رد: (( أنا والليل ))
وحلمي الغريب وأمي
أخبرك بأن الحوار الذي دار بيني وبين نفسي كان أغرب من ذلك الذي
دار بيني وبين أمي عند الولادة !
- " غريب امرك .. تقول " عند الولادة ، حوار ؟!
أنظر ، انا هنا لا اعترض ؛ قل ما تود قوله ولن اتردد في كتابة ما تمليه عليّ جنابك .
ولكن أذكرك بأن لدينا " طفل مغارة " واحد !! "
- قلت لك يا عزيزي انه حلم ؛ وقلت لك منذ البداية اكتبني كما اريد .
ألم نتفق على ذلك ؟ نحن ما زلنا في أول الطريق وإلا صمت وأبقيت قصصي معي،
وسأحرمك من لذة الكتابة والشهرة على حسابي وأنك – أنا أعرف - سوف
ترجوني لتمارس هوايتك .. شيء غريب ..! قلت لك انه حلم !
أيصل الأمر يوما ويتدخل إنسان في تحديد حلم إنسان آخر ويوجهه كما هو يريد ؟!"
- " اعتذر منك وسامحني يا عزيزي ، كنت فقط استفسر ولا أتهكم ، تفضل .
- كانت تصرخ وهي تلدني فخفت كثيرا ، لم أكن أعرف بالضبط معنى الكلام الذي كان
يقال لها قبل ولادتي بأشهر قليلة ؛ ولكن جل ما كنت أسمع هو تمنيات جميع من قابلنها بأن
يكون المولود " صبي" ..! سمعت كلاما كثيرا ، من جملة ما كنت أسمع : " إن شاء الله
يكون خلاصك بالسلامة و" يجيك " صبي" .. امممممم وجهك استدار هذه علامة الصبي .
أردافك تكوزت قدر انتفاخ بطنك يعني صبي ، صبي أكيد . عيونك كذا ، لونك كذا .
وغيرها من اشارات تشير إلى أنها ستلد "صبي " ! وحتى شكواها من آلام الظهر في
عُرفهم هو إشارة واضحة على ان حضرت جنابي هو " صبي " وكلما كنت أسمع كلمة
صبي كنت أرفس بطن أمي احتجاجا على سكوتها لأني كنت ارى أن هذا الاسم يتكرر
كثيرا واستغرب لماذا جميع من يحدثنها عني يطلقون عليّ اسم " صبي " !
كنت أتمنى أن يكون اسمي من الأسماء التي لا يكررها الناس كثيرا ! كنت أتمنى أن يكون اسمي مختلف
عن أسماء معظم أبناء الحي ، كرهت هذا الاسم من كثرة ترداده في جمل كثيرة مختلفة ، كلمات
تتكرر معظم الوقت : تعال يا صبي . اذهب يا صبي. اخرس يا صبي . حسابك عسير يا صبي .
كول هوا يا صبي أو شيء أوزن من ذلك ! فلماذا إذن لم تحتج أمي كلما قالوا لها " صبي ، صبي "
بل المصيبة أني كنت أشعر بسعادتها عندما يذكرون لها اسمي المفترض وكنت أرفسها بشدة !
لكن صوت واحد كنت أسمعه يقول لأمي : " المهم يمي انك تقومي بالسلامة ومش مهم صبي أو بنت "
ولم أكن أعرف لماذا إن قال لها شخص " من المحتمل أن يكون وضعك " بنت "
فيتم رفض الفكرة مباشرة حتى من قِبل أمي " وانشاء الله ،لا . إن شاء الله صبي " !
كل ذلك قد مضى ، وكان هينا إلا الصراخ ؛ صراخ أمي ساعة ولادتي .. فبقدر ما كنت أتوق إلى الحرية
صرت خائفا مترددا بالخروج .. فهي تصرخ وتشد، وحينها صرت أبكي ولا أريد الخروج ! ولكن شيئا
كان أكبر من قوتي يدفعني فنزلت؛ ويا للمفارقة، تبدل بكائي الصامت إلى صراخ فاجر، وفي عرض
متواصل. لكن أمي عكست القصة ، كانت تصرخ بصوت عال وبعد ولادتي صارت تبكي بصمت ،
شدتني إلى صدرها برفق، قبلني بعتب ودموعها بللت وجهي . في تلك اللحظة اكتشفت أن لي أسماء عدة :
يا أزعر ، يا أسمر يا حلو وغير ذلك .. الأغرب أن والدي - وقد عرفته من صوته -
اطلق علي الاسم الذي أحمله الآن، وكنت مسرورا لأنه كما بدا لم يوافق على التسمية
التي أطلقها معظم الناس عليّ : " صبي " !
- لا يا عزيزي إن الحلم لم ينتهي بعد ولكن دعني استجمع عواطفي فكلما ذكرت أمي
ينفرط عقد الماء إلى فمي وأعطش اليها .
|