الموضوع: (( أنا والليل ))
عرض مشاركة واحدة
قديم 30 / 04 / 2016, 10 : 01 AM   رقم المشاركة : [15]
رأفت العزي
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية رأفت العزي
 





رأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond repute

رد: (( أنا والليل ))

عتمة أفضل من نور !

خطواتهم كانت بطيئة ، لكنهم كانوا يمشون بثبات
وبشيء من الصمت، و الليلة كانت، ليلة قمرية . اثار اقدامهم كانت تُشاهد بوضوح
كل قدم تترك أثارها فوق بساط الثلج الذي كان قد غطى المدينة كلها
في نهار ذلك اليوم، والليل قد دفع الذين يحبون السهر فيه خارج منازلهم
رغم كل شيء ( قال ) أكثر ما لفتني هو اثار اقدام الرجل الذي كان يحمل فوق
وزنه وزنا اضافيا بحجم طفل صغير. كانت أقدامه تأخذ مساحة أكبر من باقي
الأقدام وتغوص بعمق أكبر في الثلج ؛ وحذائه، كان يختلف عن باقي الأحذية
المعتادة وكان يبدو كأحذية " العسكر" كبير وثقيل ! مع ذلك، اخترت النظر
إليها دون غيرها من الأقدام ، ثم استهواني عدها ؛ كلما أخطأت ونسيت رقما
أعود إلى البدء من جديد، حينها كان يهمس في أذني بل ويأمرني بالعدّ ثانية
ورغم ذلك، لم أفلح في العد لأكثر من خمسة أرقام صحيحة .. ولما كان يطلب
مني العدّ ثانية، كنت أخبره بأن أقدامه صارت بعيدة !

كنت فرحا أن شخصا حملني بعدما " مثلت " دور النائم قبل دقائق قليلة
.. وأنا الذي - كما كانت تقول والدتي - قد مشيت بعد تسعة أشهر من ولادتي .
كنت ألقي برأسي على كتفه، ثم أرفعه باستقامة فتتكئ ذقني عليها خطوة تبتعد،
وأخرى تقترب منها، صرت كالراكب على جمل اهتز على وقع خطاه الباردة ،
خدي يلامس رقبته الدافئة ، اقترب منها لتلامس احدى وجنتاي الباردتين رغم ذلك،
كان لا يأفف بالرغم من عدم استقراري او هدوئي للحظة.. كان يحضنني برفق
وحنان دون تذمر فبدا الأمر وكانه كان يستدفئ بي هو الآخر . عيوني بقيت على
وقع خطاه ، ومستمر بالخطأ في تكرار العد .
:
والدتي والسيدة" ام يسين " قريبتها، كانتا تحملن على اذرع كل واحدة منهن بنتا صغيرة .
وجرْيا على العادة ، كانتا تمشيان خلف ذلك الرجل على الطرف الأيمن من الطريق ،
وفجأة ، لم اعد ارى مزيدا الخطوات وللحظة بدت لي أوضح وأعمق فالأضواء الأتية
من بعد أمتار جعلتني استدير بوجهي بالاتجاه الآخر ، نحو ذلك الضوء ،
استوقفنا صوت آت من بعد أمتار ، كانت صيغته صيغة أمر بلهجة حادّة: قف.
كله قف. ارفع إياديك لفوق ، ولا حركة . خليك مكانك .
حدّق الجميع باتجاه الضوء بعد امتثالهم للأوامر ولم يروا سوى خيالات رجل كان
يلوح بيده ثم اقترب ؛ واحد اثنان ثلاثة من الجنود !
وبدأ التحقيق :
اين كنتم ؟ وإلى اين ذاهبون ؟
ماذا .. ولماذا؟
من حسن حظ نساء فلسطين ( وحسن تنظيم اليهود) أن نصف الدورية الصهيونية
التي كانت تجوب شوارع عكا كانت من النساء، وكانوا يراعون في مسألة تفتيش النساء ..
وكان الهدوء قد خيّم بعد مرور سنة على خروجنا من حيفا إلى عكا التي سقطت
بعدها بمدة قصير !

شعرت ببرد شديد حين انتزعوا مني أبا يسين، وصرت ارتجف وأسمع صرير
اسناني حاولت بعدها الاستدفاء بثوب امي ثم تواريت خلفه تماما .. فأكثر ما أزعجني
في تلك اللحظات ذلك الضوء الساطع الذي منعنا من رؤية من هناك وماذا كان يجري
وماذا حلّ بأبي يسين وكم كان عدد الجنود مع ان ذلك لم يكن مهما !

مضى الوقت ببطيء شديد قبل ان يُسمح لنا بالمضيّ فمشينا دون الرجل ..!
قالت دونما نواح ولا بكاء :
(( - بتفكري يا أسماء انهم راح يصُدقوا معنا ولاد ... ! قال بعد ساعة بيكون بالبيت ..؟!
- " يا مشحرة .. بتصدقي اليهود يا حزينة ..؟ ! "
- بس يختي ابن ابو خليل تركوه قبل ايام وصدقو ! "
- " الله عليك شو هبلة.. لو كان مش " متعاون " بيتركوه ..؟! امشي يا هبلة .. امشي .
- ييييه عليك شو ظناني .. يعني كل واحد بيطلع من سجن اليهود نشكك فيه !
طب هاي جوزك ! لو كان موجود شو راح تقولي ..؟"
- قلتلك خلينا بالبيت يا منيْلي ، ما سمعتِ كلامي .. كان ضروري نطلع الليلة
نمشي على الثلج روحي نامي الليلة لحالك وابردي! "

- لا والله .. الليلة بروح عند ام " لحنانو " وبلكي بيروح بيطلعوه بكره الصبح إذا مش الليلة !

- ولك بعدك بتأمني ..؟! مش لما كان شريك هو وجوزك بالمصبنة
وطلع من ورا ضهرو مخبي كوم سلاح ! ؟!

- ولك اللي عايز الكلب بيقولو يا سيدي .. بعدين ، والله قالتلي امه، انه كان
مضغوط عليه من الهجانا وبيحبه كثير لأبو يا سين ! .. ولك يا اسما ! إذا جوزك
ميت بلكي مندبرك ل لحنانو؟ شفتو حط عينه عليك "
- طب تأصير يهودية بالأول ؛ عزريين ياخذك امشي امشي " ))

ضحكت والدتي وأم يسين ضحكات ساخرة قبل الوصول إلى بيت الأخيرة واكملتا
الطريق المضاء بواسطة سيارات العدو، وكنا كلما ابتعدنا عن العسكر تخف أضواءهم
وصرت كلما توارى القمر أيضا خلف غيمة ، أشعر بالاطمئنان اكثر ثم اكثر
وبغياب نوره تماما أحببت العتمة ! منذ تلك الليلة صار الليل صديقي .
توقيع رأفت العزي
 "
كل ومضة نور في وسط الظلمة تدفع السائرين إلى الأمام خطوة !
وكل تصويب لمسيرة النضال على الطريق تقدم للنجاح فرصة !
" !!
رأفت العزي غير متصل   رد مع اقتباس