الموضوع
:
رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-المقدمة
عرض مشاركة واحدة
10 / 06 / 2016, 13 : 10 PM
رقم المشاركة : [
8
]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-الم
[align=justify](5)
ورحم الله الإمام الشافعي الذي أوجز وصفَ سبيل نجاح أيِّ داعية في دعوته، بقوله:
[align=justify]يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ
.... هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَى
.... وَمِنَ الضَّنَى تُمْسِـيْ وَأَنْتَ سَقِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
..... عَارٌ عَلَيْكَ، إِذَا فَعَلْتَ، عَظِيمُ
اِبْدَأْ بِنَفْسِكَ، فَانْهَهَا عَنْ غِيِّهَا،
.... فَإِذَا انْتَهَيْتَ عَنْهُ، فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يَقْبَلُ مَا تَقُولُ، وَيَقْتَدِي
..... بِالقَوْلِ مِنْكَ، وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ [/align]
(7)
من كل ما سبق، يمكننا التوصل إلى استنتاج حقيقي معروف أيضاً، هو أن العيب ليس في المنهج بل في التطبيق.. وبالتالي، فإن ما ينقصنا ليست المعرفةُ بكتاب الله وسنة نبيه
، بل تطبيقُ ما جاء فيهما في سلوكنا اليومي..
وهنا، أظنني لا أجانبُ الحق والواقع إذا قلت إن معظمَنا اليوم أكثر حفظاً للقرآن من كثير من صحابة رسول الله
، وأكثر علماً بسنته، وأكثر براعة في رواية الصحيح من أحاديثه
، بدليل أن الكثير من أعلام الصحابة
(رضي الله عنهم)
، قضوا قبل اكتمال نزول القرآن، وتمام الرسالة النبوية. ومع ذلك كانوا أعلاماً ليس في عدد ما حفظوه من آيات القرآن وسوره، ولا في عدد ما رَوَوهُ، عن ظهر قلب، من أحاديث نبيهم
، ولا في تفسير الآيات والأحاديث وفقهها وفقه الأحكام وأصول العدل والتجريح، وما إلى ذلك مما يسمى اليوم بالعلوم الإسلامية، بل كانوا أعلاماً عظاماً صنعوا حضارة ومجداً واستحقوا بشـرى الرسول
لكثير منهم بالجنة، بتطبيقهم لما أدركوا نزوله من آيات القرآن قبل وفاتهم أو استشهادهم.
وتريدون الدليل؟
تعالوا إذن لنقارن ما يحفظه أقلنا من القرآن الكريم مع ما كان يحفظه ياسر وزوجته سمية عليهما السلام، أو مع ما كان يحفظه مصعب بن عمير رضي الله عنه
(رضي الله عنه)
أول سفير للإسلام، واستطاع به أن يهدي خلقاً كثيراً من أهل يثرب الذين صاروا، فيما بعد، أنصار الرسول
. ألم يستشهد
قبل اكتمال نزول القرآن؟ فكيف استطاع التأثير إذن، بالقليل الذي أدرك نزوله من آياته؟
لقد استطاع ذلك بصدق العقيدة الذي برهن عليه بتمثُّل ما حفظتْه ذاكرته الإيمانية، من سور القرآن الكريم، في سلوكه الحياتي، لا في عددِ ما استطاع إيداعه، في ذاكرته الحفظية، من سور وآيات. فقد كان، ومثلُه باقي الصحابة رضي الله عنهم
، قرآناً حياً في فعله وسلوكه، وبذلك فقط استطاع إقناع الآخرين بصواب رسالته، وبكسب تعاطفهم معها وبتحبيبهم بها وبأتباعها، قبل إقناعهم باتِباعها.
(8)
بهذه النتيجة التي انتهيتُ إليها، وصلتُ إلى القناعة بأن تأليف أيِّ كتاب يدعو إلى الإسلام، لن يكون مؤثراً وفاعلاً إلا إذا التزمَ مؤلفُه بما يريد دعوة الآخرين إلى التزامه، لا قبلهم فقط، بل حتى قبل أن يشـرع بتأليف كتابه، وإلا كان ممن وصفهم الله في قرآنه الكريم بقوله:
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
(1).
هذا إذن سرُّ التأثيرِ الفاعلِ في الآخرين وهذا هو منهجُه الذي ما إن بدأ يتضح لي، حتى استشعرت عِظم المهمة وثقلها، وصعوبة الطريق ووعورتها، وفداحة الثمن المحتمل للدعوة وهوله. ففترتْ همتي، ووهنتْ عزيمتي، وتملكني التردد طويلاً، حتى بدا لي أنْ قد قاربتُ العزوف عما كنتُ عزمت، بل كدتُ أعزفُ فعلاً لولا أن رحتُ أسائل نفسي متفكراً:
ماذا إن كان الأجل قريباً، وأنتَ الآن على دراية بالدرب وقناعة بالرسالة، غيبها وحضورها؟ فبماذا تعتذر إلى الله إن أحجمتَ عن تبليغها؟
تعتذر؟! أَوَتُراكَ واثقاً من سماحه لك
(سبحانه)
، يوم القيامة بالاعتذار؟ وماذا لو لم يفعل، ووجدتَ نفسك ممن لن يكلمهم الله يومئذ،
{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}
(2)؟ بل حتى لو سمح لك
(سبحانه)
بالاعتذار، فبماذا عساك تعتذر؟
أَتُراكَ تجرؤ أن تقول له مثلاً: لقد أحجمتُ، وكنتُ أظنني قادراً، عن تأليف كتاب يُبيِّن أسباب ضعف المسلمين المعاصرين وتخلفهم وانحطاطهم، ويُنبههم إلى ما يمكن أنْ يُظَنَّ سبيلاً لنهضتهم، لأنني خفتُ بطشَ غيرك ممن ظننتُ أن يُغضبهم ذلك الكتاب أكثر مما خفتُ غضبكَ وبطشك؟! يا للهول! ألن يكون اعتذارٌ كهذا أسوأَ من أيِّ ذنب؟ وكيف لا يكون كذلك وهو دليل بَيِّنٌ على عدم الامتثال لأمره:
{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(3)، ودليل على الشكِّ في وعده
(سبحانه)
لمن امتثلوا أمره هذا، من المؤمنين، بالدفاع عنهم، حين خاطبهم واعداً:
{إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}
(4)؟
أم تُراك تجرؤ على الاعتذار إليه
(سبحانه)
بالقول: إنني أعرضتُ، يا ربِّ، عن تأليف كتاب يدعو المسلمين إلى توحيدك وإخلاص الطاعة لك، ليقيني بأنه لن يُؤثِّر فيهم، لعجزي عن إكراه نفسي على الالتزام قبلهم بما أريد دعوتهم إلى التزامه؟! ألن يكون هذا الاعتذار اعترافاً صريحاً باتخاذي هوى نفسـي إلهاً من دون الله؟ فأي اعتذار هذا؟
ثم، حتى لو سمح لي
(سبحانه)
بالاعتذار، وجرؤتُ واعتذرت إليه، وقبِلَ
(سبحانه)
أعذاري، برحمته التي وسعت كل شيء، كيف تُراني قادراً على الفرار من الإحساس بالخزي في حضـرته، لو شاء أن يُلزمني الحجة بتقصيري في فعلِ ما أستطيع، وهو تأليف الكتاب، ثم تركِ ما لا أستطيع لقدرته ومشيئته
(سبحانه)
، أي ترك ضمان تأثير ما ألفتُ في مَن سيقرأ، مع أنه أخبرني، في قرآنه، بأنه لا يكلف نفساً إلا وُسعها(5)؟
فكرتُ في هذا كله، وفي غيره من أعذار أسوقها أمامه
(سبحانه)
، وفكرتُ أكثر في ما يمكن أن يكون عليه مصيري، لو ردَّ أعذاري كلها وعاقبني، وهو عادل في عقابه لي، فخفتُ كثيراً، وخجلتُ منه
(سبحانه)
أكثر، وكانت النتيجة أن قررتُ متابعة التأليف، راجياً منه
(سبحانه)
، أن يعينني على أن ألتزم في سلوكي، سلفاً، ما سأدعو المسلمين إلى سلوكه، عساي إن فعلتُ، أصلُ إلى عقولهم وقلوبهم، فأكون بذلك واحداً من أسباب تجاوز ضعفهم وتخلفهم، إلى ما يبتغونه من قوة ونهضة.
(9)
في ضوء مجمل ما سبق وعلى أساسه، عمدتُ في هذا الكتاب، إلى تَجَنُّبِ التنظير ما أمكن، وإلى محاولةِ المزج، في عرضِ مضمونه، بين التوصيف والمقارنة والمحاكمة العقلية والاستنتاج، ثم تقديم ما ظننتُه حلولاً في صيغة اقتراحات تُمثِّل وجهة نظر شخصية مفتوحة على احتمال القبول، إن أفضى نقاشها، موضوعياً، إلى تأكيد صوابيتها، واحتمال المخالفة والردِّ، إن أثبتَ نقاشُها خطأَها وسلبيَّتَها.
ولا أخفي تَقَصُّدي أن يُشكِّل مجموع اقتراحاتي، في النهاية، ما يُقاربُ تصوُّراً أو رؤية خاصة، لا أزعم امتلاكَها القدرةَ على تغيير الحال الراهنة للعالم الإسلامي إلى أفضل، كما لا أزعم امتلاكَها حتميَّةَ التجسُّد واقعاً، لكنني أحسِبُ أن فيها قدراً من التزام الموضوعية والمحاكمة المنطقية، يجعلها مستحقةً الدراسة على الأقل، قبل الحكم بأهليتها للتطبيق أو بعدم جدواها.
وصحيح أن مادة هذه الرؤية مستمدة، بالدرجة الأولى، من القرآن الكريم وسنة النبي
، القولية والعملية، ومن حياة صحابته
(رضي الله عنهم)
، ثم من تجارب المسلمين على مرِّ عصورهم التي تقلبوا خلالها، بين عزٍّ وذلّ، وقوة وضعف، وغنى وفقر، ونفوذ وتبعية، شأن كل الأمم الأخرى؛ إلا أنها، وفي الوقت نفسه، ليست رؤية منغلقة متعصبة، بل إنسانية مرنة منفتحة على الآخر ومستعدة للحوار معه على أساس الاحترام المتبادل والاحتكام إلى المنطق والواقع، دون آراء ومواقف مسبقة، ودون اتخاذ مواقف معادية إن بقي الاختلاف قائماً، إلا إذا بدأ الآخر نفسه بالعدوان، فعندها لا مناص من ردِّ عدوانه، عملاً بقوله تعالى:
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(6).
(10)
في إطار هذه الرؤية وانطلاقاً منها، تمَّ بناء منهج هذا الكتاب الذي، وإن وصفتُه آنفاً بالموضوعي، لا أتصوَّره يخرج عن روح المنهج القرآني الذي أعتقد أنه التطبيق الأول والأمثل للموضوعية المتحررة من عاهةِ المواقف المسبقة، لاسيما في أسلوب حوار المخالفين والمعارضين.. ولا أدلَّ على صحة هذه الرؤية من إيراد الله
(سبحانه)
، في نصِّ قرآنه الكريم نفسه، حججَ خصوم الإسلام من مشـركين وكافرين وملحدين ومنافقين وغيرهم، وكذلك حجج المشككين بأطروحاتــه ورافضـي الإيمان ببعضها أو بها كلها، حتى قبل أن يردَّ عليها. بل لعل من أكثر ما يلفت الانتباه، في هذا المجال، أن الله أورد في قرآنه حتى حجج إبليس التي حاولَ بها تسويغَ رفضِه الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم، وكيف ردَّ
(سبحانه)
على تلك الحجج؛ الأمر الذي يُوجِّهنا
(سبحانه)
، من خلاله، إلى ضرورة حوار من يخالفنا والاستماع لحججه وآرائه، وعدم مصادرة حريته في الرأي والتعبير، ثم عدم إكراهه على تغيير رأيه بالقوة، حتى وإن كنا قادرين على إسكاته فوراً، ودون أي حوار أو نقاش.
على هذا، وتأسِّياً بالمنهج القرآني الذي أظنُّه الأمثلَ موضوعيةً وحيادية في طرح الآراء المختلفة المتعارضة، والأعلى منطقيةً وحرصاً على مخاطبة العقل وتجنبِّ انحرافات الأهواء وزيغ العواطف، سيتمُّ عرض مادة هذا الكتاب، بما تتضمَّنه من معطيات وأفكار وأطروحات ومواقف، عرضاً يتجنَّب الانحياز، ما أمكن، إلى موقف مسبق، أو فكرة معينة أو معطى بعينه يؤيِّدُ أيَّ أطروحة، سلفاً، أو يُضادُّها. وقد انتهت محاولتي التزامَ هذا المنهج، ما أمكن، في تأليف هذا الكتاب، إلى إنجازه مُؤلَّفاً من مقدمة وخاتمة وستة فصول، سأومئ إلى منهجي في تأليفها بالتمهيد التالي.
دمشق في 1/3/2011
[/align]
_______________________
(1) سورة البقرة/الآية (44).
(2) سورة المرسلات/الآية (36).
(3) سورة آل عمران/الآية (175).
(4) سورة الحج/الآية (38).
(5) {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًاً إِلَّا وُسْعَهَا}، سورة البقرة/الآية (286).
(6) سورة البقرة، الآية (194).
توقيع
محمد توفيق الصواف
لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
التعديل الأخير تم بواسطة محمد توفيق الصواف ; 11 / 07 / 2016 الساعة
06 : 01 PM
.
محمد توفيق الصواف
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع محمد توفيق الصواف المفضل
البحث عن كل مشاركات محمد توفيق الصواف