عرض مشاركة واحدة
قديم 31 / 10 / 2016, 21 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

راهن العالم الإسلامي/الفصل 3/أهم العوامل التي كوَّنت ثقافات المسلمين

أهم العوامل التي ساهمت، في تكوين ثقافات المسلمين، قديماً وراهناً:

[align=justify]لاشكَّ أَنَّ المعتقدات، بمُشْتَمَلَاتِها المختلفة، تأتي في مقدمة هذه العوامل.. ليس لأنَّها تستمد قوة تأثيرها من قدسيتها فقط في نفوس أتباعها، بل من مساهمتها القوية في التشكيل الوجداني والفكري للكثير من أبناء المجتمعات الإنسانية، ثم من مساهمة هذا التشكيل برموزه ومفرداته ومفاهيمه ومعاييره وقيمه، في رسم المسارات السلوكية للمؤمنين بهذه العقيدة أو تلك، سواء في معاملاتهم مع بعضهم داخل مجتمعهم، أو مع الآخرين خارجه. وقد سبقَ الحديثُ بإسهاب، في الفصل السابق، عن قوة المعتقدات في رسم سلوكيات المسلمين، عبر العصور المتعاقبة لوجودهم، وعمَّا أفرزته هذه السلوكيات من نتائج إيجابية وسلبية، كان لها كبير الأثر في استمرار تَقَلُّبِهم بين القوة والضعف، أثناء رحلة عبورهم من عصر إلى عصر.
وعلى نحو لا يقلُّ قوة، تُساهم العادات والتقاليد في صناعة ثقافة المجتمعات الإنسانية، ورُبَّما بلغ بعضُ الراسخ المتجذِّر منها قوةَ العقيدة أحياناً، ورُبَّما فاقَها، في أحيان أخرى، وصولاً إلى تلك الدرجة التي تُمَكِّنه من لَيِّ عنقها لتتَّفق مع ما ورثه الناس من تلك العادات والتقاليد، من آبائهم، وما أَلِفُوهُ في سلوكياتهم، قبل ظهور عقيدة جديدة، في حياتهم، تخالفُ هذا الذي ورثوه وأَلِفُوه...
ولا تستمد العادات والتقاليد قوتها، من كونها إرثية فحسب، بل من اعتيادها الذي يصنع صعوبةَ هجرها إلى غيرها، حتى ولو كان أحسن منها، لأنَّ من الأسهل على الإنسان الاستمرار فيما اعتاده، وخصوصاً في صغره، من محاولته تعوُّدَ سلوكٍ أو طقس جديد شبَّ على خلافه، لأنَّ من شبَّ على شيء كان من الأسهل أن يشيب عليه.. ولاشكَّ أَنَّ الكثير مما يتعوَّدُه الناس، في بيئاتهم الأسرية الضيقة، سرعان ما يتحوَّل إلى تقليد يشيع في بيئاتهم المجتمعية الأوسع، خصوصاً إذا كان مصدرُه أسرة مُتَنَفِّذَة دينياً أو سلطوياً أو معرفياً أو ذات ثراء..
وبغضِّ النظر عمَّا إذا كان هذا التقليد حسناً أو سيئاً، يكتسب بتوارثه، من جيل إلى جيل، إمكانية التحوُّل إلى قيمة اجتماعية راسخة، ثم إلى خُلُقٍ شائعٍ يُمدَحُ الحِفاظ عليه ويُذَمُّ هجرُه أو الانحرافُ عن خطِّه.
ومع مرور السنين، تكتسب الأخلاق التي استطاعت الثبات، شيئاً من القداسة تمنحُها مناعةً كافية لمواجهة رياح أيِّ تغيير، سواء كان هبوبُها من الداخل أم من الخارج.. ولعلَّ المصدر الأهم لهذه المناعة مساهمةُ منظومة الأخلاق التي تسود أيَّ مجتمع، في نَسْجِ بنيته الثقافية التي تتمثَّل، بدورها، في مأثور أمثاله ومفاهيمه، وفي بَوصَلاتِ معاييره الموروثة، وركام رموزه، وما رشحَ من تراث أجداده الفكري والعقيدي والفني والأدبي، على اختلاف صوره ومذاهبه..
على افتراض صحة التصوُّر السابق، رُبَّما يصحُّ الزعم أيضاً بأنَّ ثقافة أيِّ مجتمع هي، إلى حدٍّ كبير، حصيلة ما شاع فيه وساد من أخلاق وقيم وأعراف ومعتقدات ومفاهيم ومعايير، عبَّر عنها وحفِظَها في أمثاله الشعبية ورموزه ونتاجات مبدعيه الفنية والأدبية والفكرية المُصاغة، على اختلافها، بلغته التي تبدو أشبه ما تكون بالناقل الحي، لمجمل إرثه الثقافي، من جيل إلى جيل...
ولأنَّ البيئات الطبيعية تُؤَثِّرُ في طبائع الذين يعيشون فيها، وتفرض نفسها على أنماط معاشهم وتفكيرهم وسلوكهم، كان من البديهي أَنَّ تختلف طبائع الناس وتتنوَّعَ طرقُ حياتهم وأساليبها، باختلاف بيئاتهم بين بدوية وريفية وحضرية، وبين داخلية وساحلية ونهرية وجبلية، وبين حارَّة وباردة ومتوسطة.... الخ، وهو ما يعني اختلاف عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم التي تساهم، بدورها، في صياغة أخلاقهم ومفاهيمهم وقيمهم ومعتقداتهم التي باختلافها، مجتمعةً، تختلف ثقافاتهم ونتاجاتهم الإبداعية ورموزها، فكريةً كانت أم فنية أم أدبية أم دينية، بغضِّ النظر عن نوعية حضارتهم ومدى انتشارها وقوتها..
في هذا الإطار من الفهم، يمكننا، كما أتصوَّر، أنْ نتبيَّن مدى ما تمتَّع به العالم الإسلامي، وما يزال، من تنوُّع ثقافي، وأن نتعرَّف، ولو على نحو مقارب، أهمَ الأسباب التي جعلتْ هذا التنوُّع يتجه نحو التكامل، في فترة، ونحو التشظي والتنابذ، في أخرى.. ومن خلال معرفة هذه الأسباب وتلك، يمكننا، كما أظنُّ، أن نفهم كيف استطاع هذا التنوُّع نفسه أن يكون عاملاً إيجابياً يساهم في إثراء الثقافة الإسلامية وقوتها وتقدمها وازدهارها، في مرحلة ما، ثم يكون، هو نفسه، عاملاً سلبياً يساهم في إضعافها وتخلفها، في مرحلة أخرى..
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس