الموضوع: سعاد....
عرض مشاركة واحدة
قديم 17 / 07 / 2016, 41 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

سعاد....

ماذا أعجبك بسعاد؟
نفس السؤال سمعته منهم جميعا قبيل العرس ولم أجب..
سعاد.. سعاد.. سعاد... والأعين النادمة تحدق بذهول وإعجاب بالجثة المثقوبة الرأس.. إنهم لا يصدقون. أحقا ًهذه جثة سعاد؟
كان الصبي يلعب مع رفاقه، يتقاذفون بالحجارة.. قذف حجراً.. أصاب الحجر رأس جندي إسرائيلي .. شَجَّه.. هجم الجندي على الصبي، وراح يضربه بقسوة.. ثمَّ..
صرخ الضابط إلياهو بغطرسة:
- ما اسم هذه المرأة؟
أجابه صبيٌّ ألثغ بلهجة من يتحدى:
- (ثعاد)..
بنت ال .. مقطوعة من شجرة.. أرملة وبعمر أمه.. سحرته.. وسعاد تبتسم، تهز كتفيها باستهانة، ولا تقول شيئاً..
- أتكرهينهم يا سعاد؟
- معاذ الله.. من يكره أهله..؟
لم تفكر لحظة بأنَّ أمَّ الصبي كانت تحتقرها ولا تحبها.. اندفعت نحو الجندي، دفعته في صدره.. ضربها.. سبَّها.. سبَّته.. أنشبَتْ أظافرها في عنقه وخنقته.. كانت قوية كعشر رجال..
- تسلم إيدك يا سعاد..
وابتسمت سعاد وهي ترى العرفان يطفح من عيون جاراتها.. إنها ذات الابتسامة التي ما تزال عالقة بشفتيها اليابستين..
وإلياهو مازال يصرخ بحنق:
- زوجة من؟ بنت من؟ أخت من؟..
وسعاد صامتة والجميع صامتون..أدركها الجندي الآخر بعد فوات الأوان، فثقب مؤخرة رأسها برصاصة..
صرخَ إلياهو بيأس:
- تكلموا يا أولاد الكلب..
ثم أغمض عينيه بإعياء..
صمتٌ حاد.. والعيون حجارة.. تُحَمْلِقُ بوجه سعاد الصلب كالأرض التي أنبتتها.. وجه فلسطيني أصيل..
- أتحبني؟
وأتطلعُ في الوجوه الغاضبة وأبتسم..
- ومن لا يحبُّ سعاد؟
وابتسمت سعاد..
فتح إلياهو عينيه.. صوبهما نحو الحشد المحيط به كالحلقة، تهيأ لكي يصرخ من جديد.... لكن، تَجَمَّدَ الصوت في حلقه فجأة.. انفجر رعبٌ حاد في عينيه.. دمدم بخوف:
- سعاد.. كيف؟ يا إلهي، كلهم صاروا سعاد..
أحسَّ بساقَيه ترتخيان.. الدائرة البشرية المحيطة به بدأت تضيق وتضيق دون صوت..
صرخ..
سعاد تغادر جثتها وتنضم إلى الحشد.. تبتسم.. يعانقها الجميع بعيونهم..
إلياهو يصرخ.. ويصرخ.. ثمَّ بدأ يخفت الصراخ تدريجياً.. بينما استمرَّت الدائرةُ بالصغر.. وصارت تضيق أكثر فأكثر.. وأخيراً، اختفى صوت إلياهو تماماً..
نُشرت هذه القصة في صحيفة الجندي بتاريخ 1982/11/9

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس