رد: اقتراح....
أخي رشيد،
عدتُ إلى الرابط الذي أشرتَ إليه في ردِّك الأخير على اقتراحي، وقرأتُ مضمونه الذي كتبه الأستاذ مازن شما، ثم قائمة الأسماء المُدرَجَة فيه كأعضاء لرابطة نور الأدب، فوجدتُه مختلفاً عمَّا أرمي إليه وأقصد..
فذلك القسم مخصَّصٌ لرابطة تُسمى (رابطة نور الأدب)، الصلة الأقوى بين معظمهم أنهم أعضاء في موقع (نور الأدب)، ولكنهم من مشارب شتى، ويسعون إلى أهداف مختلفة لا تصدر كلها عن مبادئ مشتركة.. بالمقابل، ما قصدتُه في اقتراحي، وأظنُّ أنْ قد خانني التعبير الواضح عنه، هو السعي إلى تكوين ظاهرة أدبية لا رابطة أدبية، والبَون بين دلالَتَي هذين المصطلَحَين كبير شاسع..
ولكي لا أطيل، دعني أَقُلْ: لا يمكن تكوين ظاهرة أدبية أو نقدية أو فلسفية أو من أي لون معرفي آخر، بمجرد الإعلان عنها وعن مبادئ مُفترَضَةٍ لها، أو هكذا أنا أفهم الأمر حسب منظور اللامعقول الذي يفرض نفسه عليَّ أحياناً..، بل تتكوَّن الظاهرة الأدبية من التقاء أدباء جمعهم حبٌّ لاتجاه فكري معين أو إيمانهم بعقيدة مشترَكَة أو أيديولوجية ما أو مبدأ في اتجاه ما... وما شابه.. ووجدوا أنهم قادرون على خدمة ما أحبوه أو آمنوا به عن طريق إبداعاتهم أيّاً كان نوعها أو أسلوبها.. ثم أخذوا على أنفسهم مراجعة ما يكتبُه كلٌّ منهم ونقده شكلاً ومضموناً، قبل تقديمه للقارئ أو بعده.. ولا غضبَ أو تذمُّرَ من النقد مهما بدا جارحاً أو غير مُرْضٍ، إذا كان صادراً عن محبة وهادفاً إلى البناء لا الهدم، وإلى التطوير لا التثبيط..
ولا قواعدَ مًسبَقَة لممارسة هذا النقد، ولا قواعدَ مُسبَقة أيضاً لأساليب الإبداع وطُرقه، بل تجريب يعقبه نقد فتقويم يُفضي بعد دراسة تجارب كثيرة إلى استنباط ملامح مشتركة بين الكثير من النصوص تُتيح في النهاية وضع أركانٍ لظاهرة أدبية.. وخلال فترة التجريب هذه، للمشاركين في التجريب كلُّ الحرية في الإبداع والنقد شرط التعليل الذي يكون بدوره حصيلة نقاش طويل يمارس فيه المناقِشون ما يُشبه العصف الذهني..
ولكن كيف ستكون انطلاقة تجربة كهذه؟
في رأيي، ينبغي أن يتمَّ الانطلاق من محاولة الإجابة بصراحة عن السؤال الإشكالي التالي:
لماذا نُبدع، ولِمَن، وبأي شكل نحبِّذ إيصال إبداعنا إلى مُتلَقِّيه؟
فثمة من يبدع من أجل نفسه يريد لها الشهرة والمجد، أو يريد لها المال، أو المجد والمال معاً..
وثمة من يكتب لأنه يجد في الكتابة مُتنَفَّساً له من ضيق يُكابده..
وثمة من يكتب لنشر فكرة يؤمن بها أو عقيدة يريد نشرها أو أيديولوجية يعتنقها..
وثمة من يكتب حباً بفن الكتابة الذي يُمارسه لا غير..
وثمة أهداف ومنطلقات أخرى كثيرة.. ولذا يجب تحديد بواعث إبداعنا وأهدافه، تحديداً مبدئياً قابلاً للتغيير بفعل المناقشة الحرة..
وبالتأكيد، لن أدعو هنا إلى أيِّ اتجاه سياسي أو ديني أو أيديولوجي أو ما شابه، بل إلى التعبير عن فكرة أو مبدأ نتفق جميعاً على الإيمان به والقبول باتخاذه منطلقاً لتجربتنا.. كأن تكون هذه الفكرة الدفاع عن الإنسان وحريته في التعبير عن نفسه مثلاً، بغضِّ النظر عن انتمائه أو دينه أو عرقه أو لونه..
كما لا أُحبِّذ هنا التوجيه إلى اتخاذ نوع أدبي بعينه وعاء للتعبير عن هذا المبدأ، كالشعر مثلاً أو القصة أو غير ذلك من الأنواع الأدبية الأخرى، فكل الأنواع الأدبية سواء في الأهمية إذا كانت جيدة قادرة على إيصال المضمون للمتلقي والتأثير فيه.. أي على إمتاعه وإفادته في آن معاً..
هل وصلت الفكرة؟ أرجو ذلك، فإن لم تصل سأُعيد صياغتها بطريقة أخرى، لاعتقادي بأنَّ عدمَ وصولها هو ناتجُ قصور في قدرتي على التعبير وليس نتيجة سوء فهم أحد..
وفي الختام، أشكر لكَ اهتمامك أخي رشيد ويهمني رأيك كثيراً، والشكر موصول للدكتورة رجاء التي أظنُّ أنها قاربت في مداخلتها آنفاً فهمَ ما أردتُه..
|