الرسالة الأخيرة
الرسالة الأخيرة
قال جدي : الذي لم أسمعه طيلة حياتي ، حيث كان أصم لا يتكلم ،ولكنني فهمت بإشارة منه ، لنباهتي وسرعة بديهتي ، فقد كنت لماحا لبيبا ، وكل لبيب كما تعلمون ..أخجل من شدة تواضعي ، وذلك منذ نعومة أظافري ، التي لم تنبت من قبل ، حيث أنه كان عاجزا مشلول الحركة ، ولكني فهمت من عينيه ، فكما يقولون (افهمها وهي طايرة) وقد كان كفيفا لا يبصر ، ولكني شعرت بإحساسه ، فقد كنت فتى شفيفا، شديد الحساسية ، ولقد مات جدي قبل مولدي، بأكثر من خمسين عاما تقريبا ، على ما أتذكر ، لأني نسيت بالفعل ، ماذا قال جدي تحديدا ؟ أو ربما .. غالبا لم يقل شيئا ، نعم هو لم يقل شيئا ، وكم تمنيت أن يقول أي شيء!! لعلي أنقل عنه ولو كلمة واحدة ، لأبنائي الذين لم ولن أنجبهم ، مثل أصدقائي الذين لا أعرفهم !! ولم اراهم طيلة عمري ، كلمة تشعرني أن لي والد كان له والد ، أستطيع أن أقول له ، جدي الحبيب حفيدك الذي لم يولد بعد ،
كان من الممكن أن يحبك كثيرا ، ويفتخر بك ..لولا أنني لازلت في غياهب الغيب ، ولا أعلم إلى الآن ، إلى أين يسير مصيري ، ولولا أنك صغرت في عيني كثيرا ، لسوء أفعالك !! لكن اطمئن يا جدي ، فلن أخطأ خطأك ، أنت ، ووالدي ، سوف أرفض تماما ، تلك الحياة ، حياتكم الزهيدة ، فلا تجهد في أن ، تدخر لي موروثاتك الخرقاء ، من قناطير الشقاء ، والبكاء ، وأفدنة الألم ، والكآبة ، ونصيحتي لك قبل أن أختم ..تصدق بعباءتك القديمة فقد لطخها الوحل ، وأما عمامة رأسك فأسرع..للتخلص منها فور قدومك على الموت ، الذي لا أعلم أنك سوف تموته .. أم أنك لن تخلق من الأساس ، فلا حاجة لي بعمامة تحمل من الخزي ، والعار الكثير ، الذي لا أحب أن تتركه لحفيد مثلي ، يعقل ما لم تكن تعقله ، رغم أن الزمان قد أكل الكثير من كتف عمرك ، لن يقبل مطلقا أن تكون له جدا ، وسوف يهرب من ذلك النسب المشين . كان أول شيء فتح عينيه عليه ، بعد صدمة كهربائية حادة !! أفقدته الوعي ..أناس كثر رداءهم الأبيض ..ومازال يتسائل منذ خمسة عشر عاما
(أين أكون أنا؟؟ )
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|