06 / 09 / 2016, 18 : 04 PM
|
رقم المشاركة : [10]
|
كاتب نور أدبي ينشط
|
رد: أقلام الطريق
القلم الرابع [align=justify]"أنا متأكدة أنه هناك... أنا متأكدة أنه هناك... صدقوني لقد رأيته". انثنى البعض قسمين، وانكسرت ظهور البعض إلى الوراء، ووقف آخرون مشدوهين مع نظرة شفقة، وكلمات هامسة:
- صديقتنا العزيزة لا يمكن أن يكون هنا... مستحيل ذلك.... أنت في قارة وهو في قارة أخرى.... إنه والدك وليس جنيا... صحيح!!!
كثرت تعليقات أصدقاء الغربة ولم يقنعني أحد.
- أقسم أني رأيته. إنه أبي، وهو ليس كباقي الآباء.
عندما رسبت في السنة الأولى من التعليم الأساسي سجني أسبوعا كاملا في العلية المظلمة. كان يتسلل إلي بعض النور من الثقوب، وكانت أمي تسرب لي الطعام مع أخي الصغير بعد أن ينام أبي. وكانت الحشرات تؤنس وحدتي ليل نهار. وعندما غبت ساعة عن المنزل منشغلة باللعب مع ابنة [/align]الجيران التي كانت في الدرب القريب من دربنا، أخذت ضربا لم يأخذه أحد، ولم ينقدني إلا فقيه المسجد الذي سمع صراخي من الخارج. وعندما ضبط أبي ابن جيراننا يلوح لي بيده من السطح المقابل بينما أنشر الغسيل؛ كانت ليلته سوداء كشعر أمي. أذكر ذلك جيدا. تصيده في الليل وهو عائد إلى منزله، وعلقه من رجليه. كنت أعرف أنه سيسلخ جلده كخروف العيد. دخل والد ابن الجيران وتف في وجه ابنه. وقال لأبي : اذبح واسلخ. ارتعبت فرائصي. وتوجه الجميع إلى أبي يتوسل إليه. لم أتحرك من مكاني. كنت أعرف أنه سيقع لي ما سيقع لابن الجيران. فأنا شريكته في الجريمة. اقترب منه أبي، وقال له:" تغازل ابنتي...تدغدغ مشاعرها.... أرني مدى قدرتك على تحمل عواقب ذلك. "
أنزله أخواي والكل يرتعش. ورفعوا رجليه. وأخذ فلقة عمره. ضربه وضربه وضربه ، ولم يصدر المسكين صوتا.
وعندما ضبطني أبي مع طالب كنت أحبه. كانت يدانا ونظراتنا متشابكة. أمسكه من رقبته، لكنه انفلت منه، وركض وأنا أصيح وراءه : "لا تعد إلى منزلك، لا تذهب عند أصدقائك، غادر المدينة". نظر إلي أبي بنظرة كضربة خنجر. وقال: "تخافين عليه، ولا تخافين على نفسك. سينساك بعد قليل ولن يذكر وجودك أبدا. لو كان رجلا لثبت أمامي أيتها الساذجة ".
أعادني إلى المنزل. لم يضربني...لم يكلمني ...إنما أحرق هويتي وكل بطاقاتي. وهم أن يقطع اسمي من دفتر العائلة لولا أن اعترضه جدي التي استغاثت به أمي. لم أخرج بعدها من المنزل، ولم أعد أشاركهم الطعام، وحكم علي أبي أن أنام عند عتبة الباب، ولم أخرج من منزلنا لسنة كاملة. ضاعت السنة الدراسية، وظل أبي يناديني بعدها لمدة طويلة بالنكرة.
إن أبي ليس كباقي الآباء. كلما نظر إلي يفهم كل شيء عني، وأقسم أنه يقرأ أيضا ما أفكر فيه. وكلما خرجت من المنزل أعرف أنه يتعقبني. كنت أتلفت في البداية، وبعدها اعتدت على الأمر، وكنت أسير وأنا أعرف أن أبي خلفي في كل مكان. ويعرف ما أفعله. ويعرف ما أريد فعله.
نظر إلي الجميع بشفقة. لم يصدقني أحد. وحدي كنت أعرف أن أبي كان فعلا هناك يراقبني كعادته... لا أنكر أن بيننا مسافات طوال، لكن أبي ليس كباقي اٍلآباء؛ يستطيع أن يتعقبني ويراقبني في كل مكان.
حاولت أن أهاتف أختي الصغيرة لأسألها عنه، لكن تعذر علي ذلك؛ لذلك قررت أن أكتب إليها رسالة : "أختى العزيزة...." ."يا إلهي هذا القطر لا يريد أن يتوقف." "أختي الصغيرة العزيزة..." ."تبا لهذا القطر الذي لا يتوقف" ."أختي...". "سحقا لهذا المطر اللعين". وضعت هذا القلم الغريب جانبا، فمن الحكمة ،متى استصعب عليك أمر، أن يتصرف المرء بعقله لا بانفعاله. ووقع ما لم يكن في الحسبان: قفز القلم الغريب، ووقف على الورقة؛ وظل يكتب بإرادته الشخصية والكاملة كساحر خبير.
|
|
|
|