4) السَّبْقُ الصحفي:
السبقُ الصحفي وثيقُ الصلة بالآنيَّة والجِدَّة، إلى حدٍّ كبير. وهذا بديهي، إذ لا سبقَ صُحفياً في خبر قديم الحدوث أو المضمون. لكن بالمقابل، فإن تَوَفُّرَ الآنيَّة والجِدَّة وحدهما لا يصنعان سبقاً صحفياً، بل لابد من عوامل أخرى يجب تَوَفُّرُ بعضها وتضافرُه مع الجِدَّة والآنية لصُنع السَّبْق، ومن أبرز هذه العوامل: أهمية الحدث للمُتَلَقِّي، أو سرِّيَتُه ومدى إثارته، أو طرافته، أو أهمية صانع الحدث وخطورة قرارته في نظر المُتَلَقِّين المُفتَرَضِين، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد هؤلاء المُتَلَقِّين، محلياً وعالمياً، ودرجة اهتمامهم بالخبر وصانعه وأهمية موضوعه بالنسبة لهم..
ومع أنَّ السبقَ الصحفي صفةٌ أكثرُ لصوقاً بالخبر، إلَّا أنها يمكن أن تكون صفةً لبعض أنواع المقالات أيضاً، ولاسيما تلك التي تعالج الفضائح السياسية والاجتماعية، وأخبار الخيانات أو التسريبات ذات السرية البالغة التي تحرص الدول، وخصوصاً الكبرى، على إخفائها من أجل إنجاح سياساتها مع حلفائها وضد خصومها على السواء.. فطرح مثل هذه الفضائح والتسريبات ومعالجة أسبابها ونتائجها على السياسات المحلية والإقليمية والدولية، يُعَدُّ سبقاً صحفياً لكاتب المقال..
5) الواقعية:
منطقياً ومهنياً، ينبغي أن تكون الواقعيةُ سِمةَ أيِّ خبر أو مقال، أيّاً كانت نوعية مضمونهما، لأنَّ وظيفةَ الخبر الأولى نقلُ ما يجري على أرض الواقع من أحداث بأمانة، أيْ دون تزييف أو تحريف أو اختلاق، ووظيفة المقال الذي يتصدَّى لهذا الخبر مؤيداً أو معارضاً معالجتُه دون تحريف له أو مبالغة في تضخيم وقائعه أو التهوين من مجرياته، إلى حدود تُخرِج مضمون المقال عن حدود الواقع والمعقول. وبالتالي، فإن أيَّ خبر أو مقال يَتَّصِفُ بواحدة أو أكثر من الصفات السلبية السابقة، لا يُصبح غير واقعي فحسب، بل يفقِدُ مصداقيته وقيمته وتأثيره أيضاً.
6) البعدُ عن المبالغة في الوصف:
وهذه صفة وثيقة الصلة بالواقعية، لأن المبالغة تجاوزٌ للواقع، سواء كانت مدحاً أو ذَمّاً لشخص أو هيئة أو دولة أو لأيِّ جهة كانت، كأن تقول مادحاً: (فلانٌ زعيم الأمة دون منازع)، أو تقول ذَامّاً: (هذه الدولة المسخُ التي لا قيمة لها هي أكثر دول العالم انحطاطاً وإجراماً)، أو أن تكون المبالغة في عرض واقعة ما، كأن تقول مصوراً نتائج معركة بين مجموعة مكونة من بضعة مقاتلين ودولة عظمى أنها (أسفرت عن انتصار الأولى على الثانية وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد).. وبالنسبة للخبر بشكل خاص، لا تُعَدُّ المبالغة سلبيةً في صياغته، بسبب انحرافها بمضمونه عن الواقعية فحسب، بل لأنها تُعَبِّرُ عن رأي شخصي وتصدر عن موقف مسبق، الأمر الذي يُؤدِّي إلى نفي الموضوعية عن الخبر؛ ونفيها عنه يُؤدِّي إلى تقليل مصداقيته. أما بالنسبة للمقال، فالمبالغة تُقلِّل من احترام القارئ لكاتبه ومن ثقته بمضمون مقاله، لأنها تبدو في نظره تحيُّزاً مكشوفاً وفجّاً، سواء كان مضمونُها تأييداً لموقف أو مديحاً لشخصية ما، أو كانت تتضمن ذمّاً مبالَغاً فيه لكليهما..
7) الموضوعية:
لاشكَّ أن الاتِّسامَ بالواقعية هو أحدُ الركنين الأهم للموضوعية، أمَّا ركنها الهام الثاني فتُمَثِّلُه الحيادية التي تعني ضرورة أن يقف الصحفي على مسافة واحدة، في صياغته لأيِّ خبر عن حَدَثٍ أو شخصية أو حزب أو دولة، أيْ أنْ يتجنَّبَ إقحام أهوائه الشخصية ومواقفه وآرائه المسبقة في صياغة أيِّ خبر، كي لا يُفْقِدَ مضمونَه المصداقية، ويُقَلِّلَ ثقة الناس به وبمصدره..
أمَّا الموضوعية بالنسبة للمقال فتعني التزامَ الواقعية في الطرح والمعالجة، والبعدَ عن المبالغة والتحريف والتزييف حسبما يمليه الهوى السياسي أو الديني أو الاجتماعي أو الأيديولوجي لكاتب المقال؛ وكذلك ذكر مصادر الشواهد التي تؤيد هجومه على شخصية ما أو نزعة أو فكرة أو مؤسسة، وتنفي التعصب عن مهاجمته لها، كما تنفي عنه تهمة الصدور عن آراء مسبقة لا سلطان لها من الصحة على أرض الواقع، وإنما هي محضُ افتراء وتلفيق..
8) الأهمية:
بالتأكيد، ليس بالضرورة أن يكون كلُّ خبر أو مقالٍ هاماً لكلِّ الناس على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم، فقِلَّةٌ فقط من الأخبار والمقالات يمكنُ أن تتجاوزَ أهميتُها حدودَ المحلية إلى العالمية.. لكن بالمقابل، لاشكَّ في وجود مُهتمِّين بأيِّ خبر، قَلَّ عددهم أو كَثُر، وعلى الصحفي أن يُوَجِّهَ جُلَّ جهده لجعلِ خطابه مفهوماً لدى هؤلاء، ولبقاء مصدر أخباره ومضمونها موضع ثقتهم، وإلَّا خسرهم..
وبشكل عام، فإن من أكثر ما يُضفي أهميةً على أيِّ خبر أو مقال أن يكون مضمونُه قريباً من مصالح المُوَجَّهِ إليهم وقضاياهم وتطلعاتهم ومصائبهم وأفراحهم، لأنه كُلَّما كان كذلك كلما ازدادت درجة تأثيره فيهم، والعكس بالعكس، سواء كان هذا الخبر أو المقال ذا بُعْدٍ محلي أو عالمي.. وعلى سبيل المثال، إن خبراً أو مقالاً يتحدث عن زلزال وقع في بلد ما لابد أن تكون أهميتُه بالنسبة لمواطِنِي هذا البلد أكبرَ بكثير من أهميته بالنسبة لأبناء البلدان المجاورة أو تلك البعيدة.. وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم الأخبار والمقالات التي تتحدث عن الحروب والكوارث والقلاقل والاضطرابات والمشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية وما شابه.