أهلا ومرحبا بأخي الحبيب رشيد ميموني ، وكم تغمرني السعادة بتواجدي معكم ونحن مغمورون
بفيض هذه الأنوار من بحر ملكوت لا ينفذ ، فاذا تأملنا أخي رشيد حقيقة هذا الخلق البديع بعظيم آياته
نجد أن الكون بما فيه هو حقا مسبح لله وهذا يعني أن أسسه قائمة على نفي ما يستدعي نقصا
أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تعالى في خلقه البديع ، والمراد بتسبيحها حقيقة هو أن
لها حيا حاضرا موجداً تشهده لطائفنا ، منزّهاً من كل نقص متصفاً بكل كمال ، وذلك
مسطور في بناءاتها وأزواجها ونظائرها وأضدادها بكتل تساوت نسبها بانسياب محكم لأداء
محكم يفوق كل التصورات والمدارك ، فهذه الزوجية المتجلية في كل شيء مخلوق ، إنما
هي صفة بثها الله بوحي منه سبحانه في كيان كل مخلوق حتى تشهد المخلوقات بإفراد الوحدانية
للخالق ، فالله تعالى خلق من كل شيء زوجين حتى في أقصى تراكيب الذرة وما دونها وفي
ذلك سر من الأسرار عاكس لنور المكوِّن في دلالة على تفرد الخالق سبحانه بإفراد الوحدانية
وكمال الأحدية له ، لذا كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد ( هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ )
أي غير مبعض ولا مجزى ولا مكيف، ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقصان أي الذات
المتصف بالألوهية المتعالية المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة،
المتصف بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقاً، المستقل في الوجود والحياة والقيومية
المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير،
ولا يحيط به وبقيوميته بمطلق التدابير والتقادير ، فمعنى قوله تعالى (الله أحد) أي المعبود الذي يأله الخلق
عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعال عن صفات خلقه ، وأحد تعني شيء لا ينقسم فى نفسه أو
معنى صفته، فاذا أطلق أحد من غير تقدم موصوف، فهو أحد نفسه، فاذا جرى على موصوف، فهو أحد
فى معنى صفته، فاذا قيل: الجزء الذي لا يتجزأ واحد، فهو واحد فى معنى صفته، وإذا وصف تعالى بأنه
أحد، فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها غيره: من كونه قديماً وقادراً لنفسه وعالماً وحياً وموجوداً
كذلك، وأنه تحق له العبادة لا تجوز لأحد سواه ، ولا يجوز أن يكون ( أحد ) هذه هي التي تقع في النفي،
لأنها أعم العام على الجملة أحد، والتفصيل، فلا يصلح ذلك في الايجاب، كقولك ما فى الدار أحد أي ما فيها
واحد فقط ولا أكثر، ويستحيل هذا فى الايجاب، وفى قوله ( الله أحد ) دليل فساد مذهب المجسمة، لأن
الجسم ليس بـ ( أحد ) إذ هو أجزاء كثيرة، وقد دل الله بهذا القول على أنه أحد، فصح أنه ليس
بجسم تعالى الله عما يصفون .