بحقائبه، ريثما يصل محطته التي سيستقل
قطاره منها، ترى في أي محطة ستأخذك إلى عيالك يا لؤي!؟ بدأ يُحدث نفسه
مسترجعاً نقاشه وابنته رهف ذات الثمانية عشر ربيعاً، تعشق فن التأليف والبحث عن أحداثٍ توثقها في قصة، كثيرةٌ هي القصص التي ستكتبها عن المعارك التي
شارك فيها النقيب لؤي، هل ستخبر صديقاتها بأن من تكتب عنه هو والدها!
وزملاؤه، أم أنها ستدعي بأنها من نسج خياله؟ سوف يشرط عليها إن لم تعده
بالكتابة بكل مصداقية، لن يُخبرها بشيء، وسيعكف هو على كتابة مُذكراته بنفسه
سيكتب عن حكاية الشهيد (ربيع) ورفاقه، كيف اختاروا الموت طواعيةً، لأجل أن تحيا الأجيال القادمة بكل عزٍ وفخار، وسيخبرهم عن حيان وصلابته، ذلك الريفي
العنيد، الذي حرر معبرين لدى دخولهم أنحاء المدينة!!
تقدم النقيب ابراهيم مِن النقيب لؤي مابك يا نقيب لؤي هل أتعبك المسير، نهض لؤي، تاركاُ حكاياته فوق أكياس الرمل
ـ اعتبرها استراحة محارب ياحضرة النقيب
ـ لقد بذل مُقاتلينا المجهود الكبير، ومازالوا، يستحقون التكريم
ـ قل نستحق التكريم جميعنا
ـنقيب لؤي، استعد
*********
تقدم الرائد فائز، والمُلازم حسن، باتجاه النقيبين لؤي وابراهيم، جلس الجميع
متكئين على أكياس الرمل، كانت المدينة تستعد لاستقبال المساء بِحُلةٍ جديدة
نصفها تحرر من قبضة الإرهاب، لتتنفس الصعداء بشيء من السلام، أيام ويعود السلام موطنها، ويعود سُكانها لينعموا بالراحة والأمان.
بشيء من الشرود الذهني راح يسرد الرائد فائز مُجريات المعارك اليومية
كان في صوته حذر، وكأن شيئاً ما ساوره، التفت يساره، فإذا ببصيص ضوء
خافت، من بعيد يتلاشى ثُم يعود، مازال هُناك مُتسع من المساء، والسماء لم تُظلم بعد!! حبس الأربعة أنفاسهم، وعيونهم باتجاه واحد إلى حيث مصدر الضوء.
ـ أصدر عميد الفرقة الحادية عشرأوامره للمشاة بأن يستريحوا، بينما بقي الغطاء الجوي بحالة استنفار، للمحافظة على الأماكن التي تم تحريرها، انتبه الجميع لمصدر الضوء الذي بدأ يقترب الهوينا! كان مقصده الساتر الرملي الذي توسده الضباط الأربعة، فإذا بسيارة تزداد سرعتها، خلسةً عن الغطاء الجوي، لتخترق الساتر الرملي مُتفجرة بسرعةٍ رهيبة، إنهم وحوش السلام، دُعاة الإنهزامية، الجبناء بعد أن استنفذوا ذخيرتهم لم يعد أمامهم سوى السيارات المسبقة التفخيخ، صاح الرائد فائز بعصبية، يالكم من ماكرين، لقد نال الإنفجار من أناقته العسكرية ولباقته في الحديث، بينما أخذ رفاقه يضحكون، غير مصدقين نجاتهم من انفجار كاد أن يودي بهم!
مرت أٌيامٌ على الفرقة والاتصالات شبه معدومة، أغلب أهالي المقاتلين فقدوا الأمل بعودة أبنائهم إليهم. كانت أم ربيع قلقة كثيراً، حدثها قلبها عن اضطرابات ربما شملت ابنها الذي لم تره منذ شهوراَ، قلب أُم ربيع لا يعرف أن يكذب عليها
إلا ربيع، إلا ربيع، راحت تُحدث قلبها، ويدها تتحسس دقاته المُضطربة، كان لِنبضها لحن حزين، وفي عينيها تلمع دمعةٌ تسألها الرجاء بأن تستكين، كم تمنت لو أن قلبها يكف عن الخفقان، حتى لا يصلها نبأ عن ربيع يُخبرها بأنه ربما لن يعود!!
*******
|