ثانياً، صفاتُ البُنْيَتَينِ التكوينية واللغوية لِمَتْنِ النصِّ الصحفي
1) وضوحُ النصِّ ومباشرتُه:
يُعَدُّ الوضوح الشرط الأول والأهم لوصول مضمون النصِّ الصحفي، أيّاً كان نوعه، إلى قارئه، فلا فائدة ولا معرفة ولا إثارة في نصٍّ غامض الصياغة، مُلْتَبِسِ المعنى.. والوضوح نتاجٌ لغويٌّ/تعبيريٌّ بالدرجة الأولى، لأنه حصيلة صياغة مفردات سهلة مأنوسة في جمل سليمة التركيب نحوياً، مباشرة الدلالة تعبيرياً، سهلة الفهم والاستيعاب، تنساب الأفكار والمعلومات فيها انسيابَ الماء في مجرى مستقيم نظيف من كلِّ ما يُمكن أن يُعيقَ وصولَه إلى مُتَلَقِّيه..
2) المفردات:
لكي يضمن الصحفيُّ إيصالَ مضمون نَصِّه إلى مُتَلَقِّيهِ بسهولة ويُسْر، عليه أن يَتَجَنَّبَ استخدام المفردات الصعبة والغريبة والأجنبية، في صياغة هذا النصِّ خبراً كان أم مقالاً أم دراسة.. وضرورةُ تَجَنُّبه لهذه الأنواع من المفردات تنبعُ من تَنَبُّهِه الدائم إلى اختلاف المستويات المعرفية والإدراكية والفكرية لقرائه، ومن حرصه على ألَّا يقتصر تداولُ ما يكتبُه على النُخَبِ فقط.
وفي سياق الحديث عن نوعية المفردات التي ينبغي على الصحفي اختيارها لصياغة نصِّه وتلك التي عليه أن يَتَجَنَّبَها، لابد من الإشارة أيضاً إلى ضرورة تَجَنُّبِهِ تكرار مفردات بعينها في الفقرة الواحدة، لأنَّ التكرارَ دليلُ فقرٍ لغوي يُضعِفُ الجُمل ويُصيبها بالركاكة، مما يؤدي إلى عزوف القارئ أحياناً عن متابعة القراءة..
و لا يقتصر تَجَنُّبُ التكرار على المفردات فقط، بل يشمل الجمل أيضاً، فمن الصحفيين مَن يُكرِّرُ جُملاً بعينها في كلِّ مقالاته، وحتى في المقال الواحد نفسه أحياناً.. ويتسعُ عيبُ هذا النوع من التكرار إذا لم تكن الجمل المُكرَّرة للصحفي الذي يُكَرِّرُها نفسه، بل كانت مجرد كليشيهات جاهزة حفظها لشيوع استخدامها في مقالاتِ غيره، أو لكثرةِ تردادها في شعارات سياسية واجتماعية واقتصادية لهذا الحزب أو ذاك..
3) المضارع لتأكيد الآنِيَّة:
يُعَدُّ استخدام الفعل المضارع لنقل مضمون الخبر تحديداً، من الوسائل المُساعدة على إِيهام القارئ بِآَنِيَّتِهِ وتأكيدها في وعيه، لأنه يفيد معنى الحاضر أصلاً، ويوحي باستمرار الحدث فيه.. ولا بأس في استخدام المضارع لصياغة التعليق السياسي، لأنه وثيق الصلة بالخبر وآنِيَتِه، وكذلك المقال الافتتاحي في الصحف اليومية السياسية بشكل خاص..
4) سلبيةُ استخدام الفعل المبني للمجهول:
يلجأ كثير من الصحفيين إلى استخدام صيغة الفعل المبني للمجهول، في صياغة ما يكتبونه من أخبار ومقالات، إمَّا لعجزهم عن معرفة مصدر الخبر أو المعلومة التي وَصَلَت إليهم ويُريدون نقلها لقارئهم، أو لرغبة بعضهم في تلفيقِ افتراءٍ على شخصية مشهورة أو تلفيق تهمة ما وإلصاقها بشخصية بارزة أو حزب أو دولة، انطلاقاً من موقف مُعادٍ لها.. ولكن استخدام هذه الصيغة، أيّاً كان الدافع إلى استخدامها، يُقلِّلُ كثيراً من مصداقية النصِّ الصحفي، وقد يُلغيها تماماً، إذا لم يُحسِن الصحفي إيرادَها وتوظيفها بلطف، كي لا تصدم القارئ الذي ما إن يستشعر وجودَ نية افتراء عند الصحفي الذي يقرأ له حتى تهتز ثقتُه به وبما يقول، الأمر الذي ربما ينتهي بعزوفه عن متابعة كتاباته لاحقاً.
5) الجُمَلُ والتراكيب:
سواء كان النصُّ الصحفي خبراً أم مقالاً، يُستحسَنُ أن يُصاغَ بجمل قصيرة المبنى، لا تعقيدَ في صياغتها ولا كثيرَ مجاز، وذلك حرصاً على وضوح المعنى وسهولة الفهم، لضمان وصول مضمون النصِّ إلى القارئ وتأثيرِه فيه.. وحتى في المقالات التي تحتمل الجمل الطويلة، كالمقال التحليلي، أو تحتمل قدراً من الصور المجازية كالمقال الأدبي أو النقدي، يُستَحْسَن الحرصُ على عدم تعقيد الجمل بالطول المُفضي إلى تشتيت انتباه القارئ، أو تعقيدها بالمجاز المفضي إلى غموض معناها والتباسه..
6) الوصف:
الوصف من أهم وسائل إيضاح الفكرة أو الرأي، كما يُعَدُّ من وسائل تقديم المعلومات عن شخصية أو حَدَثٍ أو بلد ما، وما شابه.. وفي المقالات الأدبية، يُعَدُّ الوصف من وسائل تجميل النصِّ، خصوصاً إذا أحسنَ الكاتب ترصيعَه بألوان معتدلة من المجاز، لكنَّ لجوء الصحفي إلى الوصف يجب أن يكون بحذر، لأنَّ الإسهاب فيه يُضعِفُ النصَّ ويَتَحَوَّلُ إلى عبءٍ عليه، خصوصاً إذا لم يكن موظفاً توظيفاً ذكياً لخدمة ما فيه من أفكار وما يسعى إليه من أهداف، هذا فضلاً عن أن إطالة الوصف، حتى وإن كان جميلاً، قد تُصيبُ القارئ بالملل، وتدفعه إلى عدم متابعة القراءة.
وفي صياغة الخبر بشكل خاص، يُستحسَن تَجَنُّبُ الوصف ما أمكن، لأسباب عديدة من أبرزها احتمالُ اعتبارِه ابتعاداً عن الحيادية والموضوعية في نقل مضمون الخبر، وخصوصاً إذا كان سياسياً، وتفسيره بالتالي، على أنه محاولة غير مباشرة لاستمالة المُتَلَقِّي إلى اتجاه معين، وهو ما يعني مصادرة حريته في تكوين انطباعاته ومواقفه الخاصة عمَّا يسمع ويرى ويقرأ..