قراءة في قصيدة (( كالشمعة الحمقاء )) للشاعر علاء زايد فارس
"الأسلوب يتغير كما يتغير نمط الوزن .. لكن المجاز باق كمبدأ الحياة في القصيدة ، وكمقياس رئيس لمجد الشاعر "1"
مما لاشك فيه ، أن الانغماس في العالم الشعري والسفر بين تفعيلاته ، يتطلب من القارئ أن يجيد فهم الكلمات الموزعة داخل القصيدة ، حتى يتوصل إلى فهم وتحليل ثنايا النص .
وأول ما أثار انتباهي وأنا أتصفح سطور هذه القصيدة - المختزلة - ، لغتها المباشرة الواقعيّة ،وطابعها الحسي الواضح ،الذي يعكس شفافية لذات شاعرة واعية جد ناضجة ، ترفض الذل والانصياع .. وتأبى الجحود والنكران .
وكيف لا!؟ وهاهو الشاعر يستهل قصيدته بأسلوب إنشائي طلبي،اسم فعل أمر "هيا- /احترق-"
مقترن بفعل أمر " احترق " هو طلب ، لا استعلاء فيه ، ولا إلزام بقدر ما يحمل بين طياته غرضا بلاغيا اقتضاه سياق المعنى ، يفيد الحسرة والألم!!
نعم ، هي حسرة من حرقة الانصياع التي يقابلها الجفاء والجحود ، ومن احتراق تقابله نظرة ازدراء واحتقار ..!
احترقْ .. احترقْ من أجلهم
كالشمعة الحمقاء ، "
تشبيه في بداية القصيدة بواسطة أداة وعلاقة مشابهة قريبة حققت العناصر المشتركة بين المشبه والمشبه به .
"احترق كالشمعة الحمقاء "
بلاغة في فعل الاحتراق، نقلت معاني الكلمات من مستوى التجريد إلى مستوى الإحساس ... ومن المعنى المفهومي إلى المعنى الانفعالي .!!
بلاغة ومبالغة في إضفاء صفة الحمق على الشمعة " الشمعة الحمقاء " لإبراز المعنى الموهوم إلى صورة الذوبان ..
بلاغة في تقديم المدركات المجردة في صور المدركات المحسوسة عن طريق الاستعارة والتي وردت في صيغة الفعل- طافت -.
"ذكراك طافت دون أن تجد المكانْ"
تأبى العقول بأن تكون لها مطارْ
هي صورة استعارية منحت دينامية مأساوية حين تخلت الذكرى عن مفهومها المجرد لتتحول إلى كائن يمارس فعل الطواف في اللامكان ...
وانزياح منح جرعة ألم إضافية ومستمرة حين أضحى فعل الاحتراق .. في الأسطر الشعرية الموالية .. حماقة وغباءً ولعنة ..
هيا احترق من أجلهم....
كالشمعةِ الحمقاءْ
لا تنتظر منهم ثناءْ
كن أحمقا.. واصل تألمك الغبي!
حتى الفناءْ
ومن منطلق الاحتراق والدعوة المشبعة بالسخرية اللاذعة والحسرة القاتلة تتداخل الأفعال الماضوية والحاضرة ، ليبقى فعل اللعنة هو الجزاء الأخير..
كي يلعنوك مجدداً بدل الظلامْ!
وليعلنوك أمير شرٍّ لا مثيل لهُ
ويلعنك الأنامْ !
لكن بين اللعنة الخاصة .. واللعنة العامة ، يبقى فعل " يعلنوك " منفتح الدلالة ، ينوء من ثقل اللعنتين معا .. ومن وجع الاحتراق !!!
د / رجاء بنحيدا - 19-10-2016
1-س د لويس : الصورة الشعرية تر : أ ن الجنابي -م ميري - س،ج،إبراهيم - دار الرشيد بغداد، 1982 ص 20
همسة جد خافتة .. "أحب أن تكثر من الانزياحات والصور الشعرية داخل قصائدك، لأنها تعمل على تغيير طبيعة ونمط المعنى وتحد من مباشريته، وتساعد على الانتقال من المعنى المفهومي إلى المعنى الانفعالي "
********************************************
القصيدة : كالشمعة الحمقاء!
بقلم علاء زايد فارس
هيا احترق من أجلهم....
كالشمعةِ الحمقاءْ
لا تنتظر منهم ثناءْ
كن أحمقَ.. واصل تألمك الغبي!
حتى الفناءْ
هم يعشقون الطيبينْ
هم يجعلون حطامهم درجاً لهم نحو السماءْ
هيا احترق من أجلهمْ ...
حتى إذا ما جاءهم نصرٌ كبيرْ
أخذوا بقاياك الحزينةْ
ورموك خلف ظهورهم دون انتظارْ
ذكراك طافت دون أن تجد المكانْ
تأبى العقول بأن تكون لها مطارْ
ونسوك نسياناً مبيناً في دفاترهم وقالوا:
إن احتراقك أجَّلَ النصر المؤخَّرْ!
إن الضياء مصيبةٌ تعمي البصائر والعيونْ!
هيا احترق من أجلهم كالشمعة الحمقاءْ..
كي يلعنوك مجدداً بدل الظلامْ!
وليعلنوك أمير شرٍّ لا مثيل لهُ
ويلعنك الأنامْ !
م. علاء زايد فارس
4/ 3/ 2014م
*************************************************
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|