عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 10 / 2016, 44 : 02 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

في صفات المُرَبِّي المسلم... المقدمة..

[align=justify]ثمة كتابٌ ألَّفتُه، في وقتٍ مضى، ونشرَتْه لي جريدة (الدعوة الإسلامية) الليبية، مُفرَّقاً على شكل مقالات صغيرة، لكلٍّ منها عنوانها الخاص.. وقد لاقى نشرُه، في ذلك الوقت، قبولاً أغراني بإعادة نشره، في موقع (نور الأدب)، آملاً أن يُثمرَ نفعاً لكلِّ من يقرأه، وأن يحوز قبولاً مماثلاً لذاك الذي لاقاه، عند ظهوره أولَ مرة..[/align]

مقدمة
[align=justify]الحمد لله ربِّ العالمين، خالق الإنسان ومُربيه ومُلهمه سُبْلَ الخير والرشاد.. والصلاة والسلام على نبيه الأمي الذي فاق العلماء من قدامى ومحدثين،على الرغم من أُميته، فكان تَفَوُّقُه عليهم دليلاً آخر على صدق نبوته، وعلى أن ما جاء به من علم لم يكن من عنده، صلى الله عليه وسلم، بل كان وحياً من خالقه ومربيه، سبحانه وتعالى... أما بعد،
فيدرك أهميةَ البحث، في التربية، كلُّ أب وأم لهما أولاد يحرصان على مستقبلهم من الضياع، كما يدركه كلُّ باحث ذي وجدان ينظر بعين الإشفاق إلى ما يُعانيه الإنسان المعاصر من آلام التخبط في أوحال التمزُّق الناجم عن الصراع العنيف والمؤلم بين نداء الفطرة النقية وصراخ الأنانيات والشهوات الذي لا يكفُّ عن الانطلاق من كلِّ ما حوله، من دور اللهو ووسائله وأساليبه على اختلافها، في شتى أصقاع الأرض، ومن مختلف وسائل الإعلام المعاصرة، لاسيما المرئية منها، ومن المُرَبِّين الذين أضاعوا طريقَ الرشد، ببعدهم عن نهج الله، في تربيتهم للأجيال المعاصرة، فأضاعوا هذه الأجيال معهم..
لذا، وفي ضوء افتراض صحة هذه الرؤية، لا أرى البحث في موضوع التربية نوعاً من الترف الأكاديمي، بل حاجة ملحة يسعى كثيرون جداً منا لإشباعها...
وهنا قد يقول قائل: وما الذي يمكن أنْ يقالَ في موضوع التربية، بعدما أَشْبَعَهُ علماءُ النفس والاجتماع بحثاً، عبر مؤلفاتهم التي حوت تجاربهم الموصوفة بالعلمية والموضوعية، في هذا الميدان؟
وأَرُدُّ على هذا السؤال مباشرةً، بالقول:
على الرغم من الكثير الذي كُتب، في عصرنا تحديداً، عن تربية الأطفال، سواء من قبل علماء النفس أو علماء الاجتماع والتربية أو حتى علماء الدين، فإنَّ مما يُدهش فعلاً أن تزداد نسبة النتائج السلبية، على صعيد سلوكيات الناس في مجتمعاتنا المعاصرة؛ بل يمكن القول إنَّ التطورَ الوحيد الملحوظ، في هذا المجال، هو تسارع وتائر الانحدار السلوكي في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي يقطع بأنَّ أخطاء عديدة قد وقعت في بناء شخصية الإنسان المعاصر، وخصوصاً في تلك المرحلة التي يتفق الجميع على أنَّها المرحلة الأهم والأخطر في تحديد شكل مستقبله وطبيعة سلوكه، وأقصدُ مرحلةَ الطفولة التي يكون الإنسان فيها أشبه بالصفحة البيضاء المستعدة لاستقبال ما يخطُّه الكبارُ عليها، مع ملاحظة هامة جداً، وهي أنَّ ما يُكتَبُ على هذه الصفحة، في تلك المرحلة بالذات، يصعبُ محوه أو تعديله، بعد أنْ يتجاوزَ الإنسان مرحَلَتَي الطفولة والمراهقة، فضلاً عن كونه ذا تأثير مستمر، غالباً، في حياة المرء وسلوكياته إلى أنْ يخرج من عالم الأحياء.
وإذا كان الأمر على هذا النحو فعلاً، وانطلاقاً من الاعتقاد بصحة هذه الرؤية، فثمة أسئلة بالغة الأهمية تطرح نفسها على الباحث، فور ولوجه ميدانَ البحث في الشأن التربوي وأبعاده وتأثيراته، ومن أبرزها:[/align]

[align=justify]ما سرُّ هذا الإخفاق، في مجال تربية أطفالنا الذين هم رجال المستقبل ونساؤه؟ وما سرُّ هذه الهاوية التي تنحدر إليها سلوكيات الإنسان المعاصر بتسارع غريب ومخيف جداً نحو الرذيلة والجريمة والنفاق وما شابه من أمراض نفسية واجتماعية صعبة الشفاء؟ لقد تَعِبَ العلماء كثيراً، ولسنوات طويلة جداً، في البحث عن الأسلوب الأفضل في صنع الإنسان الأفضل، ولكن لماذا لم تُؤْتِ هذه الجهود ثمارها المرجوَّة، بل لماذا جاءت النتائج على نقيض المقدمات والتوقعات، في غالب الأحيان؟ أهو الخطأُ في تحديد طبيعة الموضوع التربوي، أم أنَّ الخطأَ كامنٌ في الوسائل المُقترَحَة لتجسيد الطموحات التربوية واقعاً، أم الخطأ في كلا الأمرين معاً؟ [/align]
[align=justify]قبل الشروع في محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، قد يكون من الضروري تقديم المثال التالي:
جميعنا، ودون استثناء، حين نشتري جهازاً حديثاً أو آلةً معقدة أو دواءً، فإنَّ أولَ ما نبحث عنه هو نشرة التعريف المُرفَقَة بما اشتريناه، والتي تدلُّنا على الطريقة المُثلى في تشغيل الجهاز أو الآلة، وعلى الطريقة المثلى في تناول الدواء واستطباباته؛ ولكم نبدو مقتنعين بأنَّ ما نفعله هو الصحيح في هذا المجال، إذ من الغباء أنْ نُحاول تشغيلَ ما اشتريناه أو استعمالَه وفق تصوراتنا، حتى لو كانت بعيدة عن تعليمات الجهة الصانعة أو مُخالفَةً لها؛ وهذا يعني، بالتالي، أنَّنا جميعاً نثقُ بتعليمات تلك الجهة، ولعلَّ مما يزيد ثقتَنا هذه ويُعززها، تلك الملحوظة التي نجدها في ختام أيِّ نشرةِ تعليمات مُرفقَةٍ بالجهاز أو الآلة، والتي تأتي بصيغة التحذير دائماً، وهي تقول لنا: إنَّ الجهة المصَنِّعَة ليست مسؤولة عن أيِّ عطل يصيب الجهاز نتيجة سوء الاستخدام...، أيْ نتيجة عدم التقيد بتعليمات الصانع. وبالتأكيد، فإنَّ أيّاً منا لا يجدُ غضاضةً أو حياء في الاعتراف للآخرين بأنَّه يَتَقَيَّدُ بتلك التعليمات، بل ربَّما يفخرُ بالتزامها أحياناً، لاعتقاده بأنَّها دليل على وعيه وتَحَضُّرِه.
بالمقابل، وعلى العكس من ذلك السلوك السليم إزاء ما نشتريه من أدوية أو أدوات وآلات، يسلكُ معظمُنا سلوكاً خاطئاً للغاية، حين يتعلَّق الأمر بحياته أو تصرفاته الشخصية تجاه نفسه والآخرين من حوله، وخصوصاً تجاه من يقعون في دائرة مسؤوليته؛ بل نراه يَفْخَرُ متباهياً بأنَّ سلوكَه، في هذا المجال، هو وليد تجربته الخاصة، أو وليد تجارب الآخرين، على الرغم من اعترافه الواضح بأنَّه ليس هو مَن صنعَ نفسه، ولا غيره من الذين اقتدى بهم أيضاً. وهذا حين نقارنه بالمثال الآنف، يُشبه، إلى حدٍّ بعيد، أنْ يَنْبِذَ أحدُنا نشرةَ التعليمات المُرفَقَة بالجهـاز أو الآلة التي اشــتراها، مُتنكراً لما وَرَدَ فيها من تعليمات وتحذيرات، ثم يحاولُ تشغيلَ ذلك الجهاز وفق مبدأ الصحِّ والخطأ مثلاً، مجازفاً باحتمال تَعَرُّضِ الجهاز الذي اشتراه للعطب. ويزداد الأمر سوءاً، إذا كنَّا نعلم أنَّ الخطأَ الأولَ في هذا الجهاز قد يكون الأخير، أي أنَّه من نوع الأخطاء غير القابلة للإصلاح.
إنَّ أبسطَ ما يُمكن أن يُوصَفَ به مثل هذا التصرف هو أنَّه غير حكيم؛ ويمكن أن نجازف بإطلاق كلمة جنون على قيام أحدنا، مثلاً، باستشارة أيِّ شخص لا خبرةَ له على الإطلاق بالجهاز الذي اشتراه في كيفية تشغيله، أو الاعتماد على رأيِ جارتنا العجوز في الدواء الذي سنُعطيه لابننا المريض، أو لأنفسنا، إذ قد يقود الرأيُ غير الخبير لتلك الجارة إلى الموت أحياناً.
تأسيساً على ما سبق، وانطلاقاً منه، يبدو من المؤكَّد في الموضوع التربوي، وكلِّ الموضوعات الأخرى ذات الصلة بالإنسان، وخصوصاً ببنائه النفسي، أنَّه لا يُجدي نفعاً الاستعانة بأيِّ خبرات أو تعليمات خارج نشرة تعليمات الصانع العظيم الذي أبدع هذا الإنسان؛ بل إنَّ الخروج عن هذه التعليمات يعني، في مُطلَق الأحوال، هلاكاً مُحَقَّقاً لمن خرج اختياراً، أو أُخرِج عنوةً أو تضليلاً؛ كما يعني هذا الخروج عذاباً وربَّما سلسلة من الآلام والمشاكل لا أولَ لها ولا آخر.
من هذه الزاوية المُحَدَّدَة في الرؤية، يُمكننا أنْ نضعَ أيدينا على البداية الصحيحة لمحاولة الإجابة عن التساؤلات المطروحة آنفا. وبتعبير أكثر اختصاراً وإيصالاً، يُمكنُ القول: إنَّ البُعْدَ عن منهج الخالق العظيم، في مجالات الحياة كلها، وفي مقدمتها المجال التربوي، تُعَدُّ السببَ الأهمَّ في ما تُعانيه مجتمعاتنا المعاصرة من آلام ومشاكل وأمراض لا تُحصى، يأتي في مقدمتها: فساد السلوكيات الشخصية والعامة وتدهورها، وما يستتبع ذلك كلّه من قلق وخوف على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة. وهذا ما أشار إليه الله سبحانه مُحذراً في قوله: { وَمَنْ أَعْرَضَ عن ذِكْرِي فإنَّ له معيشةً ضَنْكَا}؛ وذلك لأنَّه هو - كما يقول في كتابه العزيز أيضاً - الذي خلق الإنسان ويعلمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسه، وأنَّه أقربُ إليه من حبل الوريد، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ ونَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسُه ونحنُ أَقْرَبُ إليه من حبلِ الوريد}. (سورة ق/الآية 16). وبالتالي، فلا أحدَ، على وجه الأرض، بقادر على الادعاء أنَّه أَدْرَى بالطريقة المُثلى لبناء نفسية الإنسان وشخصيته، من صانعه نفسه سبحانه.
هذه الحقيقة المُتَوَلِّدَة عن الهمِّ التربوي، ومحاولة بيانها وشرحها، واتخاذها منطلقاً للدعوة إلى العودة لمنهج الله، في تربية أطفالنا، حرصاً منا على سعادتهم ومستقبلهم، كانت السبب في اختيار الحديث عن موضوع المربي المسلم والصفات الواجب توافرها فيه، ليكون محورَ هذا الكتاب.
وقد رأيتُ أنْ أجعلَ الحديث، في هذا الكتاب، يَتمَحْوَرُ حول هذه الصفات حصراً، انطلاقاً من اعتقادي بأنَّ بناء الإنسان المسؤول عن تربية الأجيال القادمة ليس أقلَّ أهمية من بناء هذه الأجيال نفسها، إن لم يأتِ في درجة أعلى من الأهمية؛ لأنَّ المنطق السليم يؤكِّد أنَّنا حين ننجحُ في إصلاح المربي، فإنَّنا ننجحُ، وبشكل تلقائي، في إصلاح من سيُربيهم، سواء كانوا أولاده أو طلابه أو أتباعه إلخ...
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس