عرض مشاركة واحدة
قديم 30 / 10 / 2016, 08 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

راهن العالم الإسلامي/الفصل 3/تكاملُ الثقافات في العالم الإسلامي أم صراعُها؟

تمهيد
[align=justify]رأيتُ أن يليَ الحديثُ عن الحال الثقافية لمسلمي العالم الإسلامي المعاصر الحديثَ عن معتقداتهم مباشرةً:
أولاً، لقناعتي بأنَّ الثقافة هي الحضارة، وبالتالي، فالمستوى الثقافي لأي أمة مؤشرٌ دقيقُ الدلالة على مستواها الحضاري، والمكانة التي يؤهلها هذا المستوى لتبوُّئها، بين الأمم الأخرى السابقة لها والمعاصرة.
ثانياً، لقناعتي بأنَّ تخلُّفَ ثقافة أيِّ أمة وضعفَها، هما أساس تخلفها وضعفها في سائر الميادين الحياتية، والعكس بالعكس.
ولعلَّ مما يعزِّز الاعتقاد بصحة هاتين القناعتين، اتساعُ الساحة الدلالية لمصطلح ثقافة الذي يكاد يشمل كل ما يتصل بحياة المجتمعات الإنسانية من قيم وأعراف وعادات وتقاليد وأخلاق، وما يؤمن به أفرادها من معتقدات، وما ينطقونه من لغات، وما يتوارثونه من حكم وأمثال، وما يبدعونه في مجال الفن التعبيري من أدب وموسيقى ورقص ورسم ونحت، وفي المجال الفكري من علوم وفلسفات وأيديولوجيات ونظريات. هذا فضلاً عن دخول مصطلح (ثقافة) مؤخراً، في ميادين حياتية أخرى كثيرة، نظراً لما يتضمَّنه من دلالات على سائر الفعاليات التي تنتظم وتُنظِّم مُختَلَف النشاطات البشـرية وتُحدِّد طبيعة كلٍّ منها ومستواه، الأمر الذي نتجَ عنه جملةُ مصطلحات فرعية جديدة من مثل: الثقافة الاقتصادية، الثقافة السياسية، الثقافة الإعلامية، ثقافة الحرب وثقافة السلام، ثقافة العولمة وثقافة الحفاظ على الخصوصية القومية، ثقافة الانفتاح على الآخر وثقافة التقوقع على الذات، ثقافة الأصالة وثقافة التبعية أو ثقافة الإبداع وثقافة الاتباع، ثقافة السلف وثقافة الحاضر وثقافة المستقبل، ثقافة الجمود وثقافة التطور والتجديد، ثقافة الروح وثقافة المادة، ثقافة الغرب وثقافة الشـرق، ثقافة البداوة وثقافة الريف وثقافة الحاضرة... ورُبَّما ليس من المبالغة القول أنَّه قد صار لكلِّ نشاط إنساني وما يجسده على أرض الواقع من سلوكيات ثقافته الخاصة، فثمة ثقافة للصدق وأخرى للكذب، وثقافة للنفاق وأخرى للاستقامة والإخلاص، وثقافة للاستسلام والهزيمة وأخرى للمقاومة والنصـر، وثقافة للتفاؤل وثانية للتشاؤم، وغير ذلك من مصطلحات أخرى كثيرة استجدت وشملت حتى الطبخ والأزياء اللذين صار لكلٍّ منهما ثقافته الخاصة أيضاً. وهذا كله يعني، في المحصلة، أَنَّ وَصْفَ أيِّ أمةٍ بأنها راقية متقدِّمةٌ وقويةٌ ثقافياً، صار يتضمَّنُ الإشارةَ إلى رقيِّها الحضاري وتقدمها وقوتها، في كل ميادين الحياة، والعكس بالعكس.
في ضوء هذه الرؤية الشمولية لدلالات مصطلح ثقافة وتنويعاته، وعلى افتراض صحتها، رُبَّما جاز الشـروع في قراءة موضوعية جادة لمعطيات الواقع الثقافي، في غالبية بلدان العالم الإسلامي المعاصر، وما آلت إليه حالها الراهنة، من تقدُّمٍ أو تخلُّف، مقارَنَةً بما كَانَتْهُ قبلاً، وبما عليه حال الأمم الأخرى راهناً.
وأظنُّ أنَّه لابد من الشـروع في هذه القراءة، قبل غيرها، لاستثمار نتائجها في تكوين أرضية يمكن الانطلاق منها لرصد جوانب تخلف المسلمين المعاصرين وضعفهم، في ميادين رئيسة هامة، في مقدمتها: ميادين الفكر النظري والعلوم المادية وتطبيقاتها التكنولوجيَّة والفنون التعبيرية والاقتصاد والسياسة والإعلام وغيرها، ثم محاولة التعرُّف على الأسباب الصانعة لتخلفهم وضعفهم، والمُكرِّسَة لاستمرارهما، في هذه الميادين كلها، والمُعَطِّلَة لقدرة المسلمين على تجاوزهما إلى تقدُّم وقوة سبقَتْهم إليهما أممٌ أخرى كثيرة، في عصـرنا الراهن.
ولأنَّ تحديد الأسباب الصانعة للتخلُّف والضعف الثقافيين، في أيِّ مجتمع إنساني، لا يمكن أن يتمَّ بدقة، إلا في ضوء معرفة العوامل الكثيرة التي يساهم تفاعلها مع بعضها، كما يساهم كلٌّ منها منفرداً، بتكوين الثقافة الخاصة للمجتمع المراد دراسته، صار لزاماً البدء بإلقاء حزمة ضوء على هذه العوامل التي لا أتصوَّر أن تكون وليدةَ راهنٍ آنيّ، ولا حتى حقبة زمنية واحدة، طالت أم قصـرت، بل ناتجَ تراكمٍ بطيءٍ تمَّ على مدى عصور زمنية طويلة، تطورت خلالها هذه العوامل، مجتمعة ومنفردة، حتى صارت إلى ما هي عليه، في كلِّ عصـر، ولذلك يصعب، إلى حدِّ الاستحالة، مسح أو إلغاء الهوية الثقافية الخاصة بأيِّ أمَّة والعوامل المكونة لهذه الهوية، بقرار سياسي أو احتلال استعماري أو ثورة اجتماعية أو فكرية أو عقيدية أو أيديولوجية، بالغاً ما بلغت قوتها، ولعلَّ هذا ما يُفسـِّر عُسـرَ ولادة أيِّ جديد ثقافي، في أيِّ مجتمع، وما يحفُّ بداياته ومحاولات استقراره من موانع وعوائق، في مختلف المجتمعات..
وما دامت العوامل المكونة لثقافات المجتمعات الإنسانية، عموماً، على هذا النحو من القوة والقدرة على التأثير، فقد يكون من الأفضل البدء بإشارات سريعة إلى أهم العوامل التي ساهمت، في تكوين ثقافات المسلمين، قديماً وراهناً....
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس