08 / 11 / 2016, 14 : 03 PM
|
رقم المشاركة : [18]
|
كاتب نور أدبي ينشط
|
رد: أقلام الطريق
القلم السادس أكرهك أيها القصر...أكرهك أيها القصر...الكل مقيم هنا: الذكريات،والخادمات-العديد منهن-والحراس،والأثاث الفاخر، والسيارات، والأشجار،والنبات... وحتى أكوام القش...الكل هنا إلا أنا. أكرهك يا قصر حكيمة. قصري بالاسم فقط. أصبحت لاجئة في المستشفى من زمن بعيد لا أذكره. وهذه الغرف التي بلا عدد يسكنها الفراغ ... حتى غرفتي أدخلها من أجل حمام سريع، وتوضب الخادمات أغراضي لأعود مسرعة إلى المستشفى... ولا يهدأ بالي إلا عندما أراه...إنه ابني بملامح الموت. لا يأتي يوم جديد إلا ليأخذ منه شيئا.... حتى أصبحت يده ورجله...يحتاجني في كل شيء... في كل حركة. فقط عيناه تتحركان، ومن أجلهما مازلت أعيش، ومازال قلبي يقاوم.
كان لي زوج وابن وقصر وحياة، ثم اختفى كل شيء. زوجي... يبحث عن ابن آخر بين عديد النساء دون جدوى، وقصري لا أملك منه إلا اسما، وابني ينتظر الموت. أنا هنا ليل نهار ...لا أملك شيئا ...لا أملك شيئا إلا هذا الخوف الذي يتملكني ويزداد يوما بعد يوم. تمنيت لو أملك كوخا، لو كنت متشردة في الشارع...تائهة في صحراء جرداء...في أي مكان حيث أكون صحبة زوجي وابني؛ والسعادة تغمرنا. ما نفع هذا القصر... ما نفع هذه الأراضي...ما نفع المجوهرات...ما نفع مال الدنيا كلها وأنا بلا حياة. ليس لدي شيء...لا شيء له قيمة... ما من شيء يشتري حياة ابني...ما من شيء يقايضها. أنا فعلا لا أملك شيئا...لا أملك شيئا. الأشياء التي أملكها وأعدّها هي الأيام القليلة التي بقيت على حياة ابني.كل يوم هو هدية. كل يوم هو هبة، وكل شيء سوى ذلك هباء.
أفكر دائما أن أضع حدا لحياتي وحياة ابني، لكني أومن أن هذه الحياة فانية، والحياة الأخرى دائمة وأبدية. هناك سأجد السعادة والأمان والحياة. أظلمت علي الحياة ظلمة قاسية بلا نهاية، غير أني أعلم أنه بعد كل ليلة مظلمة تشرق الشمس. تأتي وحدها...تجتاح كل الأمكنة... تدخل من النوافذ... تتسلل من الثقوب والشقوق وكل المنافذ.
" ابتعدوا عنا... ابتعدوا عنا". ما ذا يكتب هذا القلم؟ "دعونا ...دعونا يا أوغاد". عجبا! قلم يتحرك وحده. ويخط ما يريد.
- انهض بني انهض...انظر قلم يتحرك ...ويكتب وحده.
- حقا أمي...(فهمتها من عينيه)
- يتحرك وحده فوق الورقة ...انظر عزيزي.
- أحب هذا القلم المتحرك.
ورأيت لأول مرة نظرة مختلفة في عينيه، ورأيت مع ملامح الموت على وجه صغيري إشراقة كبيرة.
|
|
|
|