عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 06 / 2016, 18 : 09 PM   رقم المشاركة : [7]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

[align=justify]أما الجهاد، فما يكاد يُذكَر حتى تغتم قلوبنا، وتستعيذ ألسنتنا بالله من شرور أعدائنا، ثم نلهج، وقد رفعنا أكفنا، بالدعاء لله نرجوه أن يكفينا شرهم دون حرب أو دم أو بذل للأرواح والأموال، مردِّدين بخشوع الخائفين من أولئك الأعداء لا من الله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}(1)، أو مرددين، بوعي، وربما بدون وعي، أدعية لا يتجاوز مضمونُها أسماعَنا إلى أفئدتنا: (اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت)، (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)، (اللهم نكِّس أعلامهم وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وانصرنا عليهم نصراً مبيناً)! وغير ذلك من الأدعية التي نتمنى على الله فيها يقيناً أن يُحارب أعداءنا بالنيابة عنا، وأن يدفع شرَّهم وأذاهم عن بلادنا وأملاكنا وأولادنا دون أي جهد نبذله من قِبَلِنا، لا في مواجهتهم ولا في مواجهة أنفسنا التي صرنا لا نستطيع أن نعصـيَ لها أمراً أو أن نكفَّها عن شهوة حرَّمها علينا اللهُ الذي نستنصره على أعدائنا، مع أنه أخبرنا  أن نصـره لنا مشترَطُ بنصـرنا له، أي بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، وذلك بصريح قوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمُ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(2)!
وإذا كان معظم مسلمي اليوم يستثقلون المثابرة على أداء شعائر الإسلام، من صلاة وصيام وحج، حتى ولو لم يكن أداؤهم لها على الوجه الأكمل، فاستثقالهم للجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أشدّ، لكن لو خُيِّروا بين الجهاد بهما والجهاد بالكلمة، داعين لله مخلصين، لا يحرفهم عن إخلاص الدعوة له هوى نفس، أو خوفُ بطش، أو لومةُ لائم، أو سخريةُ مستهزئ، لرأيتَ معظمهم لا يترددون لحظةً في محاولة تجنب هذا اللون من الجهاد! لكن لماذا، وهل لتهيبهم من النهوض بأعبائه ما يسوغه؟
لكي تبدو الإجابة عن هذا السؤال أقرب إلى الاعتذار لله عن موقف التهرب هذا منها إلى تسويغه، ليسألْ كلٌّ منا نفسه، ماذا كان سيفعل لو أن الأوامر الإلهية التالية:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ}(3)،
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}(4)،
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(5)،
قد صدرَت إليه وليس لمحمد بن عبد الله
؟ أكان سيطيع ويلبي، كما لبى رسول الله ، أم كان سيبحث عن أي عذر للتهرب ولتسويغ هذا التهرب؟ وكيف لا يبحث عن العذر وتسويغه، قبل أن يُلبي أمر الله، وهو الذي اعتاد أن يحسِب ألفَ حساب للإِلف والعادات والتقاليد؛ وألف حساب أخرى لمكانته الاجتماعية ونظرة أهله وجيرانه وقومه إليه، وأكثر من الألف بكثير إن كان ذا مال وجاه وسلطان؟
لهذا، ومن نظرة واقعية، لا مماراةَ فيها ولا مكابرة ولا ادعاء، أعتقد أنه لا يمكن لأحد من الناس أن يدرك مدى ثقل المهمة التي ألقاها الله على كاهل نبيه محمد
ومدى صعوبتِها الهائلة، إلا إذا حاول أيٌّ منا، في العصـر الراهن، تجربة الامتثال إلى مثل ما أُلقي عليه من أوامر إلهية، نفَّذها، متحدياً جملة العوائق السابق ذكرها آنفاً وغيرها، مما اعترضه ، وصمَّمَ على تجاوزه، متحملاً كل تبعاته ومخاطره، إطاعة لأمر الله، ورغبة في إيصال رسالة رحمته إلى كلِّ خلقه.
وللعلم، لا يبدأ ثقل هذه المهمة وتتزايد صعوباتها، في المراحل المتقدمة من الدعوة، كما يتوهَّم كثيرون، بل يواكبها الثقل والصعوبات، منذ مرحلتها الأولى التي قد يتوهَّم بعضُهم أنها ربما تكون الأسهل، لتوهُّمه أن ردَّ فعل الناس عليها، قد لا يتجاوز الاستهزاء بها وبصاحبها..
وعلى افتراض أن ردَّ فعل الناس الأوليّ على كلِّ مَن يحاول السير على خطى النبي
في بداية دعوته، لن يتجاوز الاستهزاء به والسخرية منه، وهو افتراض غير صحيح، فلابد من التساؤل: ومتى كان احتمال الاستهزاء سهلاً على نفس أحد، أياً كان؟!.
لذلك، ولعلم الله (سبحانه) بثقل الاستهزاء على نفس نبيه
، سارعَ، مباشرة، بعد مخاطبته آمراً: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، إلى طمأنته واعداً: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(6).
(5)
أكتبُ هذا الكلام لأؤكد حقيقةً يعرفها الجميع، وهي أن طريق الدعوة المخلصة إلى الله ليست، ولم تكن في أي عصر من العصور، ولن تكون، مفروشة بالورود، ولا مظللة بآيات الاحترام والتبجيل، ولا مسيَّجة بمشاعر الودِّ والشكر والعرفان بالجميل؛ بل تكاد تكون الوعورةُ صفتَها الأبرز، وكثرةُ العقبات والمصاعب والتحديات سِمتَها المميزة، وتوقُّعُ التعرُّض لشتى ألوان المكارهِ والمخاطر وأقساها، يقيناً قارّاً في وجدان كل من قرر سلوكها، حتى قبل أن يخطو خطوته الأولى فيها.
وقد لا أبالغ لو قلت إن هذه الحقيقة يُقرُّ بها لزاماً كلُّ من حاول الدعوة إلى الله مخلصاً أو جرَّبها، في أيّ عصر وأيّ مِصر، وسواء سار في طريقها حتى نهايتها التي يأمل، أو نكص على عقبيه، في أي مرحلة وصلَها قبل بلوغ تلك الغاية، خوفاً من ترهيب، أو ضعفاً واستسلاماً أمام ترغيب من أيِّ نوع..
وهنا، قد يعترض كثيرون من المعاصرين قائلين: لكم يبدو كلامك هذا خاطئاً، حين نعرضه على الواقع الراهن، بمعطياته الملموسة. إذ كيف يستقيم زعمك بوعورة طريق الدعوة إلى الله، وتخمتها بالصعوبات والمكاره والمخاطر التي تنتظر سالكيها، وهذا عصـرنا يعجُّ بالدعاة من كل حدب وصوب، ومن كل اتجاه ولون ومذهب، تحتضنهم وسائل الإعلام الحديثة، ولاسيما الفضائيات، وتحيطهم بآيات الاحترام والتبجيل، بغضِّ النظر عن درجة علمهم ومستواه وصحته، ويخاطبهم المشاهدون بإجلال لم يحظَ به معظم الأنبياء من أقوامهم التي أرسلهم الله لهدايتها؟
ألا ترى أولئك المشاهدين لا يُوجهون أسئلتهم لهذا الداعية أو ذاك إلا مشفوعةً بكلمة (فضيلة الشيخ)، أو (مولانا العالم)، ثم بعد انتشار تقليعة الدكتوراه كدلالة على الاختصاص المُوجِب للتبجيل والاحترام، صار معظم دعاة المسلمين المعاصرين لا يقبلون أن يخاطبهم مُريدٌ أو طالبُ علم أو مذيعٌ أو مشاهد إلا قارناً أسماءهم بثلاثة ألقاب تتتالى وجوباً هكذا: (فضيلة الدكتور العالم.....)، حتى ولو كان بعضهم لم يحصل حتى على الشهادة الثانوية؟
وبعدما درى بعضهم أن الغربيين يرون لقب أستاذ أكثر تبجيلاً لمَن يُطلَق عليه من لقب دكتور، ما عاد يرضى معظم دعاتنا المعاصرين إلا بإضافة هذا اللقب إلى سلسلة ألقابهم السابقة، دون حذف أيٍّ منها طبعاً؟
وكيف تزعمُ أن طريق الدعوة إلى الله باتت صعبة وعرة، ثم ها نحن نرى وإياكَ، الناسَ كيف صاروا يُقدِّمون، هذه الأيام، رجالَ الدين، في المجالس العامة، على مَن سواهم، وكذلك في مجالس الذكر والنحر على السواء، وفي أماسي الأفراح والأتراح؛ ثم كيف يَخصُّونهم بالهبات والهدايا، يُقدِّمونها لهم وهم يُقبِّلون أيديهم، رجاءً أو رياءً، وأحياناً أرجلهم، تملُّقاً أو احتراماً؟ فأين تلك الصعوبات التي زعمتَ أنها تواجه الدعاة إلى الله، وأين تلك المخاطر لتي زعمتَ أنهم يتعرضون لها، وهذه حالهم، لا يخفى بريقُها على أحد، ولا تُخطئُ فتنتَها وجاذبيتَها إلا عينٌ عميت عن رؤية الشمس في رابعة النهار؟
لا أقصد بهذا الكلام اتهامَ أحد أو التقليل من شأن أحد، لاسيما وأنا مقتنع بأنِّي لا أساوي أقلَّهم قيمةً وشأناً والتزاماً. لكن قناعتي هذه لا تُعفيني من الإشارة إلى خطورة ما أراه وألمسُه، كمسلم عادي، من نتائجَ سلبيةٍ لحرصِ معظم الدعاة على توافه الأمور وتركهم عظائمها؛ كما أن تلك القناعة نفسها لا تمنعني، كما أحسِبُ، من الاعتقاد بأن مَن ينهجُ هذا النهج لم تسكنْه رسالةُ الإسلام، كما سكنتْ أيّاً مِن أنبياء الله وأوليائه، أي إلى تلك الدرجة التي شعرَ بها تخالطُ دمَه ولحمه وعظمه، وتصيرُ شاغلةَ فكره ومالكةَ عواطفه، ليله ونهاره، مُوجِّهَةً أقوالَه، ومُتجسِّدةً بأوامرها ونواهيها في كلِّ أفعاله، لا يرى لحياته الدنيا هدفاً سوى تبليغها للناس، مستعداً لتحمُّلِ تبعات النهوض بمهامها أيّاً كانت، عن رضا، ابتغاء رضوان الله.
(6)
ما القصد من هذا الكلام؟

بإيجاز: إذا لم ينجح أيُّ داعية بتنزيه دعوته إلى الله عن أهداف أناه وتطلعاتها، كأن يتخذ من الدعوة سبيلاً إلى الشهرة مثلاً، أو وسيلةً لنيل الغنى واحترام الناس، وما إلى ذلك من أهداف، لا يمكن أن يصير داعية مؤثِّراً في الناس، ناجحاً في توجيههم إلى صراط الله المستقيم، مهما قال وقال، ومهما حاز من معارف إسلامية وألقاب وأوسمة. لأن الدعوة إلى الله لا تؤتي ثمارها المرجوة، تأثيراً في الناس وفعلاً وهداية، بمجرد نجاح الداعية في فقه الشريـعة وأحكامها، وحفظِ القرآن الكريم كاملاً وتفاسيره، وحفظِ آلافٍ من أحاديث الرسول
وسيرته وسِيَرِ صحابته الكرام ، وما إلى ذلك من معارف أخرى وعلوم، بل تبدأ الدعوة إلى الله بالإثمار حالما يَعْمَلُ الداعية بما عَلِم، وإن قلّ، ثم يأخذُ مسألة تبليغ رسالة الإسلام بجدٍّ وقوة، عازماً على احتمال تبعات تبليغها وأخطاره بالغاً ما بلغ حجمها وقسوتها وشدتها، متأسِّياً، في ذلك كلِّه، بالنبي قولا وفعلاً وسلوكاً، عملاً بقول الله (سبحانه): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(6).
[/align]

______________________
(1) سورة الأحزاب/الآية (25).
(2) سورة محمد/الآية (7).
(3) سورة المدثر/ الآيتان (1 و2)
(4) سورة الإسراء/الآية (214)
(5) سورة الحجر، الآية (94).
(6) سورة الأحزاب/الآية (21).
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 01 : 02 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس