رد: اقتراح....
السلام على جميع الأخوة أعضاء نور الأدب وزواره الكرام..
وأخصُّ أولئك الذين بادلوني الرأي في هذا الاقتراح الذي طرحتُه للمناقشة قبل عدة أيام، ثم توقَّفتْ مناقشتُه دون الوصول إلى اتفاق أو رأي يجعله موضع تنفيذ، ومازال نقاشُه متوقفاً على الرغم من بقائه معروضاً فترةً طويلة على شريط المواد التي ينصح الموقع بقراءتها، لتحفيز زوار الموقع الكرام إلى قراءتها وإبداء الرأي...
وإذا كنتُ أعود الآن إلى الحديث عن هذا الاقتراح، بعد انتظار طال، كما أتصور، لآراء أعضاء الموقع، فليست عودتي نِتاجَ رغبةٍ في فرضه عليهم أو إكراههم على مناقشته وهم عنه راغبون، بل نِتاج رغبتي في التعاون معهم على اتخاذ هذا الاقتراح مدخلاً إلى تكوين مجموعة متقاربة التطلعات والرؤى، فكرياً وأدبياً ونقدياً، يلتقي أفرادها تلقائياً في موقع واحد، يسمى (نور الأدب)، ويمكن أن يُثمر لقاؤهم، كما أتمنى، ظاهرةً لافتةً للانتباه، قد ننجح من خلالها أن نُؤدي، مجتمعين، خدمات وفوائد أكثر وأجلّ لقراء الموقع وزواره الكرام، وربما لغيرهم من قراء العربية إن استطعنا مستقبلاً..
في وهمي، إنها تجربة تستأهل التفكير وبذل الجهد لتنفيذها، لكنَّها ليست من النوع الذي يمكن أن يُنفِّذَه واحدٌ منَّا بمفرده، حتى وإن كَثُرتْ مهاراتُه وعَظُمَتْ قدراتُه.. وليقيني أنَّ بين أعضاء الموقع الكثير ممن يفوقونني قدرة وموهبة، ولا أقول هذا الكلام من باب التظاهر بالتواضع بل من قبيل الاعتراف بالحقيقة، فقد طمعتُ أن أجد من يعينني منهم على تجسيد رغبتي واقعاً، مستعيناً بهم على البدء بهذه التجربة والاستمرار فيها.
وفي الواقع، ولا أظنني أُذيع سرّاً ها هنا، حاولتُ الشروع بهذه التجربة دون الإعلان عنها، مُتَّبِعاً طريقة غير مباشرة تمثَّلَت في قيامي بمدِّ نَفَسِ الحوار بيني وبين من عَلَّقوا على ما نشرتُه من نصوص على اختلافها، وكذلك إطالة الحوار مع من ردوا على بعض تعليقاتي التي كتبتُها مُعبِّراً فيها عن رأيي بنصوصهم، فلَقِيَتْ محاولتي هذه بعض التجاوب اللطيف من قبل قلائل في الموقع، أخصُّ منهم الشاعر المبدع أخي محمد الصالح الجزائري والأديب المبدع الأستاذ رشيد الميموني والدكتورة رجاء بنحيدا والقاصة الأستاذة عروبة شنكان والقاصة الأستاذة عزة عامر وقلائل آخرون غيرهم..، لكن لم أُفلِح في اجتذاب المزيد إلى محاولتي هذه، كما لم أُفلح في تطويرها أكثر من ذلك، بدليل بقاء التعليقات على النصوص التي تُنشَر على الموقع، على نموذجها المعهود دون أي تغيير يُذكَر، أي بقيت التعليقات عليها عند حدود إبداء الإعجاب بالنص المنشور من واحد أو اثنين أو أكثر من أعضاء الموقع وإطراء مؤلف النص ومدحه، ليقوم هذا المؤلف بعد ذلك بالرد على تعليقاتهم شاكراً جهودهم في قراءة نصه ومادحاً رأيهم فيه، ثم يغيب النص بعد ذلك، مهما كانت درجة جودته وندرته وروعته، أو العكس، ولا يلبث أن يطويه النسيان، جيداً كان أم سيئاً، ويا دار ما دخلك شر..
وفي الواقع، راقبتُ طويلاً النصوص الإبداعية المنشورة في الموقع، على اختلاف أنواعها وألوانها، فتَبَيَّن لي، ولا أظن أحداً يُخالفني الرأي إذا قلت، أنَّها ليست على سوية واحدة من الإبداع والجودة، بل فيها ما هو رائع شكلاً ومضموناً، وفيها ما هو دون ذلك بكثير، وما هو بين بين، أما التعليقات عليها، وهنا المفاجأة، فإنها تكاد تكون ذات سوية، بل ذات نبرة واحدة تفيض كلها باستحسان النص المنشور، دون أي نقد له إيجابي أو سلبي، وكَيْلِ الكثير من ألوان المدح لمؤلفه وإسباغ صفات الإبداع عليه.. حتى لقد تهيَّأ لي أحياناً، وكأنَّ أعضاء الموقع حريصون جداً على عدم إيذاء مشاعر بعضهم، ولو بتوجيه النصيحة أو تنبيه أحدهم إلى خطأ نحوي أو إملائي وقع فيه سهواً فأساء إلى نصه الجميل..
ومع أنني أؤيد وبشدة، هذه الأخلاق الرفيعة إنسانياً في تعامل أعضاء الموقع مع بعضهم، إلا أنني أُفَضِّل، وفي ذات الوقت، توجيه الملاحظة لي من صديق يُنبهني إلى خطأ وقعتُ فيه، لأنَّ ذلك سيكون أَفْضَلَ ألف مرة من تَلَقِّي نفس الملاحظة على شكل صفعة من ناقد غريب أو من خصم..
أعلم أن كلامي هذا سيُؤذي البعض وسيُغضب بعضاً آخر، ولذلك أبادر إلى الاعتذار إلى هؤلاء وأولئك على ما قد أُسببه لهم من إزعاج.. وأخصُّ بالاعتذار كلَّ من يراني حشرياً يدسُّ أنفه في ما لا يعنيه، أو مَن يراني نرجسياً يحاول أن يظهر بمظهر الأعلم أو الأفضل أو المُوجِّه أو غير ذلك.. ولن ألوم أحداً على ما سيعتقده بي أياً كان اعتقاده، لكنني أقول صادقاً، ولكم ألا تصدقوني أيضاً، إنني أحببتُ هذا الموقع وأعضاءه، وأحببتُ طريقة تعاملهم الراقية مع بعضهم، وشعرت أن بينهم الكثير من أصحاب المواهب الرائعة القابلة للتطوير، وأن معظمهم يفوقونني موهبة وقدرة، كما ذكرتُ من قبل، ولهذا كله أحببتُ أن أستفيد منهم، فأستدرجهم إلى التعاون معي لكي أَكْبرَ بهم، وليأخذوا مني بعض القليل الذي عندي، وذلك عبر تطوير الكثير من أدوات تعاطينا مع بعضنا، قراءً وناقدين ومبدعين، ومن هذه الأدوات، وربما من أهمها في رأيي، تطوير أساليب التعليق على ما ننشره من نصوص..، وذلك بعدم الاكتفاء بمدح النص وصاحبه دون تعليل لهذا المديح، بل بإِتْباعِ مديحنا لكليهما بتعليل له يُقنع غيرنا من زوار الموقع..
في ضوء كل ما سبق، توهمتُ أنني إذا استطعتُ إقناع عدد من أفذاذ مبدعي موقع نور الأدب بإنشاء ركن هادئ صغير على هامش موقعهم هذا، يلتقون فيه معاً، يومياً أو أسبوعياً، ويتحدثون بحرية دون قيود اجتماعية أو خلقية أو من أي نوع آخر، ناقدين ما ينشرونه من أعمال، لا نقدَ هجوم أو تشويهٍ أو تجريح، بل نقداً بنَّاء يسعى إلى تطوير الأدوات الفنية لصاحب النص المنقود، كأن يطلبون منه فعل كذا ها هنا، أو تصويب جملة هناك، أو تغييراً في بناء هذا الجزء من النص، أو تغيير كلمة هنا وصورة هناك، ثم يبينون له أسباب هذه الطلبات ويعللونها ببساطة وصراحة غير مؤذية، أي دون انتقاص من شخصه أو من قدرته الإبداعية أو فنه، توهَّمتُ أنني لو اقنعتُ بعض أعضاء الموقع بدخول مثل هذه التجربة، فقد نستطيع من خلال تكرارنا لها مراراً وتَعَوّدِنا على تكرارها أن نُبلور ملامح تيار مُتميِّز، أدبياً ونقدياً وفكرياً، يتفق عليها معظمنا، ثم نبدأ بتطويرها معاً، على أمل أن نتمكن في النهاية من تشكيل ظاهرة أدبية ونقدية وفكرية متميزة في عالم كَثُرَ فيه الأدباء والنقاد والمفكرون ومواقع النشر الالكتروني والورقي، ولم يعد يمكن لأي مبدع أن يتميز بقدراته الفردية وحدها، في خضم المحيطات المتلاطمة لهذا العالم، بل لابدَّ له من أن يشدَّ عضده بأدباء ونقاد ومفكرين، أكثر قدرة وموهبة منه أو أقل، يجمعه وإياهم تيار واحد ذو سمات محددة وأهداف مشتركة..
مرة أخرى أراني أسارعُ إلى القول: إنَّ هذا الرأي لا يعدو كونه مجردَ رأي شخصي تماماً.. ومع أنَّ تجربتي قد علَّمتني أنه صحيح إلى حد بعيد، فإنني لا أسعى إلى فرضه على أحد، كما لا أحاول الترويج له وتسويقه، إذ ليس من طبعي الترويج لما أعتقد حتى وإن كان صحيحاً، بل أكتفي غالباً بعرض الرأي مرة أو اثنتين، ثم أتوقف تاركاً للآخرين اختياراتهم..
أعلم أنني قد أطلت وأثقلت، لكن عذري الذي عللتُ به إطالتي لنفسي وغلاظتي كذلك، أنني ربما لم أكن واضحاً في شروحي الماضية لهذا الاقتراح.. فقررتُ أن أعيد شرحه هنا لمرة أخيرة، فإن لم يجد قبولاً تركتُه ولن أعود إليه في هذا الموضع ثانية..
وأخيراً أرجو المعذرة..
|