الواحة الثالثة
رسالة الحب والسلام
جلى الصبحُ أقداحا مع الليل تسمرُ
كما الدَّهرُ حلـوَ العاشقيـن يمرر
تنبأتُ أنَّ الكـأسَ يبكي فـراقـهُ
فصرتُ أنـا والكأس للبدر نَجْهَرُ
يُذكِرُني بـدر الدُّجـى بهجيرهـا
وأذكُرهـا مـع كـل بدرٍ يُهَجَّرُ
كأنَّ الـدُّجى والكأسَ يُلهبنَ ذكرها
وفي الفجـرِ تخبـو نارنا وتُكدَّرُ
لليلى لَيالٍ لا يـغـيب وميضهـا
يُبعثـرُ فكـري قولُها حين أذكر
أتـاني بليلٍ طيفُـهـا فسألتـه
عن الوحش قالت: إنـه منك يكبر
رعشتُ فقالت: لا تخف من قدومه
بغير سيـوف الحقـدِ لا يتبختـرُ
تساءلتُ مـاذا تفعلين بجـوفـِه
فردت:أرى النسناس والموج يهدرُ
فقلتُ لها: هل من رجـوع اليهمـا
أجابـتْ بقـولٍ لا أعيـهِ يُحيِّرُ
أداوي جراحي في بـلاد بعيـدة؟
ولسـت بمجـروحٍ ولا اتَخَثَّرُ!!
أفقتُ وبـي ممـا تقـول غرابـةٌ
وهِمْـتُ مَليَّـاً انـزوي وأفسرُ
مضى زمن غابت وغاب وميضها
كأني أراني فـي الهـوى اتَقَهقرُ
تبدتْ فتاةٌ مثل ليلى فَـهـاجني
من الحسن والذكرى عبيرٌ معطرُ
أتتني ببعضِ الشعر كي أستسيغه
وفاضتْ بهاءً مـن جناهـا يُنثرُ
أتتْ بقريضٍ يُطـربُ المرأ وقعُهُ
على إثرهِ يبكي الحكيـم ويسحرُ
بكت حبهـا المدفونَ في الدهر ظلهُ
ولـم يبقَ إلا حلـوُ ذكـرٍ يُسعِّرُ
وأطلالها بحـرٌ و بـرٌ و روضةٌ
كأن هواها عن فـؤادي مُصوَّرُ
تغني لحيفـا تـارةً وبسحـرهـا
تخطُّ إلى النسناس ذكرى ستزهرُ
على وتـرِ الأحزان يعزف لحنهـا
ويعـزف للأحـزان لحنٌ مؤثرُ
صرختُ أيـا ليلى فجُـنَّ جنونهـا
كـأن جواهـا باسم ليلى مُسيَّرُ
" أُسَمَّى جِـراحٌ واسم ليلى يشدني
أراني أنـا ليلـى وحيفاي تذكرُ
أتتنـي بليـلٍ رؤيـةٌ بمنيتـي
علـى خنجرٍ فـي دينـهِ يتزفرُ
ولمَّـا رأيت الرَّبَ يرتـاع فعلـه
سألـتُ فأعطانـي سلاما يُعمِّرُ
فقـال: سـلامٌ للخليقـةِ كُـلِّـهـا
إذا مـا سيوف الحقدِ باتت تُشهّرُ
ومَـنْ يُمطرِ الأحقادَ في الدين مرَّةً
َيكُنْ غضبي أزرى عليه ويخسرُ
فلا فـرق عندي بين عيسى وأحمد
ولا جـرمَ إلا مـا يسئ ويكفرُ
فكونوا سلامـا يا عبادي بحبكـم
سلامـي كبحرٍ والمجيب سيبحرُ
وأنهـتْ حديثـا للسمـاء بقولها:
وأنـت بتبليـغِ العبـاد مُؤمَّـرُ "
سألت وحبي هـل تصونين عهدهُ
أجابتْ أليس الحب بالحـب يظهرُ؟
وَقَبَّلْتُها حتـى القبيـلاتُ أثمـرت
جَناهـا لذيـذٌ كـم يغـلُ ويثمـرُ
خَرَجْنا لنشر الحب في الناس هاجنا
وحوش كوحش البحر بل هي أحقرُ
يَقودهمُ الـوحشُ الذي احتلَّ حيفتي
وجمعٌ عظيمٌ فـي رضـاه يفاخرُ
نظـرتُ إلى الجمع العظيم إذا به
أصمٌ ولا يـدري إلـى أيـن ينظرُ
علمتُ بـأن الوحشَ يسحرُ لبَّهـم
وهـم كرقيـقٍ عنده وهـو أكبرُ
تَـقـدَّمَ منا الـوحـش حتى رأيته
كطـودٍ بصحراء به الأرض تزورُ
فؤادي بكـل الـرعب يملأ كأسَه
وفي العين من هول المصيبة أعسرُ
دعـا جمعَهُ حتى يروا معجزاته
وأوحى إلى ليلى بصوت يزمجرُ
كفرتم وأصغيتم لمن هـو كـافرٌ
فقلتُ: وكيف الكفرُ بالكفر يغدرُ؟!
ألستَ بسحرِ الناس تعلو وتعتلي
وفي خندق الأحقاد تزهو وتزخرُ
فأخـرجَ مـن عينيه نارا غزيرةً
وقالَ انظروا ليلى وكيف سَتُقْهَرُ
جراحٌ بنار الوحش يحرق جسمها
وجمعٌ مـن الوحش العظيـم يكبرُ
وجسمي من الرعب الجسيم مهلهل
أنادي على ليلى وليلاي تُصهرُ
أجـابتْ: تقدمْ لا تخفْ فحريقـهُ
كمـاءٍ زُلالٍ فيـه سوف تُطهَّرُ
خلـودٌ ببر الحـبِّ يرقبُ زورقي
يداوي جـراح الحقدِ والحبَ ينصرُ
سألت: وحيفـا والحنين لـروضنا
وأنَّى لنـا وادٍ من العشقِ أخضرُ؟
لحيفا سبيلٌ إنني فيه مـركـبٌ
ولا غير ركبي نحو حيفا سيبحرُ
فحطمْ سهـام الموتِ بالموتِ مقدما
ترى الخلدَ سيفا باسم حيفا يُشهرُ
ولا تمتشقْ سيفـاً يُسمى بغيرهـا
تـداوي جراحـا فيـك ثم تُحَرَّرُ
فكونوا سلامـا يـا عبادي بحبكم
سلامي كبحـر والمجيب سيبحرُ
انتهى