رد: فارسة من حيفا
ضحكت حين قرأت، أنك تريدين مني، _وبكل ثقة_ أن أقرأ لك طالع الفرح! أنا لن أبخل عليك يا عزيزتي بمثل هذا الطلب؛ فقد كنتِ، وما تزالين، مصدر الفرح، والبهجة في حياتي، وحياة غيري. لكني يا عزيزتي، حالياً، أصبح من الصعب عليَّ بعض الشيء، أن أقرأ طالع الفرح؛ لأن طالعه غدا صعباً على الجميع، وقراءته قد تحتاج إلى دورات مكثفة، في استخراج لألىء الفرح، من بطن الحوت.
اليوم، جاءتني فتاة بعمر الورد، تطلب مني ببراءة الأطفال، أن أدعو الله كي يساعدها في حملها الثقيل! وتزامن طلبها هذا مع جملة ليست في زمانها ولا مكانها، نُشرت قبل أن أقرأ رسالتها، قرأت هي المنشور، وعادت إليَّ تعتذر مني، قالت: كيف أطلب منك أنتِ، الغارقة في كل هذا الهم، أن تساعديني في إماطة الهم عن باب بيتي؟!
شعرت بالخجل، صدقاً أقول، شعرت بالخجل! كيف نبتئس، ونكترب، ونشكو الهموم، ونحن أجدر بنا أن نزرع الفرح في حقوله، أن نصنع من البسمة وجوهاً، أن نهدي أحبتنا أكاليل الرضى؟
منذ متى كنا نعتكف في معابد الصمت؟ ونترك خلفناً أجيالاً، تبحث في كل هذا الضياع، وهذا الدمار، عن كسرة أمل؟!
شعرت بنفسي كالجندي الفار من أرض المعركة، شعرت بالجبن، وخيبة الأمل، وبحجم المسافة التي قطعتها بعيداً، عن قلوبٍ تحتاج، أن أمرَّ بأناملي المرتجفة، على نبضات قلبها المضطربة؛ فأحاول قدر المستطاع، أن أهدىء من روعها، أن أطبطب على وجعها، أن أقول لها: أن الغُول كان فقط، في حكايات الجدة، ولا وجود له الآن بيننا.
أكذب عليها، نعم يجب أن أكذب عليها، حتى أحررها من الخوف الذي يحتلها، ويفتك بربيع عمرها، وهي قابعة بين أربعة جدران، تخشى الخروج إلى الحياة، تخشى الغُول المتربص بجدائل كل النساء.
كان لا بد، أن آتي إلى هنا يا صديقتي، كما اعتدت دائماً، أن آتي إليك، لأضع يدي على يدك، وقلبي على قلبك، ونخرج لنرمم الخراب.
مدائن بأسرها تشتعل، حروب تأكل الأخضر واليابس، وقلوب معتكفة في معابد الخوف، لا تجرؤ أن تمدَّ أقدامها خارج البيت؛ حتى لا تقتاد أسيرة، أو تلقى جريحة، أو جثة هامدة، مجهولة الهوية والعنوان.
يجب علينا يا صديقتي أن ننهض؛ فالحرب طالت رؤوس كل الأطفال، وعلينا أن نتصدى للغُول القادم من دواخلنا، علينا أن نحاربه،أن نجتث أقدامه، وأن نساعد التاريخ، كي يقف على أقدامه مجدداً؛ فما زالت فلسطين تئن تحت وطأة الجراح، وما زالت الأسيرات يستنجدن بالمعتصم، وما من ملبي للنداء.
افتحي يا هدى قلبك وذراعيك للنهار، وتعالي نبدأ المشوار.
|