رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
أسعدَ الله مساء الجميع، وأعتذر عن التأخر بالنشر إلى الآن، إذ لم أحسم أمري بالنسبة لنشر ما ستطالعونه الآن إلا قبل دقائق فقط..
لعل من المفارقات الغرائبية التي تُثير الكثير من الدهشة أن يبدأ تعارفُنا، أنا وبهلول، عن طريق الانترنت، على الرغم من أنَّ معرفةَ كلينا بعالم الانترنت أقرب إلى معرفة اللَّحام بجراحة الأعصاب..
كان ذلك في أواخر العام الأخير من القرن الماضي.. عندما وجدتُ بين الرسائل الواردة إلى بريدي الالكتروني رسالة لا أعرف صاحبها.. وحين فتحتُها عرفتُ أنها ليست لي بل لأخي طلعت سقيرق بوصفه مدير الموقع الالكتروني الذي أسسه آنذاك باسم (أوراق 99) خلفاً لموقع (العنقاء) الذي أسستُه مع طلعت أيضاً قبل ذلك، وأَغْلَقَه لنا أدعياءُ الحرية والديموقراطية في أوروبا والولايات المتحدة، لأننا حاولنا من خلال المواد التي كنا ننشرُها فيه، باللغتين العربية والإنكليزية، تغييرَ الصورة النمطية السلبية للإنسان المسلم عموماً والعربي خصوصاً، وتقديمه في صورته الحقيقية المغايرة لتلك النمطية تماماً.
أمَّا سبب وجود رسالة بهلول في بريدي لا في بريد طلعت، فكان وجود عنوان بريدي إلى جانب عنوان بريده على صفحة موقع (أوراق 99)، دون أن يعرف غالبية المُرسِلِين أن هذا العنوان لي وذاك لطلعت..
على أيِّ حال، ما إن شرعتُ في قراءة رسالة بهلول حتى أغربت في الضحك، لخفة دم كاتبها وغرابة أسلوبه في الحديث عن الموضوعات التي تَطَرَّق إليها في تلك الرسالة التي وعدني، البارحة، بإعادة نشرها في (نور الأدب) إن حظيَ بالعمل مديراً لمقهاه النقدي..
ولكن ماذا سأكتبُ عنك يا بهلول، وكيف تُريدُني أن أُقدِّمَك لأعضاء الموقع؟
للإجابة عن هذا السؤال، سَهَّرني السيد بهلول البارحة إلى ما قبيل الفجر بقليل، وهو يحادثني حول الطريقة المثلى، في رأيه طبعاً، لتقديمه إلى أعضاء (نور الأدب) ومديرته السيدة هدى الخطيب.. ولم يتركني إلا بعد عودتنا معاً من صلاة الفجر في الجامع، ورؤيتِه لي كيف أدَّيتُها وأنا شبه نائم.
في البداية، رجاني ألا آتي على ذكر هيئته الخارجية، خشيةَ أن يظن به أعضاء الموقع الظنون، ثم تراجع عن طلبه هذا بحجة أنهم لابد سيعرفون، حين يرونه مستقبلاً، ما يريدُ أن يخفيه عنهم الآن..
ثم تردَّد كثيراً في السماح لي بالحديث عمَّا كانت عليه حياتُه قبل أن يَتَبَهْلَلَ.. وانتهى نقاشنا لهذا الجانب إلى ترجيح رأيه بأنَّ من الأفضل قيامه بالحديث عن تلك الفترة من حياته، بنفسه وبأسلوبه..
عند ذلك، قلتُ له: لم تترك لي سوى تقديمك لهم بوصفك بهلول الذي عرفتُه عن طريق صندوق بريد المرحوم طلعت.
فأجاب موافقاً: نعم.. لكن بشرط أن توافق على كل التعديلات التي أطلب منك إجراءها على ما تقوله عني..
بعد موافقتي على طلبه هذا، بدأتُ، في نحو العاشرة ليلاً، أكتب ما سمح لي بنشره عنه في هذا الموقع، ولم ننتهِ إلَّا قُبيل الفجر، كما سبقت الإشارة، لكثرة ما أجرى من تعديلات على ما أوردتُه في السيرة الموجزة لسيادته، حتى رضيَ عن صيغتها النهائية التي مَلَأَتْ ثلاثَ صفحات كبيرة، تركناها في البيت لنقرأَها مرةً أخيرة، قبل أن ننشرَها في الموقع، بعد عودتنا من صلاة الفجر..
لكن، وبعد هذا التعب الذي جَرَّعْنِيه السيد بهلول، كأساً تلو كأس طيلة الليل، إذا به يُمسكُ أوراق سيرته ويمزِّقُها، حالَ انتهائي من إعادة قراءتها عليه، ثم يلتفتُ إليَّ مُعلِّلاً فِعلَتَه الشنعاء تلك بقوله:
- سامحني يا معلمي.. لم تُعجبني.. شعرتُ وأنتَ تقرأها لي، كأنك تقرأ سيرة أحد آخر غيري، وليس سيرتي..
ومع كل ما اشتُهرِتُ به من قدرة على كظم الغيظ، لم أتمالك نفسي من الصياح به غاضباً:
- ماذا تقول؟ لم تُعجبْكَ؟! والله لستَ أنتَ البهلول بل أنا الذي قَلَّلْتُ عقلي وطاوعتُك ساهراً طيلة الليل لأُقدِّمَك في أفضل صورة ممكنة لأعضاء الموقع.. اللعنة على..
وقبل أن تصل لعنتي إلى حيث أردتُ إرسالها، وضع بهلول كفَّه الكبيرة على فمي بلطف، وهو يرجوني قائلاً:
- أرجوك يا معلمي لا تلعن.. ما حلوة بحقك، وأنتَ الرجل الرزين العاقل..
تراجعَ غضبي قليلاً وأنا أرى في عينيه نظرات أسف حقيقي وخجل لم تستطع غَسْلَهُما الدمعتان اللتان تَحَدَّرَتا على خدَّيه بصمت.. وفي الواقع رَقَقْتُ له.. وما إن شعرتُ بعودة الهدوء إلى أعصابي، حتى سألتُه:
- لماذا مَزَّقْتَ الأوراق يا بهلول؟ لقد رسمتُ لكَ فيها صورةً غاية في الروعة..
- لأنَّني شعرتُ أنَّ تلك الصورة الرائعة التي رسمتَها لي برغبتي ليست صورتي.. ومادامت كذلك فكيف أُقَدِّمُها لمَن أريد العمل عندهم مديراً لمقهى نقدي غايتُه ممارسة الصدق في النقد؟! أيْ ممارسة التعليق على النصوص الإبداعية دون تَحَيُّز لأصحابها أو ضدهم؟.. أيْ قول الحق دون مواربة ولا تحوير ولا تزوير..؟!
ثم أضاف وهو يرمي ببصره على الأرض، حياءً مني:
- أليس حراماً يا معلمي أن أحاولَ بالكذب الحصول على منصب المدير لمقهى يريد زوَّرُاه التعبيرَ عن آرائهم فيما يقرؤونه بصدق؟! والله يا معلمي ما استطعتُ أن أهضم أن أغشهم..
أمام موقفه هذا الذي عبَّر عنه بكلماته البسيطة السابقة، وقفتُ حائراً مُشتَّتاً بين مشاعر متناقضة آلمتني مداهمتُها لي في آنٍ معاً، فلم أدرِ ما أقولُ له.. ولذلك طال صمتي بقدر طول معاناتي للتناقض بين إحساسي باحترام موقفه النبيل وخجلي من قبولي أصلاً لتعديل صورته، بقصدِ مساعدته في الحصول على إدارة مقهى النقد في الموقع.. لَكَمْ تمنيتُ لو أنَّني كنتُ البادئ برفض تزوير الحقيقة وليس المذعن لرفضه تزويرها.. لكن ما حصل قد حصل.. وكانت النتيجة هكذا أفضل..
عن أي نتيجة تراني أتحدث الآن؟
قصدتُ النتيجة التي انتهينا إليها في ختام سهرة البارحة ، والتي يُمكنُ تلخيصها بالكلمات التالية:
- سيُقدِّمَ بهلول لمحة سريعة عن نفسه غداً، واعداً بالحديث عن نفسه قبل البَهْلَلَة وبعدها، ابتداء من استلامه العمل في المقهى الذي اقترح تعديل تسميته إلى (مقهى الدردشة النقدية).
- يقترح بهلول أن يتمَّ افتتاح منتدى خاص بالمقهى في أي مكان على الموقع..
- لكي يُجَنِّبَني الإحراج والتعب معه بنشر كتاباته عن طريقي، يرجو بهلول منحَه صفةَ عضو في الموقع، ليكون بقدرته بعد ذلك نشر ما يريد والتعليق على ما يريد بنفسه لا من خلالي...
- أخيراً، يرجو بهلول من كلِّ الذين شعروا أنَّه أضاع وقتهم بقراءة مجريات الليلة الماضية وحيثياتها الكثيرة أن يقبلوا اعتذاره، ويعِدُهم إن عذروه أن يُعوِّضَهم عمَّا أضاعه من وقتهم الثمين بأجمل الأمسيات والجلسات في المقهى، وعلى حسابه..
|