يُوصَف الأدبان الصهيوني والإسرائيلي تحديداً، بأنَّهما أدبان وظيفيان، فهل تُؤمن بوظيفية الأدب عموماً، أم تراها مُقيِّدةً لإبداع الأديب بتلك القيود التي يُلخِّصها مُصطلح (الالتزام)؟ وهل ترى الأدب الفلسطيني، قديمه والجديد، أدباً وظيفياً، أم لا؟ وإذا كان وظيفياً، فماذا كانت وظيفته الرئيسة، وماذا كان هدفها الرئيس، ومن هم أشهر رموزه الذين وظَّفوا مواهبهم لتحقيق هذا الهدف، وهل نجحوا في الوصول إليه؟
عندي نظرية غريبة قليلاً ، وربما لن يتفق معي إلا القليل وهذه الفكرة أن الصهيونية ليست يهودية فقط ، بل هناك الصهيونية العالمية بشقيها المسيحي والإسلامي ، وهنا أحب أن أنوه أن الصهيونية كفكرة بناء الهيكل المزعوم تعمل بدأب على صهينة كل شيء , وبما أن الأدب الصهيوني جزءً من حركتها فأنا أرى هنا أن الأدب الصهيوني أوضح من الأدب الإسرائيلي من ناحية التزامه سواء اقتنعنا بفكرتي أو لم نقتنع ، لأن الصهيوني ملتزم بطبعه وبقضيته لأقصى الدرجات، وأما الأدب الإسرائيلي فأعتقد أن به من يحلّق خارج السرب ولو بشكل خجول أو دعائي .
بطبيعة الحال الملتزم عادة لا يجد التزامه تقيّداً له ، بل على العكس تماماً ، فالتزامه دفع له للإمام ويزيده من جرعات الإبداع، أيّاً كان هذا الالتزام .
وبالنسبة للأدب الفلسطيني فهو أدب ملتزم بقضيته ، وإن وجدنا شخصاً ما ، فلسطيني غير ملتزم بقضيته غالباً ما يفاجئ المتلقي عندما يعلم بجنسيته ، طبعا ًمثل هذا الأمر نشاهده كثيراً من خلال شخصيات تجارية وفنية ونادراً ما نجده في الوسط الثقافي بكل تنويعاته.
طبعا ًاختلف التزام ومعناه حسب المرحلة ( التصاعدية لحركة النضال الفلسطيني ) فمثلاً قبل انطلاق الثورة الفلسطينية بال65 كان الشاعر أبو سلمى شاعر المرحلة وشاعر الحنين ( داري التي أغفت على ربوة ....) وبعد انطلاق الثورة بدأنا نسمع بشعراء الأرض المحتلة ، وظهرت في لبنان دار العودة التي تبنت قضايا الالتزام ...
اختلف الالتزام بالقضية حسب مناخ الملتزم بين فكر قومي عربي وفكر وطني فلسطيني واسلامي فيما بعد...
بالنسبة لي أرى محمود درويش وسميح شقير وعز الدين المناصرة ومريد البرغوثي وطلعت سقيرق وآخرون كثر هم شعراء التزموا بقضيتهم.
وهنا أحيّ روح الشاعر السوري محمد الماغوط الذي اعتبره في كل ما أبدعه من شعر ونثر ومسرح قد التزم بالقضية الفلسطينية ...
أيضا ًيخطر على بالي ادوارد سعيد ابن القدس الفلسطيني المسيحي المميز ، استطاع ادوارد سعيد أن يوصل كل مايريد لقارئه الإنكليزي ونجح بذلك وكذلك محمود درويش فقصائده ترجمت للغات عدّة من بينها العبرية ...
نعلم جميعاً أن الحركة النضالية الفلسطينية قد انقسمت، منذ ظهور حركة حماس، إلى قسمين كبيرين مختلفين، قسم إسلامي الطابع والهوية، وقسم لا أقول إنه علماني مائة بالمائة، ولكن أتباعه يفضلون الفصل بين الدين والنضال الوطني، وسؤالي هنا: هل يُوجَد أدب فلسطيني إسلامي وظيفي أيضاً، وما هي أهم أهدافه إن كان موجوداً؟
دائما ًكان السعي لتقسيم الحركة النضالية للشعب الفلسطيني إلى قسمين ، قبل ظهور حماس بكثير ...
في هبة البراق بعشرينيات القرن الماضي وبثورة ال36 وحركة القسام قُسم الفلسطينيون بمن مع الكفاح ومن مع النضال السلمي والثقة بالبريطانيين ، وقبل النكبة نشأ صراع بين عائلة النشاشيبي والحسيني ..
وأيضاً عندما تشكلت حكومة عموم فلسطين والتي لم يكتب لها النجاح لرفض العائلات النافذة بالضفة لها وانضمامها فيما بعد للأردن....
لذلك عندما انطلقت الثورة الفلسطينية كان المؤسسون الأوائل منتبهون لهذه المعضلة وبدأ الصدام مع القيادة القديمة التي تمثل الحكومات العربية وهي قيادة أحمد الشقيري واستطاعوا الاستيلاء على المنظمة وصار ياسر عرفات رئيساً ل م . ت . ف إضافة لرئاسة فتح .
ورغم الانتباه لهذه المعضلة ومحاولة تجاوزها وذلك بتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس الثوري الذي يضم ممثلين عن كل الفصائل التي تقوم بالعمل الفدائي فقد كان الشرخ واضحاً بين فتح والجبهة الشعبية .
وعند بدء ثورة أطفال الحجارة ظهرت حماس من رحم الإخوان المسلمين وكان للشيخ أحمد ياسين الذي أطلق الحركة وهج خاص لدى أتباعه وعموم الشعب الفلسطيني ورغم التنافس بين المنظمة وحماس فقد كان لشخص ياسر عرفات وأحمد ياسين في جعل هذا التنافس ايجابي ومثمر وأدى لما يشبه السباق نحو الحرية...
لكن رحيل أحمد ياسين ومن ثم أبو عمار ورثهم أناس أضاعوا وباعوا وضيعونا وضاعوا....
فانقسمت البلاد والثورة وصرنا إلى ما نحن فيه ...
لا يوجد أدب فلسطيني إسلامي يوجد أدب فلسطيني متنوع ومتدرج ومهما اختلف الانتماء السياسي التنوع خير وليس شر ...
الشر ما نراه الآن من محاولة دياثة الكل حول قضايانا والهروب إلى وحل الهزيمة ...
ما نراه الآن ليس أدبا ًولا فناً ، إنما أبواق تصدح للسلطان .... ويا ليتهم سلاطين هم أشباه سلطات في رام الله وفي غزة ....
هل تُؤيِّد الاطلاع على أدب العدو، بمختلف أجناسه وألوانه، أم ترى في الدعوة إلى الاطلاع عليه محاولة غير مباشرة للتطبيع معه، كما يعتقد كثيرون، ولماذا؟ وهل ترى أن التعايش القسري بين أدباء الأرض المحتلة والعدو الإسرائيلي أَثَّرَ على أدبهم وأثراه أم فعل العكس؟
أقولها بكل ثقة طبعاً ....
أين التطبيع عندما أعرف عدوي ، وكيف أعرفه إن لم اطلع على أدبه وفنه واعلامه وأقواله وأكاذيبه...
كيف سأفضح سرقته لتراثي إن لم أغربله وأنقبه وأعريه...
وكيف سأفعل كل ذلك إن لم أطلع على أدبه وفنونه من قبلنا لا من قبل اعلامه الموجه بالعربية ...
التطبيع أن تخلق علاقات طبيعية مع كيان أخر بشكل اجباري وهي علاقات غير طبيعية ، مثل ما يحدث الآن مع أكثر الدول العربية ...
التطبيع أن يكون للوليد بن طلال فنادق في تل أبيب مثلاُ
التطبيع اتفاقية الغاز مع الأردن وووو....
أن أعرف عدوي ليس تطبيع بل هو واجب وطني وديني وأخلاقي
بالنسبة لي فإن كل من هو في الأرض المحتلة مضطر للتعامل مع العدو شاء أم أبى ويبقى نوع التعامل وطريقته ، ولا أعتبرهم بعملهم هذا يطبعون مع العدو ...
لكن هناك العملاء وهذه قصة أخرى ، طبعا ًأتحدث عن شعبنا في ال48ولم أقصد أهلنا في الضفة أو غزة ....
طبعا ًالاحتكاك والمعاناة والصمود هو الذي شكل البيئة لأدب الأرض المحتلة ...
تخيل توفيق زيّاد لو كان خارج أرض المحتلة هل كنا سنسمع بقصيدة أناديكم...
وفي النهاية أشكرك ولو أن للحديث بقية كما وعدتنا ...