رد: الأعلام الفلسطينيون في الموسوعة الفلسطينية ( المجلد الثالث )
فوزي القاوقجي ( 1890 - 1977 )
قائد عسكري ومناضل عربي ولد في مدينة طرابلس لبنان وخرج منها إلى الأستانة للدراسة طفلاً. وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي العربي تتفتح.
تخرج سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني. وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلم الفروسية في الكتيبة كلها.
أخذت مشاعر العروبة تقوى في نفس القاوقجي مع انكشاف ضعف الأتراك العثمانيين. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير . اشترك في الحرب ضد الذين احتلوا البصرة. وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة وأدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سرا بتكليف من بعض رجال الأحزاب العربية ليتصل بعدد من زعماء الحركة العربية في سورية ولبنان فوجدهم قد سيقوا إلى السجون والمشانق . عين في شهر أيار 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بير السبع غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية . وقد اكسبته أيامه في بير السبع خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن ، ونال شهرة واسعة لجرأته ، وحصل على عدد من الأوسمة، وقويت صلته بالقادة الألمان، وأصبح مرافقاً لهم.
أصبح القاوقجي أيام الإنتداب الفرنسي أمرا لسرية الخيالة في حماة، ومعاونا للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مظالمهم وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وثورة أتاتورك في الأناضول في نفسه وشجعته على التفكير بثورة مماثلة .
بدأ يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا. ثم أطلق الشرارة في 1925 مغتنما فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش. وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماة لولا قصف الطائرات. فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الافرنسيين. وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط عن الثوار في جنوبي سورية.
انتقل القاوقجي مع نفر من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة دمشق وجبل العرب. وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة مع سلطات واسعة. واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي. ولكن نقص العتاد واستشهاد الكثيرين من رجاله اضطراه إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب. كان القاوقجي ومن معه آخر من ترك ميادين الثورة السورية. وقد استدعته اللجنة الثورية إلى عمان والقدس في صيف 1927 وكلف السفر الى تركيا لاقناعها بمساعدة الثورة السورية ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة فلم يمكث فيها طويلا وذهب إلى السعودية سنة 1928 وهناك ألمه الدور الذي كان يلعبه البريطاني عبد الله فيليبي في المملكة ولكنه استطاع بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز الملك فيصل فيما بعد إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها اجبرته على الاستقالة. وبعد وساطة عين مستشارا للأمير فيصل. غادر القاوقجي الحجاز سرا إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929 والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن لمفاوضة الإنكليز محاولا اقناعهم بعدم جدوى المفاوضة وان لا بد من العمل والإعداد العسكري كما يفعل الصهيونيون ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى الحجاز.
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932 وعين معلما للفروسية وأستاذا للطوبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة رئيس نقيب وحاول أن يستثير همة الملك فيصل لإشعال نار ثورة على الافرنسيين في سورية بعد أن ثبت تأييدهم لحركة الآشوريين سنة 1934 ولكن وفاة الملك فيصل حالت دون ذلك.
ومع تزايد أحداث سورية هب القاوقجي للعمل بصورة فردية فاتصل بزعماء البادية الشامية، وبرجالات سورية في عمان وبغداد ودمشق، وأعد معهم خطة للثورة في سورية. وكان في الوقت نفسه مشغولاً بأحداث فلسطين التي زارها في سنوات 1934 ، 1935 و 1936 ووسع خطته لتشمل ثورتين في سورية وفلسطين. ولكن انتهاء احداث سورية بعد 54 يوما من الإضراب الكبير وإشتعال نار الثورة فيها جعلاه يلتفت إلى فلسطين، وكان على ثقة ببسالة شعبها وخبرة برجالها حين كان على رأس سرية خيالة منهم إبان الحرب العالمية الأولى.
كلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين فبدأ الاتصال بالأردن وسوريا ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وارسالهم إلى جبهة الثورة في فلسطين وفي شهر / 1936 /8وصل القاوقجي على رأس حملة من العراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين ساحة لنشاط حملته ووزع منشورا يدعو فيه الثوار إلى الانضمام اليه والنضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المحررة .
وكان لقدوم حملة القاوقجي أثر كبير في الثوار في فلسطين فازدادت حماستهم وانتعشت آمالهم بعد أن اتسمت الثورة بطابع الشمول العربي والنظام العسكرى الفني والثوار لم يكونوا يملكون الخبرة العسكرية لمواجهة جيش نظامي حديث وكان همهم مناوشة القوات البريطانية ونصب الكمائن لها. وكان الموقف السياسي يميل الى الضعف بسبب الإضراب الطويل وما ألحق باقتصاد فلسطين من خسائر وبسبب وساطة زعماء العرب الذين أوفدوا نوري السعيد الى فلسطين يقدم الوعود ويمني زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية حل القضية اعتمادا على شرف بريطانيا ، وبعد أيام من التنظيم والاعداد خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معركة بلعا في أيلول سنة 1936 فهزم فيها الإنكليز ولحقت بهم خسائر كبيرة لم يعهدوها من قبل فعزلوا القائد العام. وقد بعث هذا روحا جديدة في نفوس الثوار والشعب بكامله وقوى مركز اللجنة العربية العليا وتوقفت مهمة نوري السعيد . ثم انتصر الثوار في معركتهم الثانية في جبع أيلول 1936 وانزلوا بالقوات البريطانية ضربة مفاجئة . وأفلت من عدة كمائن نصبتها له القوات البريطانية . وفي الأردن سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية حيث استقبل استقبالا حكوميا وشعبيا حارا .
أقام القاوقجي في بغداد مدة ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الإنكليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون . وتوضحت له في كركوك خديعة الإنكليز للحركة الوطنية الفلسطينية. فقد أخذوا يعززون قواتهم في مناطق الثورة الفلسطينية ويحمون حدود فلسطين ويجردون القبائل على ضفتي الأردن من السلاح. ولذلك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة ، ولا سيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937 . أفرج عن القاوقجي بعد مقتل بكر صدقي وتولى جميل المدفعي رئاسة الوزارة العراقية فعاد الى بغداد واتصل به زعماء فلسطين للإعداد للثورة بمساعدة ألمانيا. ولكن العمل تعثر بسبب مصادرة اسلحة كانت مرسلة من الألمان في نيسان سنة 1938 ، وبسبب بدء المفاوضات بين بريطانيا والزعماء الفلسطينيين. واتجه هم القاوقجي إلى سورية وقضية لواء الاسكندرون بخاصة فاشترك مع عدد من رفاق نضاله في وضع خطة ثورة تشتعل في سورية وتسري إلى بلاد الشام كلها ويتم معها إعلان حكومة وطنية تدير الثورة القائمة في أنحاء سورية كلها . واعتبار قضية فلسطين وشرقى الأردن وسورية ولبنان قضية واحدة وثورة واحدة تحت زعامة زعيم واحد وبدأ الإعداد والتنظيم للثورة وتم الاتصال بالسفير الألماني ولكن توقف ذلك كله مع نشوب الحرب العالمية الثانية في 1/9 1939 .
أتيحت فرصة العمل للقاوقجي ثانية حين نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941 فقد قاد فريقا من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الإنكليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عددا من المعارك الناجحة. ثم أصيب بجراح خطيرة حين سارع إلى صد هجوم إنكليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين. وقد أجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت بنتيجتها 19 رصاصة وشظية من جسده، وظلت رصاصة تسكن رأسه حتى أواخر حياته. وعندما دعاه الألمان إلى العمل أصر على أخذ اعتراف رسمي منهم بحقوق العرب واستقلالهم قبل الإلتزام بالعمل. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي ( وكانت أسرته قد لحقت به ) لأنه أي الأب لم يتعاون معهم ورفض الاشتراك في الجنازة العسكرية التي أقيمت له . أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو مع تراجع ألمانيا على مختلف الجبهات. وشهد انهزام الرايخ الثالث ودخول السوفييت إلى برلين. وقد اعتقل مع زوجته ومرافقه في 29/ ه / 1946 ثم أطلق سراحه بعد شهر عندما ثبت للسوفييت أن تعاونه مع النازيين كان كرها بالانكليز ، وظل هناك تحت الرقابة، ولكنه استطاع أن يفلت منها ويصل إلى القطاع الفرنسي من برلين ومنه إلى باريس بعيدا عن أعين الإنكليز الذين كانوا يلاحقونه لتنفيذ حكم الإعدام فيه. ثم طار إلى القاهرة فوصلها في شباط 1947 وهناك وجد قضية فلسطين قد بلغت مرحلة خطيرة، وبدأ الإعداد لحلها بالقوة وبالعمل العسكري بمساندة جامعة الدول العربية للشعب الفلسطيني ممثلا بالهيئة العربية العليا ورئيسها محمد أمين الحسيني فاجتمع به القاوقجي عدة مرات وأبدى له استعداده للعمل والنضال. سافر القاوقجي من القاهرة إلى مدينته طرابلس حيث استقبل استقبالا حارا. ثم انتقل إلى دمشق في 12/3/1947 وقابل رئيس الجمهورية العربية السورية معلنا له رغبته في العمل، وتقدم باقتراح إلى مجلس جامعة الدول العربية لتأليف قوة متطوعين عرب مدربين تسلحهم الدول العربية ويدخلون فلسطين للوقوف في وجه الصهيونيين، ولتدريب الشباب الفلسطيني في حين تقف الجيوش النظامية العربية على الحدود مستعدة لتلبية نداء الاستعانة بها عند الحاجة .
وافقت الجامعة العربية على الاقتراح وأسندت إلى العميد العراقي طه الهاشمي مسؤولية التجهيز والتسليح والى محمد عزة دروزة مسؤولية الإعانات، وكلف القاوقجي تولي قيادة قوات المتطوعين أو ما سمي جيش الإنقاذ، وبدأ التدريب العسكري في معسكر قطنا القريب من دمشق . وتشكلت لجنة عسكرية تمثل الجامعة العربية مقرها دمشق . تسلم القاوقجي القيادة رسميا في 7/ 12 /1947 في ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة اخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل قيادة جيش الجهاد المقدس التي بدأت العمل في منطقتي القدس والخليل وتنظيم المقاتلين في مناطق أخرى.
ارسل القاوقجي الفوج الأول من جيش الإنقاذ بقيادة الضابط السوري المقدم أديب الشيشكلي إلى منطقة الجليل الغربي عن طريق لبنان، ثم اتبعه الفوج الثاني بقيادة المقدم السوري محمد صفا عن طريق الأردن إلى منطقة سمخ والحولة . ثم نقل القاوقجي مقر قيادته من دمشق إلى فلسطين في 6/3/1948 واتخذ قرية جبع في قضاء جنين مقرا لقيادته. وأقام فيها محطة إذاعة خاصة واصدر بعد وصوله بيانا إلى الشعب. تسلم جيش الإنقاذ المسؤولية في مناطق محددة له، ووضع القاوقجي منهجا للعمل أساسه تأمين الأمن المطلق واستطلاع العدو ومستعمراته واستدراج القوات الصهيونية خارج المستعمرات وخاض منذ بداية نيسان عدة معارك ظاهرة ضد الصهيونيين الذين تساندهم القوات البريطانية. ومن أبرزها معارك مشمار هاعيميك الأولى والثانية، وزرعين ، وعارة ، وقاقون ، وطيرة قلقيلية. كما قدمت قوات جيش الإنقاذ المساعدة إلى المجاهدين في معركة باب الواد ، اللطرون في 13/5/1948 . وكان في بعض الأحيان يخالف أوامر القيادة العامة .
شعر القاوقجي بما يعانيه جيش الإنقاذ من نقص العتاد والمؤن وتقصير القيادة في دمشق في امداده رغم استنجاد الجهات المختلفة فقرر السفر الى دمشق، وهناك حمل الساسة مسؤولية التهاون ونقص الإمداد.
زار القاوقجي عمان قبيل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين ليبحث دور جيش الإنقاذ بعد دخول الجيوش النظامية ولكن القيادة في دمشق طلبت منه الإنسحاب مع قواته وتسليم مواقعه إلى الجيش الأردني فانسحب في 16/5 / 1948 ولكنه عاد إلى القدس لنجدة الأحياء العربية المهددة بالسقوط . سافر القاوقجي إلى دمشق في 24/5/1948 واجتمع بالمسؤولين وشكا اليهم سوء وضع جيش الإنقاذ ونقص العتاد واللباس والمؤن وهدد بتقديم استقالته. ولكن الرئيس القوتلي أقنعه بالانتقال مع قواته إلى الجبهة اللبنانية حيث خاض مع الجيشين السوري واللبناني معركة المالكية وانتصر فيها وبذلك ضمن البقاء لجبل عامل بأسره في يد العرب .
ولما أعلنت الهدنة الأولى بين الدول العربية واسرائيل أحس القاوقجي بخطئها الفادح وخطرها على جيش الإنقاذ لأن الجبهة التي كان هذا الجيش يحمل مسؤولية حمايتها واسعة لا تتناسب وامكانياته ووضع رجاله ونقص عتاده وعدم استجابة المسؤولين لمطالبه . وبعد سقوط رقعة واسعة من الجليل ( لوبية ، وصفورية ، وشفا عمرو ، والناصرة ، والشجرة ) وسلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين قدم استقالته إلى الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام مبيناً أسبابها.
هاجمت القوات الصهيونية جميع جبهات جيش الإنقاذ بقوات متفوقة تملك الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة وظلت المعارك مستمرة حتى 13/10/1948 حين تمكن القاوقجي من سحب قوات جيش الإنقاذ إلى جنوب لبنان، ثم اضطر مرغما للاستجابة إلى طلب اللجنة العسكرية تسريح نصف الجيش بحجة عدم وجود المال اللازم ، رغم إحساسه بالخطر الصهيوني الذي يهدد جنوب لبنان. وقد شعر بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية اليمة وبقي فيها حتى وفاته.
كان حصاد حياة القاوقجي عددا ضخما من الوثائق غنمها في الميدان الحربي، ومجموعة ملاحظات التقطها واستخلصها نتيجة اختبارات طويلة وتجارب عميقة فدونها في مذكراته مؤكدا فيها إيمانه بالشعب العربي والوطن العربي، واحساسه بالألم من مواقف بعض الزعماء السياسيين لانهم لم يكونوا، برأيه، على مستوى المعركة .
يتبع
|