الموضوع
:
رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-المقدمة
عرض مشاركة واحدة
10 / 06 / 2016, 59 : 07 PM
رقم المشاركة : [
5
]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف
وهكذا مضيتُ باحثاً حتى توصَّلتُ إلى القناعة بأن سبب عجزِ ما كتبتُه وما كتبه كثيرون قبلي ومن معاصريّ عن التأثير في المسلمين، لم يكن قلةَ إيمان أيٍّ منا، ولا تَنكُبَنا عن نهج رسول الله
، ولا غموضَ ما كتبناه أو صعوبته أو عدم صوابيته، بل كان السببُ مراوحةَ معظم ما كتبناه عند حدود التوصيف والتنظير لا يتعداها، غير منتبهين إلى أن تَعْدِّيها هو شرطُ تمكينِ ذاك الذي كتبناه من تحقيق معجزةِ صيرورته رسالةً يتجسَّد مضمونُها في أفعالنا وسلوكنا، كما تجسَّد في أفعال الرسول
وأصحابه وسلوكهم.
ولكم وُفِقَت السيدة عائشة، رضي الله عنها، في وصفِ هذه المعجزة، حين أجابت سائلها عن خُلقِ الرسول
بقولها:
(كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآن)( )
، أي كان سلوكه
ترجمة عملية لتعاليم القرآن. ومعجزة المطابقة هذه بين ما يؤمن به المرء وما يدعو إليه وما يُمارسه سلوكاً حياتياً هي التي حاولها الصحابة
متأسِّين به
، أثناء حياته وبعدها، فكان أن أثمرت محاولتُهم معجزةً أخرى تجلت في امتلاكهم تلك القدرة المذهلة على التأثير في الآخرين..
بتعبير آخر: لم يكن سحرُ بلاغتهم
مصدرَ تأثيرهم فيمَن دعوهم إلى الإسلام فاستجابوا لهم، وما كان ذلك المصدر زيّاً مميَّزاً بِلَفَّةٍ وقفطان أو بحُسنَ صورة، بل كان، أولاً وأخيراً، عرضُهم لقيم دينهم وتعاليمه السمحة في سلوكهم مع الآخرين وليس في مخاطبتهم فقط؛ أي إقناعهم بالقول والسلوك معاُ، أنهم بعدما سَكَنَتْهم رسالةُ الإسلام، سكنَهم حبُّ الناس جميعاً، وما عادوا يرون هدفاً لحياتهم غير تبليغ تلك الرسالة لمن أحبوا، حتى وإن كان الثمن فقدانَهم لتلك الحياة.
بصياغة أخرى: إن معجزة التغيير التي أنجزها الصحابة
، خلال فترة قياسية، حتى باعتراف أعدائهم، يكمن سرُّها في يقينهم بأن المخاطَب بوحي السماء لم يكن رسول الله
وحده، بل كلُّ واحد منهم أيضاً.. كان كلٌّ منهم يرى في الآيات التي يتلقاها الرسول
عن ربه، أنها تعنيه كما تعني الرسول تماماً، لهذا ترى هذا الصحابي أو ذاك لا يتردد في المبادرة إلى تنفيذها وكأنها أوحيت إليه مباشرة. وهو ما يعني أنهم كانوا يُقدِّرون كلام الله حقَّ قدره، ويأخذونه على محمل الجد، لا بوصفه كلاماً مباركاً فقط، بل بوصفه خطاباً إلهياً موجهاً لكلٍّ منهم مباشرة. وهكذا، صار القرآن فعلاً حياً في سلوكهم، يأتون ما أمرهم الله به وينتهون عما نهاهم عنه، فجزاهم الله بما عملوا رِفعةً وعزاً، في الدنيا قبل الآخرة، ونصرَهم على أعدائهم، وجعلَ الفتح المبارك على أيديهم.
في ضوء ما سبق، بدا لي أنْ لا فائدة من تأليف كتاب جديد يُكرِّر تأكيدَ وَصْفِ الإسلام بالدين السماوي الأكمل، ووَصْفِ القرآن بالنهج الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووَصْفِ سنة رسول الله
بالطريق الأقصـر إلى عزِّ الدنيا والآخرة.. فكل هذا الكلام صحيح، ومعروف مشهور، يُكرره الدعاة في الدروس وعلى المنابر في خُطَبِ الجمعة، منذ قرون، ومع ذلك حال المسلمين في تراجع مستمر، لسبب بسيط جداً، هو أن هذا الكلام لا يعدو كونه كلاماً حلواً تُكرره ألسنة الدعاة، لكن نادراً ما تترجمه أفعالهم وأفعال المقتدين بهم، سلوكاً ملموساً على أرض الواقع، لا يتراجع أصحابه عن التمسك به مهما بلغ الثمن. وإذا أردنا الدليل، فلنتمعن، مثلاً، العلاقة بين درجة توحيدنا لله وكيفيات أدائنا لما افترضَه علينا من عبادات، ونتائج ممارستنا لهذه العبادات على سلوكياتنا... ثم لنقارن، وبحيادية ما أمكن، بين ما شرَعَه لنا
، في نصِّ قرآنه الكريم، وكيفيات تنفيذنا لأوامره ونواهيه في معاملاتنا الحياتية على اختلافها. ولنُحدِّدْ، بعد ذلك، دعاةً وعامة، علماءَ ومتعلمين، درجة إيماننا بالله وكتابه على مقياس مطابقة أعمالنا لأوامره وسنة نبيه الكريم
، ثم لنحكم على أنفسنا بأنفسنا. وللتدليل على صحة ما أقول، قد تكفي معاينة المفارقات التالية.
(4)
لعل أسوأ ما نفعله ترديدُنا شهادة التوحيد عشـرات المرات كلَّ يوم، في صلواتنا وخارجها، بينما أعمالُنا وأفعالنا وممارساتنا يُؤكد جُلُّها أننا أبعد ما نكون عن التوحيد فعلاً وسلوكاً، بل حتى اعتقاداً وتفكيراً واقتناعاً.
_______________
( ) من حديث في مسند الإمام أحمد، الحديث رقم (26044)
توقيع
محمد توفيق الصواف
لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة
43 : 01 AM
.
محمد توفيق الصواف
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع محمد توفيق الصواف المفضل
البحث عن كل مشاركات محمد توفيق الصواف