رد: همسات دمشقية
[align=justify]الهمسة (8)
خرجَت بليلٍ، لتجمعَ بضعة أعواد يابسة تُشعلُها لتطهوَ على نارها ما يُسكتُ صراخَ الجوع المُنْبَعِثِ من بطونِ صغارها..
وكما تفعلُ الساحراتُ، في الخرافات القديمة، راحتْ تُمسك كلَّ عودٍ على حِدَة، وتتلو عليه أدعيةً لا يُلْهَمُها إلَّا اللاجئون السوريون، آملةً أن تَحْدُثَ معجزةٌ تجعل حزمةَ الأعشاب التي ستطهوها للجائعين مُشبِعَة..
وبعد أن اطْمَأَنَّتْ إلى أنَّ دعاءها بلغَ السماء، أشعلت الأعوادَ تحت قِدْرِ ماء كبيرة، فانبعثَتْ من اشتعالها غيمةُ عطرٍ بالغة التأثير، اجتذبَت جَوْعَى المخيم، فهرعوا إليها يتساءلون: ماذا تُوقدين؟
فأشارت إلى الأعواد خائفة.. فلَمَّا رَأَوها تَتَشَكَّلُ طيراً من نار له وجهُ سوريا الأصيلِ وروعتها العريقة، تراجعوا أيضاً خائفين..
فلما رأوا نارَ الطيرِ تخبو رويداً رويداً حتى صار الطيرُ رماداً، حزنوا.. لكنَّ حزنَهم سرعان ما تَحَوَّلَ دهشةً، حين رأوا ذاك الطيرَ نفسه ينهض، من رماده، حيّاً قويّاً مُعافى من جديد..
سألوه عن سرِّه، فأخبرهم أنَّ اسمَه (الفينيق)، وأنَّه طائرُ سوريا الأسطوري، ورجاهم الَّا يخافوا ولا يحزنوا، مهما اشتَدَّتْ صروفُ الدهرِ عليهم، لأنَّ فيهم سِرَّه، كما يُؤكِّدُ تاريخهم الذي يروي أنَّهم في كلِّ مرةٍ تُحيلُهم المأساةُ رماداً، إذا بهم، من رمادهم، ينهضون شباباً قائداً، من جديد، وَسَادَةَ دنيا ودين.. [/align]
|