01 / 09 / 2016, 00 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي
|
الوشم
الوشم
[align=justify]بانت خلف تلة مذعورة متوجسة شره.. وبان ضخم القامة.. لاهتا ينفخ الريح بقوة من شدق متدلي.. كانت تسرع مندفعة وسط سنابل القمح الذهبية؛ التي يشي انحناؤها وحسيسها على وقع الهاربة؛ بإغراء المنجل على الحصاد.. انتصب أعلى التلة متربصا بها.. يدير سهم بصره الحاد حول القرية الهادئة.. لم يجد لها أثر.. ركز نظره على الحقل .. قاده رقص السنابل على دقات قلبها المتسارعة.. ورعشات جسدها المتواترة إلى حيث هي.. كانت قاب قوسين من نهاية الحقل وبلوغ الديار.. لم يسعفها صراخها بصوت بح نتيجة الخوف.. ورغم ذلك لم يضعف جهدها في التخلص منه؛ لولا خطاه الطويلة التي بدت قفزا على المسافة الفاصلة بينهما حتى أدرك موقعها.. انقض عليها بهمجية الجاهلية.. أطبق على أنفاسها حتى خارت قواها.. وحمل جسدها النحيل في كيس على ظهره.. يطوي الطريق وسط غياهب غابة على حد البصر بسرعة مدهشة.. كطير كاسر يحمل غنيمة تكفيه عما سواها.. يشبع بها جوعه.. ولم يلتفت قاصدا دياره..
مرت الأيام.. توالت الشهور.. طويت السنين ولم يعثر لها على أثر. تلاشت الجهود في البحث عن الغائبة.. وظن الجميع أنها وقعت فريسة للذئاب.. كفت دموع أقربائها.. وانهمرت مآقي أبويها مشكلا سيلانها خريطة.. مفتاحها حزن ارتسم بكل الألوان على محياهما.. كيف لا والغائبة حاضرة تحت الضلع..
ذات ربيع رحل الأب على غير عادته إلى معرض كان يقام بسوق عام.. تحضره كل القبائل .. ليبيع إبداع زوجته من زرابي وألحفة وأغطية صوفية.. لفت نظر ״صابر״ اسم ״عائدة״ مطرز مستهل إحدى القطع الفنية المعروضة للبيع.. حرك فضوله للإحاطة بدقائق محتواها.. جحضت عيناه حين تبين تحته رسما لوشم خاص.. تتزين به نساء قبيلته دون غيرها من نساء القبائل الأخرى.. فرك عيناه.. تفاديا للشك المعطب لليقين.. وتثبيتا لما رأته عيناه أعاد تتبع الرسم الذي أخفت صاحبته معالمه بلون خافت وسط ألوان زاهية..
انجلت معالم الحزن وارتسمت الدهشة على وجهه.. تابع بنظره الثاقب مسار الخيط الباهت الذي يشكل طريقا منعرجة.. تحادي هضابا متقنة الرسم والتلوين بشكل جعله يتوهم أنها تنطق.. لتدله عند آخر غزرة من المسار؛ على بيت تتوسط شرفته غادة.. بيدها باقة سنابل صفراء.. بابه اتخذ شكل فرد ״شربيل״ مطابق لآخر عثر عليه وسط الحقل بعد اختطاف ״عائدة״ يوم حصاد الذهبية.. إنه النعل الجميل الذي اشتراه لفلذة كبده آخر عيد في بيته.. والذي أحبته وحافظت عليه أكثر من كل ملابسها.. هو ذاته اكتمال لما تنطق به التحفة من معنى.. كادت فرحته تفضحه.. جلس القرفصاء من شدة الدهشة وهو يمسك بتلابيب الزربية.. ويتمعن من جديد في ما تحمله من رموز ودلالات.. وضع عمامته على رسم البيت وهو يتمتم:
- لا يمكن أن تكون هذه التحفة الفنية إلا من إبداع ذكي بدافع الخلاص.. لن تثقنه إلا عائدة بنتي المختطفة.[/align]
[align=justify][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|